-->

استقلال المحامي والمحاماة تقرير حول "المحامي والقاضي- الحقوق والواجبات



تقرير حول "المحامي والقاضي- الحقوق والواجبات" من إنجاز الأستاذ محمد الودغيري نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء في الحلقة الدراسية التي نظمها الاتحاد الدولي للمحامين بدكار يوم 25 ابريل1990 وتعريب الاستاذ مصطفى الناوي المحامي بهيئة الدار البيضاء.


السادة النقباء 
زملائي الأعزاء،
قبل ان القي عرضا، موجزا قدر الإمكان، حول جانب من جوانب " استقلال المحامي والمحاماة" ارى من واجبي التعبير باسم المحامين الأفارقة، عن ارتياحنا العميق للمبادرة الطيبة التي اتخذها الاتحاد الدولي للمحامين، مستجيبا بذلك بصورة إيجابية لرغبتنا المعبر عنها في مناسبات عدة، ولآخر مرة، خلال الاجتماعات المنعقدة على هامش أشغال مؤتمر انتيرلاكن.

ان اختيار موضوع حلقتنا الدراسية ومشاركة الزملاء الأفارقة في تحضيرها وتنشيطها لينمان عن العزم الاكيد للاتحاد الدولي للمحامين على الانكباب، بكل ما يقتضيه الامر من عناية، على اهتماماتنا الأساسية والمباشرة، وبالدرجة الأولى، ما يتعلق منها بحقوق الإنسان.

ومن جهة اخرى، فان مناقشة موضوعنا تندرج بلا جدال في اطار النقاش الكبير - الذي يثير منذ فترة من الوقت اهتماما خاصا- حول قضية حقوق الانسان.
ومع ذلك، فلا بد ان نسجل بكل اسف ان بعض المسؤولين، وحتى من بين القضاة -  طالما ان الامر سيتعلق بالقضاة في هذا العرض -  ما زلوا يتجاهلون الصلة الوثيقة بين استقلال المحامي وبين حقوق الانسان بصفة عامة.
فمن اجلهم اذن بصفة خاصة يتعين التذكير ببعض المبادئ التي تتبناها الهيئات الدولية وتنادي بها.

وبهذا الصدد، لا يمكننا توضيح الاهتمام الكبير الذي توليه هيئة الامم المتحدة لاستقلال المحامي توضيحا افضل من التذكير برسالة سكرتيرها العام الى نقيب هيئة المحامين بباريس، بمناسبة مراسيم الافتتاح  الرسمي لندوة التمرين يوم27 يونيو1986.

فبعد التذكير بمبادئ الميثاق العالمي لحقوق الانسان والذي تبنته هيئة الامم المتحدة كتب السكرتير العام:
" مازالت هيئة المحامين المتحدة تتبع باهتمام مسالة حقوق الانسان في ادارة العدل، وقد نشرت اللجنة الفرعية لمكافحة الاجراءات التمييزية وحماية الأقليات التابعة للمنظمة في شهر غشت 1985 تقريرا تحت عنوان " دراسة حول استقلال ونزاهة السلطة القضائية للمحلفين ومساعدي القضاة وحول استقلال المحامين" وهو يكتسي، فيما يبدو، اهمية مباشرة بالنسبة لمداولاتهم. انه يتضمن مشروع اعلان حول استقلال العدل، صيغت فيه عدة توصيات رامية الى توطيد استقلال المحامين، والقضاة والمحلفين ومساعدي القضاة. واحد المبادئ المعلن عنها في هذا المشروع هو ان " استقلال المحاماة يشكل ضمانة اساسية للنهوض بحقوق الشخص وحمايتها" ( الحقوقي الدولي 86/3).

وفضلا عن ذلك، فان المنظمة الدولية قد أخذت بعين الاعتبار توصيات الندوة الدولية حول استقلال العدل المنعقدة بمونتريال من 5 الى 10 يونيو1983، ولا سيما التوصية التي تعلن ان " لكل شخص حق الاستفادة استفادة فعلية من الخدمات التي تقدمها مهنة قانونية مستقلة من اجل تامين حقوقه وحمايتها، سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي او على المستوى المدني والسياسي.

ومن الجدير ايضا التذكير بان المؤتمر السابع للأمم المتحدة من اجل الوقاية من الجريمة ومعاملة المنحرفين "يوصي الدول الأعضاء بتامين حماية المحامين اثناء مزاولتهم لمهمتهم من كل مضايقة او ضغط لا موجب له".

ومن جهة اخرى، فان المناسب التشديد، هنا في هذه الارض الإفريقية، على ان الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، الذي تبنى بدوره هذه المبادئ الكبرى قد اعاد التأكيد بخاصة على " حق الدفاع" مما لا يمكن تأمينه، طبعا، الا عن طريق مدافعين مستقلين.

فمن غير الجائز اذن فصل استقلال المحامي عن مجموع المبادئ التي تشكل اساس حقوق الانسان.
وكل تضييق لهذا الاستقلال هو في الواقع مساس خطير بحقوق الانسان.
وان التذكير بهذه المبادئ يكون احيانا مجديا جدا لوضع قضية استقلال المحامي في سياقها الحقيقي.
ويمكن تحليل احد مظاهر هذا الاستقلال من خلال العلاقات بين القاضي والمحامي.

ان العلاقات بين مهنة المحامي والسلطة القضائية تتصل بالمؤسسة، أي بهيئة المحامين وستشكل بالتالي مجال مناقشة حول محور : " هيئة المحامين والسلطة القضائية".
على انه ينبغي الاقتصار في هذا التدخل على العلاقات الانسانية بين القاضي والمحامي وحدها، باعتبار الوظائف الخاصة بكل منهما في اطار النشاط القضائي.

هل يمكن القول ان هذه العلاقات الانسانية تفسح، في الواقع الحالي للنصوص، او حتى في الممارسة، المجال امام انتهاكات لاستقلال المحامي ؟
ينبغي اولا تبديد لبس ملحوظ لدى بعض قضاتنا.

فالمحامون، حسب التشريع المطبق في مختلف  البلدان، ومن بينها فرنسا والمغرب، يؤدون اليمين على مراعاة الاحترام الواجب " للمحاكم" وليس للقضاة ( وردت صيغة اليمين في القانون المغربي، في الفصل 13 من قانون 5/6/1979 المنظم لمهنة المحاماة).

اما القضاة، فان المحامين ليسوا ملزمين ازاءهم سوى بمراعاة " حدود اللياقة" وفضلا عن ذلك، فسواء فيما يتعلق بالاحترام الواجب للمحاكم او بحدود اللياقة الواجبة على القضاة كل على حدة، فان الاحترام متبادل.
وقد كتب جان ابولوتون JEAN APPELETON في " رسالة حول مهنة المحاماة":
" لقد امكن القول بحق ( des, cressonnières المرجع السابق، ص39-40) ان هذا الالتزام المزدوج - الاحترام وحدود اللياقة - هو التزام متبادل،  طالما ان لكل مؤسسة من المؤسستين ( القضاء والمحاماة ) مكانها المتميز في ادارة العدل، وليست أي منهما خاضعة للاخرى، كالاشخاص تماما، وكما ان اعضاء هيئة المحامين مدينون باحترام المحاكم ومراعاة حدود اللياقة ازاء القضاة، فان على هؤلاء القضاة ان يحترموا مؤسسة الدفاع ويبرهنوا لاعضائها عن مراعاة حدود اللياقة".

وتبقى هذه القاعدة صالحة بالرغم من تطور الاجهزة القضائية والتغييرات الحاصلة في العلاقات بين المحامين والقضاة.

وفيما يتعلق بالمحامين، فان المقتضيات القانونية والتنظيمية وكذلك الاعراف التي تحكم مهنتهم، تفرض عليهم التقييد بسلوك مطبوع بالاحترام ازاء  المؤسسة القضائية والسهر على الحفاظ على " حدود اللياقة" في علاقاته مع القضاة.

وهكذا، فان من الواجب عليهم الاستنكاف عن كل ممازحة في غير محلها وابداء " تشكك جارح ومخاصمة منهجية" ازاء قاض من القضاة.

وقد كرست هذا الالتزام عقوبات تادبيبة.
وتمنع بعض التشريعات، ومن بينها النص المنظم للمهنة في المغرب، المحامي من رفع دعوى في مواجهة قاض قبل احالة الامر مسبقا على النقيب.

فهل يمكن القول بان القضاة، من جهتهم، يراعون هذه الاعتبارات ازاء المحامين؟
مما يؤسف له، اولا وقبل كل شيء، ان بعض القضاة يميلون الى اعتبار المحامي خصما لا ينبغي مراعاة جانبه بتاتا، دون ان يعيروا أي اهتمام للنصوص ولا للاعراف المنظمة لعلاقاتهم مع اعضاء هيئات المحامين.
ونلاحظ هذه التصرفات اساسا لدى القضاة الذين يبتون كقضاة فرديين، في المادة المدنية او الزجرية، علما بان مثل هذه الانواع من القضاء موجودة في بعض الانظمة القضائية.

ويمكن ان يؤدي هذا السلوك الى مبادرات بالغة الخطورة، ضارة على وجه الخصوص باستقلال المحامي.
وان النصوص المنظمة للصحافة قد اقرت حقا نوعا من الحصانة وبخصوص الخطب الملقاة والمكتوبات المدلى بها لدى المحاكم.

لكن المشرعين في بعض البلدان ( المشرع  المغربي مثلا في الفصل57 من ظهير ( قانون) 15 نونبر1958 المكون لقانون الصحافة) قد حافظوا على مقتضى ينص على انه " يمكن ايضا للقضاة ان يصدروا، في نفس الحالات ( حالة صدور خطب اعتبرت بمثابة خطب مهينة،  شائنة او كاذبة)، اوامر للمحامين او ان  يوقفوهم عن مهامهم ان دعا الامر الى ذلك".

وقد الغيت هذه الصلاحية المخولة للقاضي في فرنسا، بموجب قانون 15 يونيو1982، بحيث انه لم يعد من الجائر للقاضي اصدار عقوبة تاديبية بسبب خطب ألقاها المحامي امامه.
لكن هذه الامكانية تبقى على العكس،  من ذلك، قائمة في امكنة اخرى ، بل ان بعض القوانين المسطرية قدر كرستها ونظمتها.

وهكذا، فان قانون المسطرة المدنية المغربي المحدث بمقتضى الظهير بمثابة قانون المؤرخ بتاريخ 28 شتنبر1974 قد سحب من القاضي المنفرد الذي يبت ابتدائيا في المادة المدنية هذه السلطة التأديبية الممارسة في الجلسة، لكنه اعاد تاكيد هذه السلطة لفائدة قضاة محكمة الاستئناف.

وهكذا، فان محكمة الاستئناف يمكنها بموجب الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية، ان تصدر في حق المحامي إنذارا او توجيها او حتى توقيفا يمكن ان يمتد، في  حالة العود، الى غاية 6 شهور.
وقد خولت نفس هذه السلطة للقاضي الزجري.

ولحسن الحظ، فان هذه المقتضيات نادرة التطبيق لكنها لازالت تشكل تهديدا بالنسبة للمحامي، وفي جميع الاحوال، فان اللجوء الى العقوبات التأديبية التي تخولها للقضاة ليس من شانه الحفاظ على علاقات الاحترام المتبادل بين المحامين والقضاة.
وان هاجس استقلال المحامي يجب ان يؤدي الى إلغائها اللامشروط.
وهناك مجال اخر تسمح فيه الثغرات في الميدان التشريعي لبعض القضاة، ولاسيما قضاة النيابة العامة، باتخاذ مبادرات منافية لضرورة الحفاظ على استقلال المحامين.

اذا كان التشريع في بعض البلدان، كمصر، لا يسمح بالاستماع لمحام ولا بتفتيش مكتبه الا للنيابة العامة، التي يتعين عليها، فضلا عن ذلك، اشعار مجلس الهيئة ( الفصل 51 من القانون رقم17 لسنة 1983 المنظم لمهنة المحاماة)، فلا بد ان نلاحظ بكل اسف غياب اية قيود من هذا النوع في غالبية التشريعات الاخرى، باستثناء بعض النصوص التي تميل الى فرض احترام السر المهني او بعض المقتضيات المتعلقة بالمتابعات من اجل سمسرة الزبناء او جلبهم ( ان الفصل 126 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة في المغرب يستوجب، قبل اجراء أي متابعة من اجل هذه الوقائع،اذنا كتابيا من الوكيل العام يمنحه بعد دراسة ملف النازلة مع نقيب الهيئة، علما بان هذا النص يستعبد علاوة على ذلك تطبيق مسطرة التلبس في حق المحامي موضوع هذه المتابعات).

ان العرف يقتضي اشعار النقيب وتمكينه من تعيين من يحضر من اعضاء مجلس الهيئة مع المحامي، عند الاستماع اليه من طرف احد ممثلي النيابة العامة.

ومع ذلك، فان بعض قضاة النيابة العامة، بمجرد اعتقادهم، عن حق او عن خطا ان القضية تكتسي ادنى اهمية، فانهم يضربون الصفح تماما عن هذه الاعراف، ويسمحون باستماع مصالح الشرطة للمحامي، مع الامر في بعض الحالات بايداعه في السجن.

ولقد زكي بعض القضاة هذه المسطرة بابقائهم المحامي رهن الاعتقال الاحتياطي، وبالبت في القضية على ضوء المحاضر المنجزة في مخافر الشرطة.
يتمسك هؤلاء القضاة بغياب كل مقتضى تشريعي يلزمهم بتطبيق مسطرة خاصة على المحامين.

ومما لاشك فيه ان مثل هذه النظرة من لدن القضاة، سواء كانوا من القضاء الواقف او من القضاء الجالس، لا تضمن حماية استقلال المحامي استقلالا كاملا.
فحبذا لو تدخل المشرع من اجل سد الثغرات المتمسك  بها في تبرير التدابير المتخذة على هذا النحو في حق المحامي، وهي تدابير تتنافى ومبادئ المهنة وتقاليدها.

تلكم كانت بعض الملاحظات التي اتمنى ان تشكل مساهمة جد متواضعة في النقاش الذي سيدور حول موضوعنا الكبير: " استقلال كل من المحامي وهيئة المحامين".
وشكرا لكم
                                       النقيب محمد الودغيري

مجلة المحاكم المغربية، عدد 61، ص 9.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية