-->

مدى توقف تحريك الدعوى العمومية في الشيك على الاحتجاج، والإدلاء بأصل الشيك

ابو مسلم الحطاب رئيس غرفة بالمجلس الاعلى

يحيط القانون الصرفي حامل الشيك بضمانات هامة تمكنه من استيفاء قيمته. ولعل اهم هذه الضمانات هو انتقال  ملكية  " مقابل الوفاء " (الرصيد) الى حامل الشيك منذ إصداره(1) بحيث لا يبقى للساحب أي حق في التصرف في هذا المقابل او الرصيد، بعد ان اصبح ملكا للحامل ( المستفيد الاول، او من آل اليه الشيك عن طريق التظهير) منذ اصدار الشيك.

ولحمل الساحب على توفير مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه، عند اصدار الشيك، فرض المشرع  في  الفصلين 70 من ظهير الشيك و543  من القانون الجنائي، عقوبات زجرية، حبسية، ومالية يقررها القضاء كلما حركت ضده النيابة العامة او المطالب بالحق المدني، دعوى عمومية من اجل جنحة اصدار شيك بدون رصيد.

لكن، اذا كانت جريمة اصدار شيك بدون رصيد لا تقوم الا اذا توافرت أركانها العامة والخاصة(2)، فهل يشترط لتحريك الدعوى العمومية بشانها، وبالتالي للبت في موضوعها، تحرير محضر احتجاج بالامتناع من اداء قيمة الشيك، والإدلاء باصل الشيك الذي لا رصيد له؟

ان الباعث على طرح هذا السؤال  بشقيه، هو ما جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى ( الغرفة الجنائية )  بتاريخ 30/1/1992،  تحت  عدد 740 في الملف الجنحي عدد 14132 (  غير منشور )، لنقض  القرار  الصادر  عن  محكمة  الاستئناف  بمكناس  بتاريخ 7/11/89  في الملف عدد :  1238/89،
-------------------
1) يستفاد انتقال ملكية مقابل الوفاء في الشيك من الفصل 17 من ظهير الشيك الذي ينص على ان التظهير ينقل جميع الحقوق الناتجة عن الشيك وخصوصا ملكية مقابل الوفاء، ومن الفصل 56 من نفس الظهير الذي ينص على ان حق الحامل في رفع الدعوى على المسحوب عليه يتقادم بمضي ثلاث سنوات ابتداء من يوم انتهاء اجل التقديم، والذي يقرر للحامل حقا خاصا ازاء المسحوب عليه يستند اليه في دعوى المطالبة بقيمة الشيك، وهذا الحق هو مقابل الوفاء الذي انتقل الى المستفيد بمجرد سحب الشيك.
2) ابو مسلم الحطاب، الحماية الجنائية للتعامل بالشيك في التشريع المغربي، مجلة القضاء والقانون، العدد 143، ص53، مجلة الامن الوطني عدد 171، ص 21.
-------------------
 بعلة ان الطاعن اثار دفعا يتعلق بكون محضر الاحتجاج بعدم الدفع غير مؤشر عليه من طرف كتابة الضبط، ويكون الشيك لم يدل بأصله، ولم تجب عنه المحكمة، نصه " وحيث ان دفاع الطالب أثار بطلان المحضر وبطلان المسطرة لكون الاحتجاج بعدم الدفع غير مؤشر عليه من طرف كتابة الضبط ولكون الشيك انما أدلى بصورة منه، وان هذا الدفع سجل بمحضر الجلسة المؤرخ في 17/10/89 وحيث ان القرار المطعون فيه اغفل الرد على الدفع الذكور. مما يعرضه للنقض".

ومن الثابت ان المحكمة لا تكون ملزمة بالجواب عن الدفوع الا اذا كانت منتجة، أي لها تأثير على النتيجة التي انتهت اليها المحكمة في قضائها.

ويبدو ان الدفع بشقيه، الذي تمسك به: ( طالب النقض)، كساحب للشيك، بعد ان أثاره امام محكمة الموضوع، ولم تجب عنه، لا تأثير له على القرار المطعون فيه القاضي بتأييد الحكم الابتدائي، فيما قضى به من إدانة الساحب من اجل اصدر شيك بدون رصيد، ذلكم انه: 
1- فبالنسبة للاحتجاج بعدم الدفع ( الأداء)
من المعلوم انه يترتب عن جريمة اصدار شيك بدون رصيد، دعويان إحداهما عمومية تهدف الى معاقبة الساحب، والأخرى مدينة تهدف الى استيفاء قيمة الشيك، والتعويض ان كان له محل ومن الثابت ان اصدار شيك بدون رصيد كجريمة، يمكن إثباته بجميع وسائل الإثبات( بما فيها الاحتجاج بعدم الوفاء ان وجد) كما ان اصدار الشيك بدون رصيد كفعل ضار يخول للمستفيد من الشيك، ان يقيم دعوى مدينة مستقلة امام المحكمة المدنية، قصد الحكم له بقيمة الشيك مع التعويض ان كان له محل.… وتسمى هذه الدعوى " دعوى الرجوع الصرفية" (3).
ودعوى الرجوع هذه قد ترفع على الساحب، متى كان حامل الشيك هو المستفيد الاول، او كان حاملا شرعيا  للشيك(4)، وفي هذه الحالة، لا داعي للاحتجاج، حيث يبقى لحق للحامل المهمل في الرجوع على الساحب الذي لم يكن قد أودع مقابل لوفاء طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 56 من ظهير الشيك، وقد ترفع على المظهرين.. وفي هذه الحالة يتعين على الحامل - تحت طائلة سقوط حقه - في الرجوع على هؤلاء، ان يقيم الاحتجاج لإثبات تقديم الشيك الى المسحوب عليه،
--------------------
1) يتضمن موضوع الدعوى الصرفية مبلغ الشيك، وفوائده القانونية، والمصاريف، طبقا للفصلين 49 و50 من ظهير الشيك.
2) الحائز الشرعي هو حائز الشيك الذي يثبت انه صاحب الحق فيه بواسطة سلسلة غير منقطعة من التظهيرات حتى ولو كان التظهير الأخير على بياض ( الفصل 19 من الظهير).
--------------------
 وامتناع هذا الاخير عن الوفاء به، طبقا لمقتضيات الفصل 44 من الظهير. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فلساحب الشيك ان يشترط في الشيك كبيان اختياري، عدم إقامة الاحتجاج ضده، وهو ما يسمى " شرط الرجوع بلا مصاريف" طبقا للفصل 47 من الظهير، وواضح انه اذا كان من حق الساحب ان يشترط في الشيك هذا الشرط، ووقع التسليم بضرورة الاحتجاج في الدعوى العمومية، فان الساحب يصبح ( محصنا) من المتابعة الجنائية، اذ يستطيع عرقلة تحريك الدعوى العمومية، الأمر الذي لا يتفق وحماية التعامل بالشيك وتعزيز الثقة فيه.

وقد سبق للمجلس الاعلى ان عرضت عليه قضية في هذا الإطار فرفض دفعا يتعلق باثبات عدم وجود الرصيد بواسطة (البروتستو) بالحيثية التالية: " وحيث ان الاحتجاج بعدم الدفع لا يعتبر شرطا لازما لاثبات انعدام الرصيد ما دام هذا ثابتا من خلال التصريحات ومضمون الوثائق كما ان مسطرة الاحتجاج بعدم الدفع لم تنص عليها جنائيا وهي لا تهم الا الدعوى المدنية.. (5).

وهكذا يتجلى، وبكل وضوح، ان اقامة الاحتجاج لا يكون شرطا في الدعوى العمومية اطلاقا، وانما يكون لازما في الدعوى الصرفية عندما يرجع الحامل على المظهرين وكفلائهم الاحتياطين بحقوقه الناشئة عن الشيك باعتبارهم ضامنين طبقا للفصل 18 من نفس الظهير، لحماية هذه الحقوق، ولذلك فلا تتوقف عليه الدعوى العمومية، وبالتالي فالدفع به غير منتج، ومن ثمة فعدم الجواب عنه غير موجب للنقض.


1- اما بالنسبة للإدلاء باصل الشيك، فان الشيك باعتباره سندا تجاريا، يخضع لمبدأ الشكلية او الحرفية، أي ان الالتزام الذي يتضمنه عن ورقة ذات شكل خاص تشتمل على بيانات معينة حددها القانون، كما يخضع لمبدأ الكفاية الذاتية، أي ان يكون كافيا بذاته مستقلا بنفسه، وبالتالي لا يستند الى أي عنصر خارجي عنه والا فقد قيمته الصرفية ومن اجل احتفاظه بهذه القيمة. نظم المشرع، في حالة ضياعه، مسطرة خاصة لاستيفاء قيمته، او طلب نسخة ثانية منه لهذاالغرض، طبقا للفصل 37،38،39 من الظهير، ما نظم طريقة للوفاء بقيمته في الفصل 34 من هذا الظهير.

ويستفاد من مقتضيات هذه النصوص، ان الشيك هو السند الصرفي الوحيد الذي يثبت التزام المدين فيه بقيمته، ويخضعه لقواعد القانون الصرفي القاسية، طالما بقي بيد الحامل أي المستفيد او الحامل الشرعي ولذلك لا يطالب هذا الأخير بالإدلاء به في الدعوى العمومية، ما دام يهم الدعوى الصرفية الموجهة ضد الضامنين وحدها، سيما وان الشيك معرض في هذه الحالة
------------------------
1) قرار عدد 2141 وتاريخ 1989/2/7، مجلة القضاء والقانون عدد 143، ص 141 .
---------------------
للضياع، ولا يقوم مقامه عندئذ أي سند اخر، وان مسطرة الحصول على نسخة ثانية منه معقدة، ومادامت وثائق الملف تثبت وجود الشيك، فقد ذكر الدكتور حسن  صادق المرصفاوي: " ان تطلب بعض البيانات في الشيك لا يعني ضرورة وجود الشيك ماديا لإمكان الحكم بالعقوبة في احدى جرائم الشيك، لانه وان كان الصك في ذاته يعد جريمة واحد أدلتها، الا ان اتلافه او عدم امكان تقديمه امام المحكمة لا يمنع من القضاء بالإدانة متى توافرت أركان الجريمة واطمأنت المحكمة الى وجود الشيك فعلا وان لم يضبط امامها وليست هناك علة للخروج على القواعد العامة في الإثبات، ولذا قضى بان عدم وجود الشيك عند المحاكمة لا ينفي وقوع الجريمة… متى قام الدليل على سبق وجوده مستوفيا شرائطه القانونية وللمحكمة ان تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات…. فيحق لها ان تأخذ بالصورة الفوتوغرافية كدليل في الدعوى اذا ما اطمأنت الى مطابقتها للاصل " (6)، وذكر الاستاذ معوض عبد التواب " ان تطلب بعض البيانات في الشيك لا يعني ضرورة وجود الشيك ماديا لامكان الحكم بالعقوبة في احدى جرائم الشيك، فلا ينفي وقوع الجريمة عدم وجود الشيك لدى المحكمة سواء كان ذلك لإتلافها وفقده او سرقته او لغير ذلك من الاسباب فيكفي ان يثبت لدى المحكمة ان ثمة شيكا قد أصدره الساحب لا يقابله  رصيد ولها ان تكون عقيدتها في الموضوع بكافة طرق الاثبات" (7)، وذكر المستشار محمد محمود المصري: " لا ينفي وقوع الجريمة عدم وجود الشيك عند المحاكمة اذا أقام الدليل على سبق وجوده مستوفيا شرائطه القانونية. فضلا عن عدم تقديم اصل الشيك لا ينفي وقوع الجريمة وللمحكمة ان تأخذ بالصورة الشمسية للشيك كدليل في الدعوى اذا اطمأنت اليه"ا(8)، كما ذكر المحامي حامد الشريف وهو قاض سابق: " ان الدفع بانعدام اصل الشيك هو من الدفوع التي لا تؤثر في قيام جريمة اصدار  الشيك بدون رصيد وان عدم تقديم اصل الشيك لا ينفي وقوع الجريمة في قيام الدليل على سبق وجوده مستوفيا شرائطه القانونية وللمحكمة ان تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات..." (9).

وهكذا يتجلى - ايضا- من اقوال هؤلاء الفقهاء المبنية في معظمها على احكام القضاء الوطني لبلدهم، ان الإدلاء باصل الشيك في الدعوى العمومية ليس ضروريا وانه يكفي الإدلاء به بصورة منه، او يوجد ضمن وثائق الملف ما يثبت وجود الشيك، مادام الأمر يتعلق بالإثبات، وما دامت وسائله في جرائم الشيك غير محددة في القانون.
---------------------------------
2) المرصفاوي في جرائم الشيك، ص 87، منشاة المعارف بالاسكندرية.
3) الوسيط في جرائم الشيك، ط 3، 1985، ص 75، عالم الكتب بالقاهرة.
4) احكام الشيك مدنيا وجنائيا، 1985، ص 256، دار المطبوعات الجامعية بالاسكندرية.
5) الدفوع في الشيك امام القضاء الجنائي، 1991، ص209، مطابع الدار البيضاء بالقاهرة.
----------------------
*مجلة المحاكم المغربية، عدد 67، ص 45.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية