-->

تطور المسؤولية التقصيرية عن فعل الشيء في القانون التونسي والمقارن



محمود حسن

تظل حركة التقنين التي شهدته البلاد التونسية وبعض البلدان المجاورة (1) منذ مطلع القرن الحالي من بين اهم الاسهامات التي اثرت بصفة فعلية، في مختلف المواد المكونة للقانون الخاص. وقد انطلق هذا الانتاج التشريعي بصدور نص قانوني بنظم الالتزامات والعقود، ذلك ان هذه المادة تعتبر حجر الزاوية للقانون المدني الذي يشكل بدوره الجذع المشترك والمنطلق التقليدي للقانون الخاص .

ولم يقتصر تاثر المشرع التونسي - عند اعداد مجلة الالتزامات والعقود - على التجارب التشريعية الغربية ومن اهمها القانون الفرنسي، الى جانب القواعد المستمدة من التشريع الاسلامي،  بل ان المشرع التونسي تاثر كذلك بالاتجاهات والمبادئ التي برزت ايضا على صعيد الفقه والعمل القضائي في اعقاب القرن التاسع عشر وهي الفترة التي كان خلالها مشروع مجلة الالتزامات والعقود يقطع مراحله التحضيرية، وهذا ما جعل المشرع التونسي يتبنى عدة حلول لا وجود لقواعد تماثلها صلب مجلة نابليون وانما جاءت وليدة ابتكار للاجتهاد القضائي الفرنسي ومنها القاعدة العامة
_____________
* مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .
1-    لاسيما التي تاثرت بصفة مباشرة بالتجربة التشريعية التونسية كالمملكة المغربية مثلا اذ ان الظهير المكون لقانون الالتزامات والعقود الصادر في 12 غشت 1913 ( ج. ر. عدد 46 في 12 شتنبر 1913 ص 78-112) اخذ عن مجلة الالتزامات والعقود الصادرة بموجب امر علي مؤرخ في 15 ديسمبر 1906 .
يراجع في هذا الخصوص على سبيل المثال :
Grunebaum, Balin, Rapport sur les travaux de la commission d'organisation judiciaire du protectorat français du Maroc .B. O  n° 46 précité, p4. Blanc  (F.P) & Zeidguy ( R)  présentation fu " Code des obligations et des Contrat "éd. Synoptique Franco- arabe. Sochepress, Université, Coll. Textes et documents juridiques 1994.Casablanca ; p 7
واخذ عن التشريع المغربي الانف الذكر، القانون الموريتاني للالتزامات والعقود الصادر بموجب الامر القانوني رقم 89-261 في 14 سبتمبر 1989 ( ج ر. ر قم 25 اكتوبر 1989 وهو ما يجعل هذا التشريع بدوره ماخوذا - بصفة غير مباشرة - عن التشريع التونسي لسنة 1906 .
---------------------
للمسؤولية المدنية التقصيرية عن فعل الشيء المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع الى جانب هذه القاعدة العامة، يتضمن التشريع التونسي احكاما خاصة للمسؤولية الشيئية كالتي تنتج عن فعل الحيوان (1) وعن انهدام بناء او سقوطه (2) وهو خيار يتميز به التشريع التونسي في هذه المادة  عن التشريع المدني الفرنسي الصادر سنة 1804. ذلك ان هذا الاخير اقتصر - عند التقنيين - على تنظيم نفس الحالتين الانف ذكرهما (3) دون ان يضع قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية فالفقرة الاولى من الفصل 1384 تمت صياغتها من طرف محرري قانون نابليون لجعلها مقدمة للفقرات الموالية لها الواردة في نفس الفصل الذي جعل لتنظيم حالات من المسؤولية عن فعل الغير (4). لكن عندما بدات تتكاثر الحوادث التي تتسبب فيها الات، ومع تزايد عددها في اواخر القرن الماضي وما تلحقه من اضرار بعمال، اتضح ان الاستمرار في اجبار هؤلاء او ورثتهم - عند الاقتضاء - على اقامة دعوة المسؤولية على اساس الفصل 1383 ق م واثبات خطا المدعي عليه يشكل في غالب الاحيان عقبة غالبا ما يصعب على المتضرر تخطيها الشيء الذي يعقبه عندئذ عن الحصول على تعويض لجبر الضرر اللاحق به. وهكذا استجاب العمل القضائي لنداءات صدرت عن الفقه قصد حماية هذه الفئة من المتضريين، والتي تكون في معظم الحالات ضيقة اقتصاديا. ورات محكمة النقض الفرنسية في الفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م انها تصلح لكي تكون قاعدة عامة تجيز لمن يتضرر من شيء مساءلة حافظة دون ان يجبر على اثبات خطئه (5). ففي القانون الفرنسي يخضع نظام المسؤولية الشيئية لاطار مزودج :
____________
1)    الفصلان 94 و95 م ل ع ( المجلة التونسية للالتزامات والعقود ) .
2)    الفصلان 97 و98 م ل ع .
3)    الفصل 1385 ق م ( القانون المدني الفرنسي ) بالنسبة للمسؤولية عن فعل الحيوان والفصل 1386 المنظم للمسؤولية عن انهدام البناء .
4)    مامون الكزبري،  نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، ج 1، مصادر الالتزامات الطبعة 2 الدار البيضاء 1972 ص 76 .
محمد الزين، المسؤولية التقصيرية، دروس  مرقونة،  كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، ص 27 - 29 .
5)    Civ. 16 juin 1896, D. 97,433 Note saleilles. Concl. Sarrut. S. 97.1.1.17 note A. Esmein
علما ان محكمة النقض الفرنسية اشترطت في هذا القرار ان يثبت ان الضرر نتج عن عيب في الشيء، وفي نفس الاتجاه .                        Req. 3 juin 1904. D. 1907.1.177
---------------
قاعدة عامة استنبطها العمل القضائي من خلال قراءة اخرى للفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م وقاعدتان تشريعيتان تنظم حالتين خاصتين وهما الموما اليهما اعلاه .
اختار المشرع التونسي ان ينهج نفس الاتجاه المزدوج، فصاغ صلب مجلة الالتزامات والعقود عقد قواعد خصها لمختلف حالات المسؤولية لشيئية مثلما سلفت الاشارة الى ذلك. واتبعته في نفس الخيار باقي التشريعات المقارنة ومنها على سبيل المثال ولا الحصر - الجاري بها العمل في البلدان المغاربية (1). فرغم الطابع الايجابي الذي اتبعه التشريع التونسي في تبني ما ابتكره فقه القضاء الفرنسي بانشائه قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية.
 يطرح تساؤل جدي لمعرفة ما اذا كان تشريعنا الوضعي في حاجة الى تقليد المشرع الفرنسي وذلك بسن نصوص خاصة بالمسؤولية الناشئة عن حفظ الحيوان والمسؤولية الناشئة عن انهدام البناء والحال ان القاعدة العامة الواردة صلب الفصل 96 م ل ع استوعبتها وهي كفيلة بجعل التشريع التونسي في غنى عن التطرق لهذه الحالات الخاصة(2)، لذلك يمكن اعتبار التشريع التونسي مجددا ومقلدا في ان واحد.  وهو لم يعتمد في هذا المجال الا على التجربة الفرنسية.  ذلك ان التشريع الاسلامي لا يتضمن اية قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية ولا غرابة في ذلك لكون المحيط الاقتصادي للمجتمع الاسلامي لم يولد حاجة للتفكير في بلورة قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية (3) وهكذا اقتصر التشريع الاسلامي على قواعد تنظم حالات
____________
1)    بالاضافة الى التشريعين المغربي والموريتاني الانف ذكرهما نحا ايضا صوب نفس الاتجاه القانون المدني الليبي الصادر بموجب المرسوم المؤرخ في 28 نوفمبر 1953 ( يراجع نصه في : " موسوعة التشريع الليبي - القانون المدني - نشر وزارة العدل، طبع دار المعارف بمصر، سنة 1965) ولقد اخذ عن القانون المدني  المصري ( الجديد ) الصادر بموجب القانون رقم 131 لسنة 1948 المؤرخ في 29 يوليو 1948
( انظر نصه في نصوص القانون المدني" دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 1990) كما تجدر الاشارة ايضا الى القانون المدني الجزائري الصادر بالامر رقم 75-58 المؤرخ في 26 ستمبر 1975 ( يراجع نصه في " القانون المدني" نشر الديوان الوطني للاشغال التربوية، وزارة العدل - الجزائر 1991) .
2)    محمد الزين، مرجع سابق، ص 26 .
3)    مصطفى احمد الزرقا، الفصل الضار والضمان فيه، دار القلم، دمشق، دار العلوم بيروت، الطبعة الاولى 1988، ص 62 وما يليها -  وهبة الزحيلي، نظرية الضمان او احكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الاسلامي، دراسة مقارنة - دار الفكر - دمشق، 1982 ص 16 - 17 .
---------------------
خاصة من المسؤولية التقصيرية عما يتسبب فيه حيوان او بناء من اضرار(1) لكن ما ورد في هذا الخصوص صلب التشريع الوضعي التونسي اقرب لما نص عليه قانون نابليون والاجتهاد القضائي الصادر على ضوئه. وهو ما يبعث على الاعتقاد ان المشرع التونسي - ومن نسج على منواله - اعتمد في هذا المجال القانون الفرنسي، مع اعتبار ان هذا الاتجاه ليس فيه ما يخالف التشريع الاسلامي .

مهما تباينت الاراء بخصوص ما ينتج من ايجابيات او سلبيات عن هذا الطابع المزدوج للتشريع التونسي المنظم لاحكام المسؤولية الشيئية، فان الصياغة التي ورد بها الفصل 96 م ل ع - سواء بالنسبة لمرونة الشروط الواجب توفرها للقيام على اساس هذا النص، او بالنسبة لصعوبة اثبات شرطي الاعفاء من المسؤولية التي يفترضها تجاه الحافظ - تبعث على الاعتقاد ان المشرع مهد الطريق للعمل القضائي حتى يعطي احكام المسؤولية الشيئية كل ابعادها الحمائية - بالنسبة للمتضرر - التي ارادها المشرع عبر الصياغة التي اختارها للفصل 96 م ل ع وهو الاكثر تطبيقا مقارنة بالحالات الخاصة المتعلقة بفعل الحيوان او انهدام بناء .

ومادامت التجربة التشريعية التونسية، في مادة الالتزامات والعقود، من اقدم التجارب التشريعية، لاسيما في المنطقة المغاربية، اذ انها برزت منذ مطلع القرن الحالي الذي اشرف على نهايته، فان احكام هذا التشريع - وبالخصوص المنظمة للمسؤولية الشيئية - تبدو في الوقت الراهن في حاجة الى الاسهام في تقييمها بداء من تحليل ما تتميز به قواعد هذه المسؤولية من ازدواجية على الصعيد التشريعي (I) قبل التمعن في كيفية تفاعل العمل القضائي مع هذه القواعد لمعرفة هل ان طريقة تطبيقها من طرف المحاكم التونسية حققت - او على الاقل كفيلة بتحقيق - الابعاد الحمائية التي توخاها المشرع عند صياغته تلكم القواعد ؟ II) ) .
____________
1)    مصطفى احمد الزرقا، مرجع سابق، ص 17 - محمد الزين - مرجع سابق، ص 4 .
-----------------
I - ازدواجية الاطار التشريعي للمسؤولية الشيئية :
لا ينفرد القانون التونسي بهذا الطابع المزدوج للقواعد المنظمة للمسؤولية الشيئية. فالخيار الذي اتبعه في هذا المجال كان نتيجة تاثره باحكام قانون نابليون، كما اثر هذا الاخير ايضا - وباشكال مختلفة - في سائر التشريعات الجنوبية ليس فقط في النطاق المغاربي، بل كذلك على الصعيد العربي كالقانون المدني المصري الساري المفعول حاليا منذ سنة 1948 الذي اثر بدوره في عدد من القوانين المدنية في المشرق(1) والمغرب العربي (1).  ومهما كانت الاسباب التاريخية التي افرزت هده الازدواجية في نظام المسؤولية الشيئية لعل الوقت حان للتفكير في توحيد نظامها القانوني بجعل كل حالاتها تخضع لاحكام الفصل 96 م ل ع وحده لما يوفره من ضمانات لمختلف المتضررين من فعل الاشياء (ب) وهي ضمانات افضل من التي توفرها النصوص الخاصة المتعلقة بالمسؤولية الناشئة عن فعل الحيوان او انهدام البناء وذلك يطرح تساؤلا جديا لمعرفة الا زالت هناك حاجة للاستمرار في الاحتفاظ باحكام خاصة للمسؤولية الشيئية التي تترتب عن الحالتين الانف ذكرهما (أ) .

أ‌-    خصائص المسؤولية الناشئة عن فعل الحيوان وانهدام البناء
يتعلق الامر في الحالتين معا بمسؤولية مفترضة مع ذلك توجد فوارق بين هذه الحالة وتلك وهي فوارق تقلص من نجاعتهما على الصعيد العملي :
1-    بالنسبة للمسؤولية عن فعل الحيوان :
تخضع احكام هذه المسؤولية للفصلين 94 و95 م ل ع (3) وتلقى على كاهل حافظ الحيوان ولا تنحصر هذه الصفة في المالك وحده (4) وهو ما يفيد ان
_____________
1)    كالقانون المدني في سوريا والاردن والعراق على سبيل المثال .
2)    القانون المدني الليبي والجزائري .
3)    كما تخضع للفصلين 86 و87 من القانون المغربي، الذين اخذ عنهما المشرع الموريتاني المادة 107 ق ل م.
4)    بل كل شخص توفرت فيه صفة الحافظ، حسب استقراء الفصل 94 م ل ع .
-----------------
المشرع لم يقتصر على الاخذ بنظرية الحفظ القانوني فقط. لئن يفترض في المالك ان يكون حافظا، الا انه اذا كان الحفظ لدى شخص اخر، فانه هو الذي تقام عليه دعوى المسؤولية (1) لكونه يتوفر على الحفظ المادي. وهو ما يستفاد ايضا من استقراء الفصل 95 م  ل ع فيما يحمل المسؤولية - اذا توفرت باقي الشروط التي ينص عليها - ليس مالك الارض وحده.  وانما اذا اقتضى الحال، مستاجرها او حائزها.  وتبقى مسؤولية حافظ الحيوان مفترضا على ضوء الفصل 94 م ل ع ولو وقع منه الضرر بعد ان انفلت او ضل .

لكن ان ما يميز المسؤولية، وما يقلص من الحماية التي يوفرها هذا النص لفائدة المتضرر هوانه يفترض هذه المسؤولية على اساس قرينة الخطا في الحفظ (2) وذلك بالنسبة للحالة الاولى المنصوص عليها صلب الفصل 94 الانف الذكر(3) اما الحالة الثانية الواردة صلب الفصل الموالي فيبدو انها مفترضة على اساس الحافظ من نفع من الحيوانات الموجودة في ارضه.  اي ان الغرم بالغنم (4) .

وتسترعي الانتباه ايضا شروط الاعفاء من المسؤولية عن فعل الحيوان اذ يكفي الحافظ ان يثبت عنصرا واحدا يتمثل اما في كونه لم يرتكب اي خطء في الحفظ باتخاذه الوسائل اللازمة لحراسة الحيوان او لتدارك ضرره، او ان هذا الاخير حصل بسبب اجنبي (5) يتمثل في فعل طارئ او قوة قاهرة او فعل من لحقه الضرر، ولئن كان توفر شروط القوة القاهرة او الفعل الطارئ صعبة التحقق، فان الامر لا يكتسي نفس
_________

1)    قرار تعقيبي مدني، 24 ديسمبر 1962، نشرته 1962، ص 71. اما اذا لم يكن المكلف بحفظ وحراسة الحيوان راشدا تبقى المسؤولية على عاتق المالك : قرار تعقيبي 17 جويلية 1957، مجلة القضاء والتشريع 1960، عدد 9-10 ص 139 .
2)    مامون الكزبري، مرجع سابق. ص 465 .
3)    الذي اخذ عنه الفصل 86 مغربي .
4)    وهو مبدا تبناه التشريع التونسي صلب الفصل 554 ل ع فيما يعتبر ان : " …. من له النما فعليه التوا" .
5)    على ضوء المادة 176 من القانون المصري و المادة 179 من القانون الليبي يلزم الحافظ، ليدرا عنه المسؤولية، ان يثبت او وقوع الحادث كان بسبب اجنبي لايد له فيه"، واتبعت المادة 139 من القانون الجزائري نفس الاتجاه .
---------------
الصعوبة بالنسبة لاثبات خطا المتضرر او انعدام الخطا في الحفظ.  يضاف الى ذلك ان هذه الشروط - ولاسيما اذا تعلق الامر بهذه الاخيرة - اسهل من شروط الاعفاء المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع المتعلق بالقاعدة العامة للمسؤولية الشيئية .

لكن الفصل 94 والنص الموالي له يشكلان قاعدة خاصة بالنسبة للفصل 96 من نفس المجلة. والنص الخاص يقدم على النص العام. فاذا تسبب حيوان في ضرر، فان المبدا الانف الذكر يوجب تطبيق النصوص المنظمة للمسؤولية عن فعل الحيوان دون امكانية تمتيع المتضرر بفوائد الفصل 96 م ل ع ولو انه اصلح له. وفي بعض الاحيان ترتب عن اصرار العمل القضائي على المغالاة في ترجيح تطبيق قواعد المسؤولية عن فعل الحيوان عوضا من الفصل 96 م ل ع حصول نيتجة مؤسفة تتعارض مع اهداف المشرع في كون الضرر يجب ان يزال.

 وتتمثل هذه الحالة على سبيل المثال في ان حيوانا كان يجر عربة وسقط سقطة عرضته للموت فبادر احدهم من الغير تطوعا منه بانقاذه، مما دفع الحيوان - عند نهوضه - الى ضرب " غانجو" (1) العربة برجله. فصادف ذلك ( الغانجو) عين الشخص المذكور ففقاها .
ولما وصلت هذه الحالة الماساوية امام محكمة التعقيب اعتبرت ان ذلك الشخص " هو المستبب في ضرره بعدم الاحتياط ولا تعويض له على صاحب العربة والحيوان …. "(2) وشاطرت محكمة الاصل الراي فيما قضت بعدم سماع دعوى التعويض .

ومن الواضح - بخصوص هذه الحالة - ان تطبيق قواعد المسؤولية عن فعل الحيوان لم يكن في محله، فالضرر الذي لحق عين من تطوع لانقاذ الحيوان من سقوطه لم يتسبب فيه هذا الاخير مباشرة، وانما تسبب فيه " غانجو" العربة التي كان يجرها وهو شيء مستقل عن الحيوان وليس جزءا لا يتجزا منه. ان لهذا الشيء حافظ وهو نفس الشخص الذي يقع على كاهله حفظ الحيوان. وكان ينبغي النظر في دعوى التعويض  على اساس الفصل 96 من م ل ع ولو تم ذلك لم ال الامر الى نتيجة سلبية حرم بسببها المتضرر من التعويض رغم جسامة الضرر اللاحق به .
--------------
1)    هكذا استعملت في نص القرار المشار اي مراجعه فيما يلي :
2)    قرار تعقيبي مدني عدد 4430 في 11 نوفمبر 1981، نشرية 1982. ص 101 .
-------------
من جهة اخرى - حتى لو ارادت النظر في دعوى التعويض في نطاق قواعد المسؤولية عن فعل الحيوان - كان الاجدر بمحكمة التعقيب ان تعتبر ان سقوط الحيوان، لما كان يجر العربة، من شانه ان يؤكد خطا حافظه اي تقصيره في حراسته.  اذ لو لم يقصر في ذلك لما سقط الحيوان ولما تطلب الامر تدخل الغير تطوعا لانقاذه. علاوة على هذا، فان مجرد تدخل شخص، من باب التطوع، لانقاذ حيوان من الموت، لا يمكن وصف فعل من قام بذلك بمثابة خطا لان الاتجاه المجحف في حق المتضرر الذي سلكته محكمة القانون، ادى بها الى " معاقبة هذا الاخير عن عمله التطوعي والحال انه لم يقصد منه الا تفادي وقوع ضرر .

ومن كل النواحي يكون القرار التعقيبي الانف الذكر اخطا في تطبيق القانون على الاقل من وجهتين، ذلك لانه لم يطبق - بدون موجب - الفصل 96 م ل ع وخرق الفصل 94 م ل ع اذ انه افرغ قرينة الخطا في الحفظ من محتواها. كما انه افترض خطا المتضرر لحرمانه من التعويض والحال انه لا يجوز افتراضه. علاوة على هذا لم يراع هذا القرار مبدا ان "الغرم بالغنم" (1) وهو يتظافر ايضا في ضرورة مساءلة الحافظ ما دام انه يجني ربحا من نشاط الحيوان المتسبب في الضرر او العربة التي يجرها .
ومن جانبها، تثير خصوصية القاعدة المنظمة للمسؤولية الناشئة عن انهدام البناء صعوبات مماثلة .

2-    بالنسبة للمسؤولية الناشئة عن انهدام البناء :
تنظم شروط هذه المسؤولية الخاصة احكام الفصل 97 م ل ع (2) ويواجه بها حافظ البناء سواء كان مالكه او من كان بيده. فالحفظ المادي هو الذي يعتمده المشرع هنا كذلك اذا لم يكن الحفظ القانون يفي بالحاجة .
-------------
1)    الفصل 554 م ل ع .
2)    يطبق في القانون المغربي الفصل 89 ظ ل ع وتماثله في القانون الموريتاني المادة 109 التي لقيام هذه المسؤولية، تشترط علم تفريط الملك او الحارس، لكنه شرط لا وجود له في القانون المصري ( المادة 177) والقانون الليبي ( المادة 180 ) والقانون الجزائري ( المادة 139 ) وهي تتفق في مساءلة حافظ البناء ولو لم يكن مالكا له .
-------------
لكن النطاق الضيق لهذه المسؤولية يتجلى، من جهة، في ان احكام الفصل 97 م ل ع لا تطبق الا اذا تعلق الامر بضرر ناتج عن انهدام عقار او بناء او سقوطه الجزئي اما بسبب قدمه او لعيب في بناءه او بسبب عدم صيانته، كما يطبق نفس النص اذا نتج الضرر عن سقوط ما كان تابعا للبناء كالاشجار او الالات الملتحمة به. ولا غرابة في ذلك ما دام ان الفرع يتبع الاصل في الاحكام التي يخضع لها. ومادام الامر يتعلق بنص خاص، فانه لا يطبق الا في نطاق الحالات الخاصة التي يشير اليها (1) علما ان النص الخاص يطبق على سبيل الحصر ولا يسوغ التوسع فيه. وتزيد الفقرة الاخيرة من تقليص مفعول هذا النص مادام انها لا تجيز القيام بدعوى المسؤولية - عند وجود خطر ظاهر - الا اذا سبق التنبيه على مالك العقار (2) وهو شرط استبعده المشرع المغربي (3) وحذا حذوه المشرع الموريتاني (4) كما لم تعتمده باقي التشريعات المجاورة (5) ولقد صادفت في ذلك الصواب اذ انه شرط لاجدوى من وراءه يضيق من قرينة الخطا المقامة عليها المسؤولية الناتجة عن انهدام البناء ولعله يفرغ هذه القرينة من محتواها بان يحولها الى المسؤولية مؤسسة على خطا يجب اثباته. ذلك ان المدولول الحقيقي لوجوب اثبات سبقية التنبيه على حافظ البناء - في حالة وجود خطر ظاهر - يعني ايضا اثبات مطل الحافظ المتمثل في تقاعسه عن تدارك ذلك الخطر رغم التنبيه عليه وهو يحول حقا هذه المسؤولية الى المسؤولية من اجل خطا واجب الاثبات.  وان كان ذلك، فان الجدوى ستنعدم من تخصيص نص للمسؤولية عن انهدام البناء، وما على المتضرر عندئذ الا القيام على اساس المسؤولة عن الفعل الشخصي وتحمل مخاطر عبئ اثبات الخطا المشار اليه في الفصلين 82 و83 من مجلة الالتزامات والعقود .
---------------
1)    اي في صورة السقوط او الانهدام الجزئي قرار تعقيبي 7 جانفي 1947، القضاء والتشريع 1960 العدد 9-10 ص 139، ع 10 .
2)    قرار تعقبي 17 جويلية 1957، القضاء والتشريع. 1960 ص 139، ع 14 .
3)    لا ينص عليه الفصل 89 ظ ل ع. رغم انه اخذ عن الفصل 97 تونسي .
4)    المادة 109 من القانون الموريتاني للالتزامات والعقود .
5)    المادة 177 من القانون المصري، و180 من القانون الليبي، و140 من القانون الجزائري .
-----------
من جهة اخرى، لا يوضح الفصل 97 م ل ع (1) شروط الاعفاء من هذه المسؤولية الخاصة. وهو ما يبعث علىالاعتقاد بامكانية الرجوع الى اسباب الاعفاء من المسؤولية عن فعل الحيوان واعتمادها من باب اعمال القياس. من جانبه، يعتبر فقه القضاء ان خطا المتضرر يشكل احدى اسباب الاعفاء من هذه المسؤولية(2) ولم يكتف العمل القضائي المغربي بهذا العنصر وانما يعتبر ان مسؤولية الحارس تظل قائمة ولا تدرا عنه الا اذا ثبت ان الضرر حصل بسبب اجنبي كالقوة القاهرة (3) .

لكن الحل الذي يبدو انسب، لتخطي هذه الصعوبات حتى لا ينجر عنها حرمان متضرر - بدون مبرر منطقي - من التعويض عن الضرر اللاحق به، هو العدول عن الحالات الخاصة اذ لم يعد يوجد ما يبرر الاستمرار في الابقاء عليها صلب التشريع التونسي، واخضاع كل حالات المسؤولية الشيئية الى الفصل 96 م ل ع لكونه نص بالحاجة لما يوفره من ضمانات ويمكن تطبيقه على سائر الاضرار الناتجة عن الاشياء سواء كانت منقولا او عقارا لان صيغة الشمول التي ورد عليها هذا النص تجيز ذلك .

ب‌-    ايجابيات الفصل 96 م ل ع كقاعدة عامة للمسؤولية الشيئية
يبدو الفصل 96 م ل ع (4) افيد بالنسبة للمتضرر لكونه يتضمن قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية ويطبق على كل الاضرار التي يتسبب فيها شيء ولا  تستثنى من ذلك سوى الحالات الخاصة التي تهم الضرر المتسبب فيه حيوان او الناتج عن انهدام
-------------
1)    ولا الفصل 89 مغربي، ولا المادة 109 موريتاني، اما التشريع المصري ( المادة ج 177 ) والليبي ( المادة 180 ) والجزائري ( المادة 140 ) فانها تتفق على اعفاء الحارس اذا اثبت انه لم يرتكب خطئا في الحفظ او ان الضرر ناتج عن قدم في البناء او عيب فيه. ويخشى من هذين العنصرين ان يفرغا التزام الحافظ من محتواه او جدواه العملية .
2)    قرار تعقيبي مدني، 10 نوفمبر 1959، القضاء والتشريع، 1960، العدد 9-10 ص 139، ع 12 .
3)    قرار المجلس الاعلى المغربي رقم 15 في 30 اكتوبر 1968 مجموعة قرارات المجلس الاعلى، المادة المدنية ج 1، 1966 - 1982، نشر المعهد الوطني للدراسات القضائية، الرباط ص 602 .
4)    يماثله في القانون المغربي الفصل 88 ظ ل ع وفي التشريع الموريتاني المادة 108 وتوازيه في القانون الجزائري المادة 138 .
------------------
بناء، وتتجلى فوائد الفصل 96 م ل  ع بالنسبة للمتضرر في كونه لا يتضمن اي تمييز في طبيعة او دور الاشياء التي تؤدي الى اقامة دعوى المسؤولية على اساس هذا النص(1) ولئن لم يعرف هذاالنص الحافظ الذي يمكن مساءلته على هذا الاساس، فانه لا يتضمن اي حصر او اقصاء في هذا الخصوص ايضا (2) وتتجلى فوائد هذا النص بصفة اخص في صعوبة اثبات شروط الاعفاء التي ينص عليها في درجة انه من الصعب ان يتوقف الحافظ في اثباتها معا (3). اذ اراد ان يدرا عنه المسؤولية المفترضة في حقه .

لكن رغم صراحة هذا النص والقصد الحمائي الواضح الذي توخاه المشرع عند سنه - حتى يضمن التعويض لفائدة المتضرر من فعل شيء - يلاحظ على العمل القضائي التونسي انه شهد، ويزال، اضرابا سيما على صعيد محكمة التعقيب بخصوص تحديد نطاق تطبيق القاعدة العامة للمسؤولية الشيئية الورادة صلب الفصل 96 م ل ع وهو اضطراب يلفت الانتباه والاستمرار فيه يدعو للاستغراب لان صراحة هذا النص لا يبرره علاوة على كون التطبيق القضائي التونسي ينفرد بخوضه، ذلك الاضطراب .

1-    شمولية مفهوم الشيء :
بعد ان اكتشف فقه القضاء الفرنسي ان الفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م تصلح لكي تكون قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية (4)، فان من بين الصعوبات التي اعترضته انصبت على معرفة ما اذا كان هذا المبدا يمكن تعميميه على كل الاشياء (5)؟ ولعل فقه القضاء الفرنسي كان في البداية متخوفا من التوسع في تطبيق
----------------
1)    اذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على اطلاقها الفصل 533 م ل ..
2)    وهو ما يجعل هذا النص ينطبق على جميع اصناف الحافظ التي افرزها الشراح والعمل القضائي. اما المشرع الجزائري فانه عرف صلب المادة 138 الانفة الذكر الحافظ بكونه من له قدره الاستعمال والتسير والرقابة " .
3)    يكتفي الفصل 138 جزائري بسبب واحد للاعفاء وهو اما عمل الضحية او عمل الغير، او الحالة
الطارئة او القوة القاهرة. وهو ما يجعل الفصل 96 تونسي اكثر حماية للمتضرر .
4)    Civ 16 juin 1896- Req 3 juin 1904 précités
5)     محمد الزين، مرجع سابق، ص 31 .
--------------
مبدا استنبطه نتيجة اجتهاده، شعورا منه ان المشرع الفرنسي لم يقصده في الحقيقة (1) وهذا ما جعل فقه القضاء في فرنسا يعيش جدلا استمر الى غاية الثلث الاول من هذا القرن، انهته محكمة النقض الفرنسية بدوائرها المجتمعة بالقرار الصادر سنة 1930 في قضية Jand'heur (2) فبعد ان اعتبرت محكمة القانون الفرنسية بدائرتها المدنية - سنة 1927، وفي اطار نفس النزاع، ان الفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م لا تطبق الا على " الاشياء التي يتطلب حفظها بسبب المخاطر التي يمكن ان تتسب فيها للغير …" (3) اقلعت في القرار الذي اصدرته بدوائرها المجتمعة في 13 فيفري 1930، عن القيام باي تمييز بين الاشياء التي تؤدي الى تطبيق الفقرة الاولى من الفصل 1384 (4)، ومنذ هذا القرار احجمت المحاكم الفرنسية عن اي تقليص في نطاق الفقرة الاولى من الفصل 1384. اذ عممته على كل الاشياء التي تتسبب في ضرر (5) .
لكن الفصل 96 م ل ع يتميز - منذ ان تم سنه - بطابع الشمول بخصوص الاشياء التي تؤدي الى تطبيقه اذا تسبب في الحاق اضرار. كما انه جاء نتيجة خيار
-------------
1)    محمد جلال حمزة، المسؤولية الناشئة عن الاشياء غير الحية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988. ص105 .
2)     Civ 13 Février 1930, ch . réun D.P .1930 .I. 97 concl . Matter . note Ripert ..1930                     

I.121 note Esmein .-
3)                                                                   Civ 21 Février I . 927; D. 1927  . 1.27 note Ripert
4)                                                                                Civ 13 Février 1930. cg   . réun . précité
من اهم ما جاء في تعليل هذا القرار ما يلي :
" حيث ان القانون في تطبيق القرينة التي نص عليها (  في الفصل 1384/1) لا يميز بين ما اذا كان الشيء الذي سبب الضرر محركا او غير محرك بيد الانسان وانه ليس من اللازم ان يكون معيبا بعيب ملتصق بطبيعته يمكن ان يتسبب في ضرر. فالفصل 1384 يربط المسؤولية بحفظ الشيء  لا بالشيء نفسه" .
5)    حول التطور الذي شهده فقه القضاء الفرنسي الى ان صدر القرار الانف الذكر يراجع :
Stark (B) Droit civil, obligation, éd. Lit techniques, Paris 1972, p .154 - 158 .
 علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية ( بدون تاريخ) ص 125 - محمود بلال حمزة، المسؤولية الناشئة عن الشياء الحية في القانون المدني الجزائري، مرجع سابق. ص 209 وما يليها .
---------------
صريح اتبعه المشرع التونسي (1) وهو ويجعل مهمة المحاكم التونسية سهلة اذ انها ليست في حاجة الى الخوض في نفس الجدل الذي عاشه فقه القضاء الفرنسي. ولقد سبق للعمل التونسي ان راعى قصد المشرع المتمثل في اضفاء طابع الشمول على مفهوم الشيء المقصود صلب الفصل 96 م ل ع وطبق هذا النص دون تمييز في طبيعة الاشياء التي تسببت في ضرر للغير (2) لكون تطبيقه على هذا النحو يراعي القصد الحقيقي للمشرع وهذا ايضا افيد للمتضرر ما دام انه لا يكون ملزما باثبات خطا المطلوب مساءلته، مع ذلك، فان النطاق الشامل الذي ورد عليه الفصل 96 م ل ع لا يبرر تطبيقه اذا كان الضرر لحق شخصا تسببت له فيه ناقلة كان منقولا عليها في اطار عقدي خلافا لما راه العمل القضائي (3) فالمسؤولية تقام - في هذه الحالة - على اساس عقدي، وهي ايضا مفترضة، مادام عقد النقل يحمل الناقل التزاما بتحقيق نتيجة .

لكن في مطلع الثمانينات شهد عمل محكمة التعقيب تراجعا مؤسفا ادى بها الى التقليص من نطاق الفصل 96 م ل ع اذ انها اقصت تطبيقه على الاشياء التي تكون محركة بفعل الانسان.  ورات ان القيام بخصوصها لا يكون الا على اساس الفصل 82 او 83 م ل ع ورغم التصحيح الذي قامت به دوائرها المجتمعة في 16 مارس 1995 عادت محكمة التعقيب منذ مطلع سنة 1999 الى نفس التضييق في نطاق الفصل 96 م ل ع كما سيتم التطرق الى ذلك في موضع لاحق من هذه الدراسة .

لكن يبدو ان اضطراب العمل القضائي لم يقف عند هذا الحد لانه طال ايضا تفسير مدلول الحفظ وهي صفة يجب ان تتوفر ايضا في من تقام عليه دعوى المسؤولية .
---------------
1)    على نقيض المشرع المصري ( المادة 178 ) والليبي ( المادة 181 ) الذين تاثرا باتجاه محكمة النقض الفرنسية المتبع في قرار 21 فيفري 1927، وحصرا قرينة المسؤولية الشيئية في الاشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة او حراسة الات ميكانيكية وظلا على هذا الاتجاه لحد الان .
2)    قرار محكمة الاستئناف بتونس، مدني، عدد 16556 دد، في 16 فيفري 1950، القضاء والتشريع 1960، عدد 7، ص 48-524 .
3)    قرار تعقيبي مدني، عدد 791 في 19 افريل 1979، نشرية 1980، ص 200 .
--------------
2-    مدلول الحفظ المقصود في الفصل 96 من م ل ع :
لا يتضمن التشريع التونسي، لا صلب الفصل 96 م ل ع. ولا في الحالات الخاصة المنظمة للمسؤولية الناشئة عن فعل الحيوان او انهدام البناء تعريفا صريحا لحافظ الشيء الا ان استقراء احكام الفصول من 94 الى 97 تفيد ان المشروع لا يقتصر على اضفاء صفة الحافظ على المالك وحده ولو انه يفترض فيه انه حافظ الشيء المتسبب في الضرر .

لقد طرح نفس الاشكال على فقه القضاء الفرنسي الذي ميز بين نظرية الحفظ القانوني التي تفترض ان مالك الشيء هو حافظه وبين نظرية الحفظ المادي التي تعتبر ان الحافظ هو الشخص الذي يمارس سلطة فعلية على الشيء. وحسم هذه النقطة بالقرار الصادر في قضية Frank عن محكمة النقض الفرنسية بدوائرها المجتمعة في 2 ديسمبر 1941 (1) الذي مع اقراره بنظرية الحفظ القانوني التي برزت قبل صدور هذا القرار، فانه اعتبر ان الحفظ يمكن ان ينتقل وفي هذه الحالة يعتمد الحفظ المادي. كما عرف الحافظ بكونه الشخص الذي يمارس على الشيء سلطات الادارة والمراقبة والتسيير(2).  ولقد تبنى المشرع الجزائري هذا التعريف وادرجه صلب المادة 138 من القانون المدني (3). كما اتبع نفس الاتجاه فقه القضاء التونسي واستقر عليه (4) وهو اتجاه يحمي المتضرر الذي يقيم الدعوى على مالك الشيء باعتباره مبدئيا حافظه القانوني.  وتبقى هذه القرينة قائمة في حقه طالما انه لم يثبت ان الحفظ انتقل منه، وحتى في هذه الحالة عليه ان يوضح من هو الحافظ المادي الذي بامكان المتضرر ان يطلب مساءلته. ويمكنه من الناحية الاجرائية ان يدخله في الدعوى ليطلب احلاله محله - ولو على سبيل الضمان (5) قصد تحميله مسؤولية الضرر واداء التعويض الكفيل بجبره .
----------------
1)    Civ. Ch. Réun. 2 décembre 1941,  D.C. 1942, 25, Note Ripert
2)     محمد الزين، مرجع سابق، ص 41 .
3)    محمود جلال حمزة، مرجع سابق، ص 279 .
4)    قرار تعقيبي مدني عدد 6833 في 25 جوان 1970، القضاء والتشريع، 1971، عدد 6، ص 73- 629 .
5)    على ضوء الفصل 225 م م م ت .
-----------------
لا تقف الضمانات التي يوفرها الفصل 96 م ل ع عند هذه المرحلة فحسب بل تمتد ايضا الى الشروط التي يجب على الحافظ اثباتها اذا اراد دحض قرينة المسؤولية عنه اي اعفائه منها .

3-    صعوبة اثبات شروط الاعفاء من المسؤولية على معنى الفصل 96 م ل ع :
لا يوضح الفصل 1384 من القانون المدني الفرنسي الشروط التي يجب على الحافظ اثباتها اذا اراد ان يدرا عن نفسه المسؤولية عن فعل الشيء، ولا غرابة في ذلك مادام ان القضاء الفرنسي هو الذي ابتكر هذه القاعدة العامة للمسؤولية، وحرصا منه على اعطاء القرينة التي يستفيد منها المتضرر كل ابعادها توخى فقه القضاء الفرنسي التشدد تجاه حافظ الشيء.  واعتبر انه لا يعفى من المسؤولية الا اذا اثبت ان الضرر كان نتيجة قوة قاهرة او امر طارئ (1) اذ ان دفع الحافظ بكونه لم يرتكب خطئا او اقتصاره على التمسك بخطا المتضرر لا يكفي .

لكن المشرع التونسي، صلب الفصل 96 م ل ع ذهب الى ابعد من ذلك واوجب على الحافظ  - حتى يمكن اعفاءه - ان يثبت شرطين معا مفادهما : انه فعل كل ما يلزم لمنع الضرر وان الضرر نشا اما بسبب امر طارئ او قوة قاهرة (2) او خطا المتضرر. وهي وسائل اعفاء اصعب بكثير من الوسائل المشار اليها صلب الفصل 89 م ل ع والتي يكفي الحافظ ان يثبت توفر احداها .

اما عندما يكون الفصل 96 م ل ع هو الواجب التطبيق، فان وجوب اثبات الشرطين معا المنصوص عليهما صلبه لدرء قرينة المسؤولية الزامي بصريح هذا النص. ولقد استوعب هذا فقه القضاء واستقر في نهاية الامر (3) على ضرورة التقيد بالصرامة التي قصدها المشرع تجاه الحافظ حماية للمتضرر. علما انه عمليا من الصعب على حافظ الشيء اثبات الشرط الاول اي انه فعل كل ما لزم لمنع الضرر. اذ لو فعل ذلك حقا لما وقع الضرر. وعمليا فان الحافظ - قصد اثبات هذا الشرط - يكون ملزما باثبات
--------------
1)    Civ. 13 Février 1930. Ch réun. Précité. Civ  .11 mai 1953, D.1953. 478.
2)     المنصوص على شروطهما - من باب اعمال القياس - في الفصل 283 م ل ع .
3)    بالقرارات الاربع الصادرة عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في 16 مارس 1995 .
-------------
انه قام بسلوك ايجابي ومادي ملموس قصد منه العمل ما في وسعه على منع حدوث الضرر. كان يكون اوقف ناقلته او انحاز بها الى اقصى يمين الطريق او غادر هذا الاخير، علاوة على هذا، فان شروط اثبات القوة القاهرة صعبة التحقق بدورها. وفي هذا السياق يبدو الفصل 96 م ل ع اكثر حماية للمتضرر من القانون الجزائري الذ يبدو انه تاثر في هذا المضمار ايضا بفقه القضاء الفرنسي. فالمادة 138 ( جزائري) تجيز اعفاء الحارس اذا اثبت شرطا واحدا وهو وجود سبب اجنبي (1) " مثل عمل الضحية، او عمل الغير، والحالة الطارئة، او القوة القاهرة. مع ذلك، فان العمل القضائي الجزائري متشدد ويعتبر ان خطا المتضرر لا يكفي، بل يجب ان تكون له خصائص القوة القاهرة (2) .

ازاء الاتجاه الذي توخاه المشرع صلب الفصل 96 م ل ع حماية للمتضرر، يمكن القول ان القضاء التونسي وجد امامه الطريق سهلا لتجسيد هذه الحماية واعطاء المسؤولية المفترضة على كاهل حافظ الشيء كل ابعادها. لكن يؤاخذ على العمل القضائي التونسي انه انفرد - مقارنة بالاجتهاد القضائي المغربي مثلا، الذي يطبق نصا نقل حرفيا عن نظيره التونسي - بالتقليص من نطاق الفصل 96 م ل ع .

II  - تقليص العمل القضائي من نطاق الفصل 96 م ل ع
ان طابع الشمول الذي ورد عليه الفصل 96 م ل ع وصراحة نصه، من شانه ان يسهل الطريق امام القضاء لتجسيد الحماية التي اراد المشرع توفيرها للمتضررين من فعل اشياء. لكن التمعن في مختلف الاتجاهات التي اتبعها العمل القضائي التونسي، الصادر على ضوء النص الانف الذكر، توضح انه ضيق في بداية الامر
----------------
1)    اتبع نفس الاتجاه القانون المدني المصري المادة 178 وكذلك التشريع الليبي المادة 181 .
2)    قرار المجلس الاعلى الجزائري، جنائي، في 16 ديسمبر 1969، نشرية القاضي، الجزائر، سنة 1970 ج1، ص 46 - قرار نفس المحكمة، مدني رقم 28316 في 8 ديسمبر 1982 نشر مبداه في " القانون المدني معلق عليه باجتهادات المجلس الاعلى - 1989 - 90 وزارة العدل، سلسلة المنشورات القانونية الجديدة، الجزائر ص47 ( اللغة الفرنسية) محمود جلال حمزة، مرجع سابق. ص 481 وما يليها .
--------------
وبدون مبرر، من نطاق الفصل 96 م ل ع ويتجلى هذا لما منعت محكمة التعقيب الى غاية سنة 1995 تطبيقه على حوادث المرور بعلة ان الناقلات المتسببة فيها محركة بفعل انسان ثم قامت؟، منذ مستهل سنة 1999
بتراجع مؤسف عما اتبعته دوائرها المجتمعة في القرارات الاربع التي اصدرتها في يوم واحد بتاريخ 16 مارس 1995 (أ) علاوة على كون العمل القضائي التونسي لا زال يحرم الشخص المنقول مجانا من الاستفادة من قرينة المسؤولية المنصوص عليها صلب الفصل 96 من ل ع ويجبره على القيام في مواجهة الحافظ على اساس قواعد المسؤولية عن الفعل الشخصي (4) .

أ‌-    تطور العمل القضائي بخصوص تاويل مدلول فعل الشيء
انفردت محكمة التعقيب بسلوكها لاتجاه ضيق اتبعته الى غاية 16 مارس 1995 تمثل في اشتراطها، لتطبيق الفصل 96، ان ينتج الضرر عن الفعل الذاتي للشيء (أ 1) ولم تقلع عن هذا الاتجاه الا عندما تدخلت دوائرها المجتمعة في التاريخ الانف الذكر باصدارها اربع قرارات في يوم واحد (أ 2). لكن هذا الاتجاه السليم، لئن استوعبته بعد صدور هذه القرارات التصحيحية، وكرسته نتيجة لها محاكم الاصل الا ان محكمة القانون ارتات، منذ مطلع سنة 1999 ان تتراجع عما ابرزته دوائرها المجتمعة، لكي تعود الى موقفها السلبي السابق. (أ 3) .

أ - 1 - موقف محكمة التعقيب قبل قرارات الدوائر المجتمعة في 16 مارس 1995 .
لا يوضح الفصل 96 م ل ع مدلول فعل الشيء المتسبب في الضرر. ويمكن اعتبار ان هذه النقطة ليست في حاجة لتاويل. فاذا جاءت عبارة نص مطلقة جرت على اطلاقها (1). لكن محكمة التعقيب لم تتبع هذا الراي، فخلال سنوات عديدة اتخذت موقفها مخالفا له، ذلك انها كانت تقتصر على تطبيق الفصل 96 م ل ع على الحالات التي يكون فيها الضرر ناشئا عن ذات الشيء بمعزل عن ارادة فعل صاحبه (2) وادى
--------------
1)    الفصل 533 م ل ع
2)    قرار تعقيبي مدني عدد 5345 في 3 مارس 1982، نشرية ج 2، ص 279، والمجلة التونسية للقانون، ص 31 مع تعليق علي الجلولي .
-------------
هذا التاويل الضيق الى عدم تطبيق قرينة المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع على الاضرار التي تسببت فيها حوادث المرور. رغم تكاثرها يوميا وتصاعد عددها وتفاوت فداحة الاضرار التي تنشا عنها، فان محكمة التعقيب كانت ترى ان هذه الحوادث، وان تسببت فيها اشياء، فان الضرر يكون صدر عن الشيء لما كان محركا بيد سائقه ولم يصدر الفعل الذاتي للشيء بمعزل عن ارادة من كان يحركه. وادى بها هذا التاويل الضيق الى اعتبار ان شروط الفصل 96 م ق ل ع غير متوفرة في هذه الحالة والزمت المتضرر بالقيام على اساس الفصل 83 م ل ع اي في نطاق المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي (1) مع ما يتطلب ذلك من ضرورة اثبات خطا المقام عليه دعوى المسؤولية والتعويض .

ولا تخفى الجوانب السلبية لهذا الاتجاه الخاطئ فمن جهة، ان الفصل 96 ليس فيه اي مبرر لتاويله بخصوص ما قصده المشرع عندما استعمل عبارة " فعل الشيء" فهو مفهوم ليس في حاجة لتاويل بالنظر لصراحة النص. وعلى فرض ان هناك اي داع لتاويله، فانه لا يوجد موجب للتضييق من نطاقه. فمن بين المبادئ والقواعد العامة التي كان يجدر بمحكمة القانون مراعاتها - اذا رات ضرورة تاويل الفصل 96 م ل ع - هو "التسيير في شدته ولا يكون التاويل موجبا لزيادة التضييق ابدا" (2) وادى التمادي في هذا الاتجاه الخاطئ (3) الى تهميش المسؤولية التقصيرية عن فعل الشيء (4) وزاد من هذا التهميش ان محكمة التعقيب كانت تعتقد ان الفصل 96 م ل ع اساسه قرينة الخطا (5) وفي الحالات التي لا ثبت فيها المسؤولية الجزائية للمتسبب في
----------------
1)    قرار تعقيبي مدني عدد 12890 في 29 ديسمبر 1985، ج 2. ص 352 .
2)    الفصل 541 م ل ع .
3)    قرار تعقيبي مدني عدد 10239 في 11 افريل 1985، نشرية ج 1، ص 214 قرار عدد 12891 في 10 مارس 1986، نشرية ج 1، ص 206  .
4)    محمد الزين، مرجع سابق، ص 35 .
5)    قرار تعقيبي مدني عدد 7773 في 29 افريل 1971 القضاء والتشريع 1972 عدد 4-5 ص 37-341
محمد المالقي، محاضرات في شرح القانون المدني التونسي، مركز الدراسات والبحوث والنشر، تونس 1980. ص 139 .
---------------
الحادث ويحكم بعدم سماع الدعوى العامة التي تقام في مواجته، ان العمل القضائي لمحكمة التعقيب يعتبر ان هذا يعني ان انتفاء خطئه الجزائي ينتج عنه ايضا عدم ثبوت خطئه المدني (1) ويحرم المتضرر من القيام بدعوى المسؤولية والتعويض ولو على اساس الفصل 83 م ل ع لان المتضرر لم يعد في وسعه اثبات خطا الحافظ. وهو ما يشكل ايضا تطبيقا غير سليم للفصل 101 م ل ع (2) .

ان ما يلفت الانتباه كذلك هو ان هذا الاتجاه الضيق الذي نحت اليه محكمة التعقيب لفترة طويلة - رغم الجدل الفقهي الذي اثاره (3) جعلها تنفرد بهذا الاتجاه مقارنة بالعمل القضائي المقارن بما في ذلك الذي يطبق نصا نقل  حرفيا  عن الفصل 96 م ل ع ويتعلق الامر بالعمل القضائي المغربي الصادر على ضوء الفصل 88 ظ ل ع ذلك ان اي تضييق في نطاق هذا النص لم يقع بتاتا لا من طرف اغلب محاكم الموضوع ولا من جانب المجلس الاعلى المغربي (4) .

كما ان الاجتهاد القضائي الفرنسي. رغم ان مخاوف سبق ان ساورته لما بادر بجعل الفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م قاعدة عامة للمسؤولية الشيئية، فانه منذ صدور قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية في قضية Jand'heur بتاريخ 13 فيفري 1930، فانه اقلع عن القيام باي تضييق في تطبيق هذه القاعدة التي اصبحت تطبق على كل الاشياء دون تمييز في طبيعتها او دورها او طريقة تسببها في الضرر. ولقد كان لهذا القرار صداه ايضا لدى المشرع الجزائري عند صياغته احكام المادة 138 من القانون الجزائري المدني فيما تتضمنه من اساس موضوعي للمسؤولية الشيئية، (5) وهو ما راعاه المجلس الاعلى الجزائري الذي لم يقم باي تضييق في نطاق
-------------
1)    قرار تعقيبي مدني عدد 12890 في 29 ديسمبر 1985، نشرية ج 2، ص 283 .
2)    محمد صالح العياري، مجلة الالتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر ومستجداته الحضرية، تونس 1997. ص 203 .
3)    محمد الزين، مرجع سابق. ص 63-64 .
4)    قرارات المجلس الاعلى المغربي، مدني، عدد 239 في 13 ماي 1970 - 240 بنفس التاريخ وعدد  207 في 23 يونيو 1971، مجموعة قرارت المجلس الاعلى، المادة المدنية 1996-1988، ذكرهم الطيب الفصايلي، النظرية العامة للالتزام، ج 1، مصادر الالتزام، مراكش 1996. ص 264 .
5)    محمود جلال حمزة، مرجع سابق، ص 114 .
-------------
هذا النص. فهو يطبق من طرف المحاكم الجزائرية كلما نتج ضرر عن فعل شيء سواء كان محركا بيد انسان او صدر عن ذات الشيء (1) .
وازاء الجدل الفقهي (2) الذي اثاره الاتجاه السابق لمحكمة التعقيب والاضطراب في فقه القضاء الفرنسي الذي نشب عنه بسبب اصرار بعض محاكم الموضوع على عدم مسايرة محكمة التعقيب، فان ذلك اضطر الدوائر المجتمعة لمحكمة القانون التونسية للتدخل للحسم في هذه النقطة وهو ما قامت به بقراراتها الاربع الصادرة في 16 مارس 1995 .
أ‌-    2- كيفية تطبيق الفصل 96 م ل ع في قرارات الدوائر المجتمعة الصادرة في 16 مارس 1995 .
ان اختيار محكمة التعقيب ان تصدر في تاريخ واحد، اي في 16 مارس 1995، بدوائرها الجتمعة، اربع قرارات (3) في  مادة المسؤولية التقصيرية عن فعل الشيء، يشكل دليلا ان محكمة القانون التونسية قصدت في الحقيقة القيام " بحركة اصلاحية" ارادت في اطارها اضفاء طابع الشمول على نطاق الفصل 96 م ل ع قصد وضع حد للتهميش الذي تعرض له هذا النص خلال فترة دامت اكثر مما يتصور، وهو اصلاح لفقه القضاء طال انتظاره. مع ذلك فان تدارك الخطا ولو في وقت متاخر خير من التمادي فيه .
-------------
1)    قرارات المجلس الاعلى الجزائري رقم 159 في 31 ديسمبر 1980 - رقم 35 في 25 فيفيري 1981 رقم 57 في 25 مارس 1981 ورد ذكرها في المرجع السابق بنفس الصفحة .
2)    Dahdouh (H). l'article 96 du C.O.C à la croisée des chemins, Conférence au colloque sur l'évolution du droit de la responsabilité, Fac. De droit de Sfax et autres, ( à parâitre) p.10 .
محمد الزين، المرجع سابق. ص 35 .
3)    يتعلق الامر بالقرارات المدنية ( الدوائر المجتمعة) الصادر في 16 مارس 1995 وهي :
عدد 45822 م ق ت 1995، ص 244 مع تعليق المستشار م. المنصف مختار الزين " حول تاثير نفي المسوؤلية الجزائرية على قيام المسؤولية المدنية التقصيرية - رقم 28564، م  ق ت 1996 ص . 299 رقم 44851، مرجع سابق، ص 305- رقم 42389 نفس المرجع ص 309 .
------------
واتاح تعدد القرارات الصادرة في ذلك اليوم اي في 16 مارس 1995، الفرصة للدوائر المجتمعة لاعادة النظر في تطبيق او تاويل عدة قواعد قانونية تهم المسؤولية الشيئية. ومن اهم ما ابرزته محكمة التعقيب في احدى تلك القرارات هو ان المسؤولية الشيئية سندها في كل الحالات الفصل 96 م ل ع وموضوعها واساسها ضمان الضرر الناشئ عن حفظ الشيء(1). واعتبرت محكمة التعقيب في هذا القرار ان الفصضل 96 م ل ع يطبق كلما كان الضرر تسبب فيه شيء ولو كان محركا بيد الانسان. كما ان نفي المسؤولية الجزائرية عن سائق الناقلة المتسببة في الضرر لا يحول دون قيام المتضرر على حافظ الشيء على اساس الفصل 96 م ل ع ولا يترتب عن ذلك اي خرق للفصل 101 م ل ع (2) .

واتبعت محكمة التعقيب، في القرار عدد 42389، نفس الاتجاه في حالة اخرى ثبت فيها الخطا الجزائري وهو ما يخول، في تلك الحالة للمتضرر الخيار في سلوك الطريق المدني اما على اساس الفصل 83 م ل ع او الفصل 96 م ل ع اذا لم تعد محكمة القانون - بدوائرها المجتعمة - تشترط في قراراتها الانفة الذكر ان يصدر الضرر عن الفعل الذاتي للشيء .

لاشك ان هذه القرارات - لاسيما بالنظر لتعددها وصدورها في يوم واحد عن الدوائر المجتمعة - تشكل اسهاما اصلاحيا اختارت محكمة القانون القيام به (3) كما سعت، بنفس المناسبة، الى ابراز عدة مبادئ ايجابية طال انتظارها. مع هذا. يبدو ان
------------
1)    القرار عدد 45822 الى جانب ذلك فان محكمة التعقيب اعتبرت في هذا القرار ان الخطا الجزائري المقصود في الفصل 98 من مجلة الطرقات لا يختلف عن الخطا المدني المقصود في الفصل 83 م ل ع متبعة هكذا نظرية وحدة الخطا ولا يمكن مسايرتها في هذا الاتجاه مادام الخطا الجزائي يشكل جزءا من الخطا المدني، فاذا ثبت الاول يكون الثاني ثابتا بالضرورة. وفي حالة انتفاء الخطا الجزائي يمكن للمتضرر - اذا قام على اساس المسؤولية الشخصية - اثبات الخطا المدني مثلما يعرفه الفصل 83 م ل ع وينظر القاضي المدني، بما له من سلطة تقديرية في مدى ثبوت الخطا المدني، دون ان يؤثر عليه، في ذلك، سبقية نفي الخطا الجزائي عن المقام عليه دعوى المسؤولية .
2)    قرار تعقيبي عدد 44851 ( الدوائر المجتمعة) سبق ذكره، تعليق المستشار م. المنصف بن مختار الزين على القرار عدد 45822، مرجع سابق.  Dahdouh (H) op. cit p.. 17
3)    Ben Ammou (N) l'évolution récente de la jurisprudence en matière de responsabilité civile R.T.D. 1996. P 27 et S. Dahdouh (H) op. cit p. . 22-23
--------------
الدوائر المجتمعة - ولو انها اعلى هيكل في محكمة القانون - اتخذت هذه المبادرة الاصلاحية بشيء من الحذر. من ذلك، على سبيل المثال، انها تحاشت ان توضح مدلول " الضمان" الذي هو اساس الفصل 96 م ل ع والمذكور صلبه. لقد اكتفت محكمة التعقيب بنقل هذا المصطلح من نص الفصل الانف الذكر وادراجه في قراراتها دون ان توضح نية المشرع وقصده من استعماله مصطلح " الضمان" ولا الابعاد التي توخاها من وراء ذلك. وكان يجدر بمحكمة القانون - لاسيما وانها التامت في اطار دوائرها المجتمعة - ان توضح ما اذا كان الامر يتعلق " بضمان التعويض" ام باشارة واضحة الى طبيعة المسؤولية المقصودة في فحوى الفصل 96 م ل ع وهي مسؤولية موضوعية (1) .

يبدو ان المدلول الاخير اقرب الى الابعاد الحمائية المتوخاة عبر الفصل 96 م ل ع والتي قصدها المشرع عند صياغته. علاوة على كون التعويض يشكل عنصرا يتفرع مباشرة من المسؤولية ويتاثر نتيجة لذلك بنطاقها وطبيعتها القانونية .

كما تجنبت محكمة التعقيب الاجابة على نقطة اخرى تتعلق بمعرفة هل يمكن تجزئة المسؤولية اذا ثبت ان المتضرر ارتكب من جانبه خطئا ساهم في حدوث الضرر. لقد اثيرت هذه النقطة في اطار الطعن الذي بتت فيه بالقرار رقم 28564. لكن محكمة التعقيب تحاشت الرد عليها وعللت ذلك بكون سبقية منازعة المؤمنة في العلاقة السببية بين الشيء والضرر يجعلها لا تتوفر على المصلحة للتمسك بالاعفاء الجزئي امام محكمة التعقيب. بغض النظر عن هذا التعليل الذي لا يبدو مقنعا، لان المنازعة في العلاقة السببية لا يشكل حائلا للتمسك ايضا، ولو من باب الاحتياط، بتجزئة المسؤولية في حالة اثبات خطا المتضرر ومساهمته في وقوع نفس الضرر، فان الدوائر المجتمعة تظل مدعومة لتوضيح موقفها من هذه النقطة عندما تتاح لها الفرصة، لكون فقه قضاء محكمة التعقيب عرف بخصوصها ايضا بعض التضارب. فبعد ان اعتبرت محكمة القانون بدائرتها الجنائية ان المسؤولية المدنية التقصيرية
-------------
1)    وهو ما ذهبت اليه قرارات تعقيبية لاحقة للقرارات الاربع للدوائر المجتمعة، ويتعلق الامر بالقرارات التعقيبية المدنية : عدد 63148 في 4 مارس 1998 - عدد 65058 في 2 ماي 1998 ( غير منشورة ) ذكرها الاستاذ الحبيب دحدوح في مداخلته الانفة الذكر عدد 21، هامش رقم 61 .
------------
تقبل التجزئة (1) عدلت عن هذا الموقف بدائرتها المدنية واتخذت عكسه (2) علما ان تضارب فقه قضاء محكمة التعقيب لا يقتصر على هذه النطقة (3) .
ونعتقد ان اعتماد الطابع الموضوعي للمسؤولية، المستمد من الفصل 96 م ل ع لا يتعارض مع امكانية تجزئتها واعفاء الحافظ من قسط منها اذا ثبت وجود خطا ارتكبه المتضرر ساهم مباشرة في حدوث الضرر اللاحق به. من البديهي ان يواجه المتضرر بعواقب خطئه في حدود ما ساهم به هذا الاخير في وقوع الضرر. اذ لا يمكن ان يستفيد احد من خطئه الشخصي .

وعلى هذا الاساس يمكن لقضاة الاصل، بما لديهم من سلطة تقديرية، الحكم بتجزئة المسؤولية بحسب ما ساهم به الضحية في الضرر الذي لحقه، وهو ما يتبعه القضاء الجزائي التونسي بصفة دائبة لما يبت في الدعوى المدنية التابعة. كما استقر على ذلك العمل القضائي المغربي منذ فترة طويلة، لا فرق في ذلك بين الصادر منه في المادة المدنية او الزجرية .

من جهة اخرى نامل ايضا ان تعدل الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في المستقبل عن نظرية وحدة الخطا، مع العلم ا ن هذه النقطة لاتهم المجال الحقيقي للمسؤولية الشيئية، مادام انها مسؤولية بدون خطا تلقى على كاهل الحافظ بمجرد تسبب الشيء الذي في حفظه في ضرر .

لكن الذي يدعو الى الاستغراب هو ان محكمة القانون ارتات دائرتها الثامنة من جديد، منذ مستهل سنة 1999 ان تتراجع عما اصلحته دوائرها المجتمعة في قراراتها الاربع الانفة الذكر .
-------------
1)    قرار تعقيبي جنائي عدد 9670 في 24 افريل 1985 نشرية، قسم جنائي ص 43 .
2)    قرار تعقيبي مدني عدد 15853 في 29 نوفمبر 1988 القضاء والتشريع 1991 عدد 9 ص 105 .
واكدته في قرارين مدنيين الاول عدد 53258 في 19 ماي 1998 والثاني 65058 في 26 ماي 1998 كما اتبعت محكمة الاستئناف بالمنستير نفس الاتجاه قرارات عدد 9605 في 12 مارس 1997 رقم 9885 في 3 ابريل 1997 عدد 9886 نفس التاريخ الاخير ( غير منشورة ) ذكرها الاستاذ الحبيب دحدوح، مرجع سابق. ص 20 هامش رقم 54 .
3)    ساسي بن حليمة، في فقه قضاء محكمة التعقيب، ملتقى حول " التعقيب" كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس - 1989 - ص 135 .
أ‌-    3- تراجع محكمة التعقيب عن الاتجاه الاصلاحي لدوائرها المجتمعة :
لم يكن هذا متوقعا لعدة اسباب، منها، قبل كل شيء، ان النفوذ الادبي لما تقضي به الدوائر المجتمعة لمحكمة القانون ليس في حاجة للتذكير به ولاجله فان الحركة الاصلاحية التي قامت بها الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بقراراتها الاربع الصادرة في 16 مارس 1995 كان لها صداها منذ صور تلك القرارات ليس على دوائر محكمة التعقيب فحسب وانما على الصعيد محاكم الاصل ايضا بدرجتيها. وظن اغلب المهتمين ان عهد تهميش المسؤولية التقصيرية عن فعل الشيء والتقليص من نطاق الفصل 96 م ل ع ولى وانقضى لاسيما وان فقه القضاء التونسي يتاهب للدخول في القرن المقبل .

لكن محكمة التعقيب، ومنذ بداية سنة 1999 ارتات - في اطار دائرتها المدنية الثامنة ان تحدث المفاجاة ففي قرار اصدرته في 7 جانفي 1999 اعتبرت ان المسؤولية الشيئية اساسها الخطا المفترض. ثم تناقضت مع نفسها في نفس القرار واعتبرت انه " طالما لم يثبت عنصر الخطا فانه لا وجود للمسؤولية وبالتالي لا وجود لتعويض عن الضرر" وما دام في تلك النازلة كان المتضرر طفلا قاصرا صدم بناقلة لما كان يقطع الطريق اضافت محكمة القانون " مادام ان سبب الحادثة يرجع الى عدم انتباه الطفل وقطع الطريق بدون التحقق من سلامة العملية، فان هذا وحده كاف ليدحض عن سائق السيارة قرينة الخطا التي حمله اياها الفصل 96 م ل ع".

وهكذا اعابت محكمة التعقيب على محكمة الاصل، قضائها في هذا الشان بان السائق لم يقم بما يلزم لتلافي الحادث " ورات محكمة القانون ان ذلك يشكل خرقا للفصل 96 م ل ع يعرض القرار المطعون فيه للنقض" (1).

رغم ما يمكن ان يتبادر للذهن من الاعتقاد بان هذا القرار لا يعدو ان يكون زلة لن تكررها الدائرة المصدرة له، الا ان الحقيقة لم تكن كذلك. مادام ان محكمة القانون بنفس الدائرة جعلت منه اتجاها قارا لها واكدته في قرار اخر اصدتره بتاريخ 11
----------------
1)    قرار تعقيبي مدني، الدائرة الثامنة، عدد 68513/98 في 7 جانفي 1999 ( غير منشور ) .
---------------
مارس 1999 اعتبرت بموجبه انه " لما كانت السيارة المرتكب بها الحادث من الجوامد المتحركة بفعل الانسان يسيرها ويتحكم فيها، فان الضرر الحاصل لم يكن من الشيء نفسه وانما قد حصل من تسيير الانسان لها وهو السائق. لذا فانه يجب على محكمة الاصل النظر في هذه الحالة الى خطا المتضرر والسائق وابرازه في حكمها حتى يتسنى لمحكمة التعقيب اجراء رقابتها، وهذا ما عناه الفصل 96 م ل ع" (1) .

وهكذا عادت محكمة التعقيب الى الاتجاه الخاطئ الذي كان سائدا قبل 16 مارس 1995 اي قبل تدخل دوائرها المجتمعة لاصلاحه. ان هذا التراجع يفيد في الحقيقة ان بعض دوائر محكمة التعقيب لم تستوعب الابعاد التصحيحية التي قصدتها الدوائر المجتمعة لمحكمة القانون في قراراتها الاربع التي اصدرتها في 16 مارس 1995. ويبقى الامل في ان تقلع محكمة التعقيب عن هذا التراجع لكي تكرس جهودها في المستقبل لترسيخ وتجذير عناصر وشروط المسؤولية الموضوعية التي انشاها الفصل 96 ل ع. وتجسيد بعدها الحمائي. وفي هذا السياق ايضا، يكون الاحرى بمحكمة التعقيب ان تحرص في المستقبل على وضع حد لتقليص اخر من نطاق الفصل 96 م ل ع شهده العمل القضائي في السائق، نتج عن حرمان من يتضرر من ناقلة، حمل عليها مجانا، من الاستفادة من قرينة المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع .
--------------
1)    قرار تعقيبي مدني، الدائرة الثامنة، عدد 986931 في 11 مارس 1999 ( غير منشور) مع العلم ان النقطة الوحيدة التي اصاب فيها هذا القرار هي التي اعتبر من خلالها وجود استقلال بين الخطا الجزائي والخطا المدني، اذ في هذا الخصوص جاء في هذا القرار " ان الخطا الجزائي المتمثل في القصور او عدم الاحتياط يختلف عن الخطا المدني المتمثل في الاخلال بواجب قانوني على الانسان حراسة الشيء الذي هو في حفظه والتحكم فيه لمنعه من الاضرار بالغير". ولو ان محكمة التعقيب عادت الى اعتبار ان الفصل 96 م ل ع اساسه قرينة الخطا في الحفظ. وهو ما لا يمكن مسايرتها فيه .
--------------
ب‌-    هل يجوز للمتضرر المنقول مجانا القيام على اساس الفصل 96 م ل ع .
لا يوجد جواب صريح بخصوص هذه النقطة صلب الفصل 96 م ل ع ولا ضمن اي نص مشابه له حتى في التشريعات المقارنة، سواء في فرنسا او في بلدان المغربي العربي. من جهة اخرى ليس في الفصل 96 م ل ع ما يمنع تطبيقه لفائدة المنقول مجانا. اذ منطقيا لا فرق بين من يتضرر من ناقلة وهو اجنبي عنها ومن يتضرر من ناقلة شارك في استعمالها لانه حمل على متنها مجانا. كلاهما لحقهما ضرر من شيء. كما ان الفصل 96 م ل ع ليس فيه ما يجيز التمييز بين هذا وذاك .

لكن العمل القضائي التونسي لم يتبع هذا الاتجاه، ولعله تاثر هنا باتجاه قديم سبق للقضاء الفرنسي ان اتبعه خلال فترة ناهزت اربعين سنة قبل ان يعدل عنه ويمكن المتضرر المنقول مجانا من القيام ايضا على اساس الفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م .

بموجب قرارها الصادر في 27 مارس 1928 المعروف بقرار Grasse (1) منعت محكمة النقض الفرنسية المتضرر المنقول مجانا من افتراض مسوؤلية ناقله وواجبت عليه القيام على اساس الفصل 1383 ق م ف اي اثبات خطا الناقل بالمجان. وكانت مبررات هذا الاتجاه تتمثل بالخصوص في دوافع اخلاقية، كما تستند على نظرية قبول المخاطر، واستمر هذا الاتجاه، رغم انتقاده من طرف الشراح(2) اربعة عقود الى ان اقلعت عنه محكمة النقض الفرنسية باصدارها بدوائرها المختلطة ثلاثة قرارات بتاريخ 20 ديسمبر 1968 (3) اعتبرت فيها ان الشخص المنقول مجانا بامكانه بدوره القيام على اساس الفقرة الاولى من الفصل 1384 .

لكن المحاكم التونسية لازالت تطبق نفس الحرمان على المتضرر المنقول مجانا. ويبدو انها لازالت متاثرة بالاتجاه القديم للعمل القضائي الفرنسي. ولم يتغير موقف العمل القضائي التونسي منذ الخمسينات(4). واتبعت نفس الاتجاه حتى بعد
-------------
1)                                                                           Civ. 27 mars 1928, D 28. 145, Note Ripert .
2)     Starck (B) les obligations, I, Responsabilité délictuelle. P.99 n° 220.                                           
3)    Com, 20 décembre 1968, ch mixte J.C.P. 69.II ; 15756, D 1969, 37 Concl. Av gén.R.Schmelck.
4)    Trib Bizerte, Jugemen du 25 février 1953. R.T.D. 1955. N° 3-4 p : 305.                                       ----------------
الاستقلال (1) وذلك بالاعتماد على نفس الدوافع الاخلاقية ونظرية قبول المخاطر. ونحت نفس الاتجاه، بصفة ضمنية، محكمة التعقيب(2) رغم الانتقادات التي اثارها الشراح (3)، ولعلها كانت متاثرة ايضا - ولو نفسانيا - بالاتجاه الذي كانت مستقرة عليه بوجه عام، وهو استبعاد تطبيق الفصل 96 م ل ع كلما نتج الضرر عن شيء وهو محرك بيد الانسان. ولم يطبق الفصل 96 م ل ع لفائدة المنقول مجانا، الا من طرف المحكمة الابتدائية بتونس في 5 مارس 1973(4)، لكن هذا التغيير في الاتجاه لم يتعد قضاء الطور الابتدائي، ولا شيء يبرر اقصاء المنقول مجانا من الاستفادة من قرينة المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع .

ولقد سبق للقضاء المغربي ان تاثر في الثلث الاول من هذا القرن بالاتجاه الاقصائي الذي سار فيه فقه القضائي الفرنسي (5)، الا ان المجلس الاعلى بادر بالعدول عنه سنة قبل ان تعدل عنه محكمة النقض الفرنسية بقراراتها الثلاثة الصادرة عن دائرتها المختلطة الانف ذكرهم (6) وتم ذلك بقرار  المجلس الاعلى المغربي الصادر بتاريخ  20 يوليوز 1967 (7) الذي اجاز فيه للمنقول مجانا القيام على اساس الفصل 88 ظ ل ع. الماخوذ حرفيا عن الفصل 96 تونسي .
واكدت محكمة القانون المغربية نفس اتجاهها في قرار مماثل صدر في 11 يونيو 1969 (8) .
--------------
1)                                                   Trib. Cor. Mahdia, 20 mai 1963 R.T.D.66-67 Somm, P 280.
قرار محكمة الاستئناف بتونس، 3 نوفمبر 1964 القضاء والتشريع، 1965 ص 539 .
2)    Civ. 4nov 63 Bull. 64 p136, R.T.D. 66-67. p 222
3)    Charfi (M) la reponsabilté du transporteur non professionnel de personnes thése, Paris 1967, Cité également par Ferchichi (B), note sous trib. Civ. Tunis, Jugement n° 138 du 5 mars 1973, R.T.D. 1973, P : 187 .
4)    Jugement n° 138, 5 mars 1973 précité .
5)     قرار محكمة الاستئناف بالرباط، 71 مارس 1923، مجلة المحاكم المغربية، 1923، عدد 544 ص 165 .
6)    اي الصادرة في 20 ديسمبر 1968 .
7)    قرار المجلس الاعلى مدني، 20 يوليوز 1967، مجلة المحاكم المغربية 1968، عدد 2 ص 23-24 .
8)    قرار المجلس الاعلى مدني، عدد 278 في 11 يونيه 1969 مجموعة قرارات المجلس الاعلى، المادة المدنية 1966، 1982 ص 623 .
------------
بالنسبة لمحكمة التعقيب التونسية، فان الامل يظل قائما في ان تتاح لها المناسبة حتى تتبع نفس الاتجاه الذي سلكه المجلس الاعلى المغربي لكي يصبح المتضرر بالعربة، نقل عليها مجانا، على قدم المساواة مع باقي المتضررين من فعل الشيء اي تمكينه بدوره من الاستفادة من قرينة المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 96 م ل ع وعندئذ يرفع الحيف الذي سبق ان سلط على المنقول مجانا من جراء اقصائه، دون مبرر من الاستفادة من قرينة المسؤولية المستمدة من النص الانف الذكر الذي لازال - والقرن الحالي يشرف على نهايته - في حاجة لكي ترد محكمة التعقيب اليه الاعتبار بان تكف عن تقليص نطاقه .

خاتمة
لما سن المشرع التونسي - وقت اصدار مجلة الالتزامات والعقود - مجموعة القواعد المنظمة للمسؤولية عن فعل الاشياء كان عمله في ان واحد مقلدا ومجددا. يمثل التقليد، الذي وقع فيه، في كونه وضع احكاما خاصة بالمسؤولية عن فعل الحيوان وانهدام البناء دون وجود حاجة اليها. علما انها حاليا قليلة التطبيق بالمقارنة مع التطبيق اليومي للقاعدة العامة للمسؤولية الشيئية التي يتضمنها الفصل 96 م ل ع بحسب عدد حوادث المرور الذي يعرف تصاعدا مستمرا .

ويتجلى التجديد بالذي بادر اليه المشرع التونسي في كونه تبنى ما ابتكره الاجتهاد القضائي الفرنسي ووضع قاعدة عامة صريحة للمسؤولية التقصيرية الشيئية افرد لها الفصل 96 م ل ع وهكذا يكون المشرع سهل على القضاء مهمته حتى لا تعترضه نفس الصعوبات التي واجهها القضاء الفرنسي، بعد ان ابتكر قاعدة قضائية عامة للمسؤولية الشيئية من خلال قراءة جديدة للفقرة الاولى من الفصل 1384 ق م جعلته يخوض جدلا بالخصوص حول مدلول الشيء ودوره وتعريف الحافظ. وهو مخاض قضائي استمر بعض العقود .

لكن يبدو ان التوجهات التي سلكها العمل القضائي التونسي لم تواكب التصورات التي قصدها وضعوا احكام المسؤولية الشيئية مثلما صيغت صلب الفصل 96 ل ع. ذلك ان محكمة التعقيب - على نقيض محاكم الاصل - لم تستوعب بسهولة شروط تطبيقه وابعاده والطابع الحساس لمجاله. وهو ما جعلها - بالمقارنة مع محاكم القانون في الانظمة القضائية المجاورة - تنفرد بتهميش قواعد المسؤولية الشيئية. وحتى لما تدخلت -  في وقت متاخر - الدوائر المجتمعة بمحكمة التعقيب لتصحيح مسار العمل القضائي في هذا المجال، فان هذا التصحيح، علاوة على النقائص التي تشوبه واثارها الشراح، فان محكمة التعقيب سرعان ما تراجعت عنه ولم يتجاوز مفعوله اكثر من اربع سنوات، عادت على اثرها محكمة التعقيب الى التردد والتذبذب والتقليص من جديد من نطاق الفصل 96 م ل ع وهو ما يجعل العمل القضائي التونسي ، حول المسوؤلية الشيئية، في امس الحاجة لحركة تصحيحية اخرى تبقى الدوائر المجتمعة لمحكمة القانون مدعوة للتدخل من جديد قصد القيام بها .

* مجلة المحاكم المغربية، العدد 84، ص 60 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :