-->

تحديد المسؤولية في ميدان النقل

       
 بقلم ذ/ بنونة يونس مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء


  لقد صاحب الحركة التجارية، من ميدان النقل البحري، وجود مشاكل وقيام منازعات بين الناقل البحري، وصاحب الحق في البضاعة، بالنظر الى قيام الناقل بعدة عمليات، تتمثل في تسلم البضاعة من الشاحن، ثم شحنها ورصها ونقلها الى جهة الوصول  ثم  افراغها ووضعها تحت تصرف المرسل اليه، وانه من الطبيعي ان تتضرر البضاعة خلال احدى هذه العمليات، وفي هذا الاطار تبرز مسؤولية الناقل البحري وبالتالي  مساءلته  عن  الاضرار الحاصلة لبضاعته وهي في عهدته.

وتعد بمسؤولية الناقل مسؤولية عقدية، قوامها عقد النقل البحري، وبذلك يكون الناقل ملزما بتسليم البضاعة الى المرسل اليه،  في  ميناء  الوصول، طبقا للبيان الوارد بشانها في سند الشحن، والا التزم بتعويض المرسل اليه عما لحقه من خسارة  وما فاته  من  كسب، استنادا  الى القواعد  العامة  في  شان المسؤولية العقدية. الا انه يرد على هذه القاعدة استثناء يتمثل في خلو سند الشحن من ذكر قيمة البضاعة، اذ في مثل هذه  الحالة  تحدد  مسؤولية  الناقل البحري، في مبلغ اقل قيمة من الضرر الحاصل للبضاعة، وهو ما يعرف بمبدأ تحديد المسؤولية .

وبالرجوع الى مقتضيات الفصل 266 ق ت ب، والذي تم تعديله بمقتضى ظهير 16/9/54 فانه ينص  على  ما يلي : " اذا  لم  تتضمن  تذكرة الشحن تعيين القيمة، فان مسؤولية  المجهز والربان تحدد في 1000 درهم عن كل طرد، وذلك بالرغم من كل اتفاق مخالف، اما اذا عينت القيمة في تذكرة الشحن، فان مسؤوليته تحدد بالقيمة المصرح بها" .
--------------------
(*) عرض ألقاه المستشار السيد بنونة في ندوة القانون البحري التي نظمتها كلية الحقوق بالبيضاء .
------------------
وانطلاقا من هذا النص يمكن معالجة موضوع مبدا تحديد المسؤولية في النقط التالية :
أولا - نطاق تطبيق مبدا تحديد المسؤولية. 
ثانيا - التعويض المستحق على ضوء التحديد المذكور .
ثالثا - الاستثناءات الواردة على هذا المبدا .
مع الاشارة في هذا الصدد الى مقتضيات اتفاقية الامم المتحدة. 

أولا - نطاق تطبيق مبدأ تحديد المسؤولية
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 266 ق ت ب. يتبين ان المشرع المغربي، لم يستعمل عبارة طرد في مجال تحديد المسؤولية، وقد اثارت هذه العبارة جدلا فقهيا وقضائيا في تحديد معناها، الا ان الراي الغالب في الفقه، يذهب الى ان الطرد هو عنصر الشحنة او الارسالية البحرية، المعبأ في اغلفة، والحامل لارقام وعلامات مميزة له. وقد تبنى الاجتهاد القضائي، وخاصة اجتهاد استئنافية البيضاء هذا المفهوم لمعنى الطرد، ففي قرار لها بتاريخ 4/4/1989 نص على الحيثية التالية : " حيث انه يتعين الاستجابة لدفوعات الناقل البحري، الرامية الى تطبيق احكام الفصل 266 من ق ت ب باعتبار ان وثيقة الشحن، اشارت الى ان النقل يهم اربعة اعمال، فتعد بالتالي اربعة طرود، باعتبار ان الطرد، هو وحدة البضاعة المشحونة المعبأة في اغلفة، والاساس، هو ان تحمل كل وحدة رقمها وعلامتها المميزة، كما هو عليه الحال في النازلة(1) كما ذهبت استئنافية البيضاء في قراراتها، الى ان الة الحصاد لا يمكن ان تشكل طردا، لكون الطرد يفترض معه ان تكون البضاعة مغلفة، ولا يستطيع الناقل معرفة طبيعتها وقيمتها، بدون بيانات الشاحن في سند  الشحن .

اما بخصوص اجتهاد المجلس الاعلى، فانه سار اول الامر في اتجاه مخالف ولم يعتد بعنصر التغليف في تحديد صفة الطرد، ففي قرار له بتاريخ 26/10/1979 تضمن الحيثية التالية : لكن حيث  ان عبارة كل طرد الواردة في الفصل 266 ق ت ب اعلاه تعتبر عامة وشاملة، بحيث يدخل في مفهومها كل قطعة من البضاعة المنقولة على ظهر الباخرة ايا كان نوعها، بقطع النظر هل كانت مغلفة او غير مغلفة، فاعتبار محكمة  الاستئناف،
-----------------
1) قرار استئنافية البيضاء بتاريخ 1414 رقم 747 في الملف عدد 2295/87 غير منشور .
----------------
من ان  سيارة عارية منقولة على ظهر الباخرة لا تعد طردا، يعد خرقا من طرفها لمقتضيات الفصل 266 من ق ت ب. ويعرض قرارها للنقض (1).
وقد استقر  المجلس الاعلى في قراراته الاخير على الاعتداد بعنصر التغليف في تحديد صفة الطرد، ففي قراره الصادر بتاريخ 25/12/1992 (2). نص على ان المراد بالطرد، الوحدة المستقلة التغليف، والغير ممكن التعرف على طبيعتها او قيمتها الا من خلال بيانات وثيقة الشحن.

وعلى كل يرجع اختلاف الاجتهاد القضائي في تحديد مفهوم الطرد الى عدم وجود تعريف تشريعي لمعناه وان القضاء استند الى معيار التغليف، لاضفاء صفة الطرد على البضاعة، لكن ما الحكم اذا تم شحن مجموعة من الطرود، داخل مستوعبة او حاوية، فهل تشكل هذه الاخيرة مجرد طرد، يضاف الى مجموع الطرود التي تحتويها، ام تشكل في حد ذاتها، طردا واحدا فقط بما تحويه، مادامت وثيقة الشحن لا تضمن قيمة البضاعة.

لقد اعتد الفقه (3) والقضاء (4) بما هو مضمن في وثيقة الشحن. فاذا كان سند الشحن خاليا من تحديد عدد الطرود الموجودة داخل المستوعبة فان هذه الاخيرة تشكل طردا واحدا لكل ما تحتويه. وبالتالي يتم تعويض المرسل اليه على اساس 1000 درهم فقط عند ضياع او هلاك المستوعبة، اما اذا تضمن سند الشحن عدد الطرود المعبئة داخل المستوعبة، فان التعويض يشمل العدد المضمن في سند الشحن على اساس 1000 درهم للطرد الواحد.

وقد تضمنت اتفاقية سنة 1978، في المادة السادسة منها نفس هذه المقتضيات واضافت بانه في حالة هلاك المستوعبة او تلفها، فانها تعتبر في حد ذاتها طردا يضاف الى عدد الطرود الموجودة بها، اذا كانت غير مملوكة للناقل او مقدمة منه.
هذا وبالنظر الى تداخل عمليات النقل البحري، فقد ثار جدل قضائي حول ما اذا كان مقاول الشحن والافراغ أي مكتب استغلال الموانئ، يستفيد هو الاخر، من مبدا تحديد المسؤولية، في حالة عدم تضمين سند الشحن قيمة البضاعة.
--------------------------
1- قرار المجلس الاعلى بتاريخ 26/10/1991 رقم 326 ملف عدد 42958.
2- قرار المجلس الاعلى بتاريخ 25/12/1992 في الملف عدد 7203/86 غير منشور.
3- روديير، المطول في القانون البحري في الانجاز والنقل ج 2 صفحة 304. ثم د/ ابراهيم مكي، نظام النقل باوعية الشحن صفحة 60.
4- محكمة مارسيليا التجارية بتاريخ ابريل 1976 منشور مجلة   DMF 1976 صفحة 610.
-------------------------
ان احكام القضاء جاءت متضاربة بهذا الخصوص، ففي قرار للمجلس الاعلى بتاريخ 10/9/86 (1)، منح مكتب الاستقلال الموانئ، حق الاستفادة من مبدا تحديد المسؤولية، في حالة عدم تضمين سند الشحن قيمة بضاعة، معللا ذلك بكون الفصل الخامس من دفتر التحملات، ينص على عدم تجاوز مسؤولية المكتب مسؤولية الناقل البحري .
في حين ذهب في قرار اخر له، بتاريخ 6/2/1985 (2) الى عكس ذلك، واكد على ان مقتضيات الفصل 266 تهم المجهز والربان فقط، وان الفصل الخامس المحتج به في الاجتهاد الاول،  فهو يخص العلاقة بين المكتب والمتعاملين معه فوق الرصيف .

في نظرنا يعتبر الاتجاه الثاني مصادفا للصواب، ذلك ان مقتضيات سند الشحن تهم الناقل والشاحن، وان مكتب استغلال الموانئ يعتبر طرفا اجنبيا عن سفن الشحن، وان الفصل الخامس المحتج به، يخص العلاقة بين المكتب والمتعاملين معه فوق الرصيف، ولا علاقة له بالناقل البحري، اضافة على ان مقتضيات الفصل 266 ق ت ب تعد من النظام العام، وبالتالي لا يجوز التوسع في تاويلها او تفسيرها .

ثانيا - التعويض المستحق عن ضوء التحديد القانوني للمسؤولية
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 266 ق ت ب يتبين ان المشرع حدد مسؤولية المجهز والربان في مبلغ 1000 درهم للطرد الواحد، عند عدم التصريح بقيمة البضاعة في سند الشحن، وذلك في حالتي الهلاك او العوار، بالرغم من كل اتفاق مخالف. وبالتالي فان مقتضيات هذا النص تعد من النظام العام، ولا يجوز لاطراف عقد النقل البحري، الاتفاق على تعويض، يقل على الحد الادنى المنصوص عليه قانونا. والا اعتبر هذا الاتفاق باطلا.

اما بالنسبة لاتفاقية هامبورغ لسنة 1978 فقد حددت مسؤولية الناقل عن الخسارة الناتجة عن هلاك البضائع او تلفها، بمبلغ يعادل 835 وحدة حسابية عن كل طرد او وحدة شحن او 2,5 وحدة حسابية عن كل كيلو غرام من الوزن الضائع للبضاعة التالفة او ايهما اكبر. أي ما يعادل بالدرهم المغربي مبلغ ( 11.072 درهم) للطرد. ومبلغ 33,15 درهم للكيلو غرام (3) .
---------------------
1) قرار المجلس الاعلى بتاريخ 10/9/86 في الملف عدد 94676 غير منشور .
2) قرار المجلس الاعلى بتاريخ 6/2/85 في الملف عدد 95002 غير منشور.
3) تم تحويل الوحدة الحسابية الى الدولار الامريكي ثم الدرهم المغربي استنادا الى بنك المغرب في سعر الصرف في يناير 1994.
--------------------
واذا كان الناقل البحري يحق له التمسك بمبدا تحديد المسؤولية، في حالتي هلاك البضاعة او  عوارها،  بسبب عدم تضمين قيمتها في سند الشحن، فهل يحق له التمسك بالمبدا المذكور، في حالة التاخير في تسليم البضاعة ؟
لقد اثار هذا التساؤل جدلا بين الفقه والقضاء الفرنسيين، ففي قرار صادر عن استئنافية باريس بتاريخ 4/12/1987 (1) بخصوص نازلة التزم فيها وكيل الناقل، بنقل بضائع لمؤسستي بوجو ورونو الى ميناء دمشق، قصد عرضها بالمعرض الدولي لهذه المدينة، الا ان الباخرة تاخرت في الوصول، مما حال دون عرض البضاعة، حيث اكدت استئنافية باريس، مسؤولية الناقل البحري، عن الاضرار اللاحقة بالتامين، من جراء التاخير المذكور، ومع ذلك ضمنت للناقل، حق الاستفادة من مبدا تحديد المسؤولية لعدم ارتكابه خطا جسيما.

وقد انتقد جانب من الفقه الفرنسي (2) اتجاه القضاء هذا، على اعتبار ان مبدا تحديد المسؤولية، لا يهم سوى الاضرار المادية اللاحقة بالبضاعة، او الناتجة عن عدم تسليمها، وان اتفاقية بروكسيل لسنة 1924 لا تشمل الاضرار الاقتصادية، الناجمة عن التاخير في التسليم. وبذلك فان التعويض عن التاخير في التسليم ينبغي ان يخضع للقواعد العامة للمسؤولية.
اما بالنسبة للتشريع المغربي، فان المشرع وان اشار الى الحق في التعويض عن التاخير في الفصل 217 ق ت ب فانه لم يحدد مقدار هذا التعويض. لذلك يبقى التساؤل قائما، حول امكانية تمسك الناقل البحري، بمبدا تحديد المسؤولية في حالة التاخير في تسليم البضاعة، وعدم تضمين قيمتها في سند الشحن.

واذا كانت مقتضيات الفصل 266 ق تجاري بحري قد توحي بذلك، نظرا  لعمومية النص، وعدم اقتصاره على حالتي الهلاك والعوار دون التاخير، فاننا نرى عكس ذلك لكون مبدا تحديد المسؤولية لا يستفيد منه الناقل البحري، الا اذا تعلق الامر بخسارة، او ضياع في البضاعة المنقولة، في حين ان التاخير في التسليم،  يهم الضرر الحاصل للشاحن، من المرسل اليه في نشاطه التجاري، وبالتالي يمكن تعويض هذا الضرر وفقا للقواعد العامة للمسؤولية،
---------------------
1- قرار استئنافية باريس 4/12/87 منشور DMF العدد 483 مارس 1989 .
2- الفقيه ACHARD في تعليقه DMF العدد 461 مارس 1989.
---------------------
والتي تقضي بمساءلة المدين عند التاخير في تنفيذ التزاماته طبقا للفصل 263 ق أ ع، مع مراعاة ما لحق المتضرر من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب عملا بالفصل 264 ق أ ع .

هذا بخلاف الوضع بالنسبة لاتفاقية هامبورغ، فقد حددت مسؤولية الناقل، في حالة التاخير في تسليم البضاعة، في مبلغ يعادل مثلي ونصف اجرة النقل المستحقة الدفع، عن البضائع المتاخرة، على الا يتجاوز هذا المبلغ، مجموع اجرة النقل المستحقة الدفع بموجب عقد النقل البحري للبضائع (1) .

ثالثا - الاستثناءات الواردة على مبدا تحديد المسؤولية :
1) تضمين سند الشحن قيمة البضاعة 
ذلك ان الفصل 266 ق ن ب بعد نصه على كون الناقل لا يلزم بمبلغ 1000 درهم للطرد الواحد، اضاف على انه اذ عينت القيمة في تذكرة الشحن، فان المسؤولية تحدد بالقيمة المصرح بها، وبالتالي يلزم الناقل بتعويض الضرر كاملا.
ويلاحظ عمليا ان اغلب سندات الشحن، لا تتضمن قيمة البضاعة، ويرجع السبب في ذلك، الى ان الشاحن، يكون ملزما بتسديد رسم اضافي، يسمى الرسم بحسب القيمة Taxe Ad عند التصريح بقيمة البضاعة في سند الشحن، الى جانب اجرة النقل. وبذلك يتهرب من اداء الرسم المذكور، ويكتفي بالاشارة الى وثيقة الشحن، الى البضاعة موضوع عقد النقل، من حيث الوزن والكمية والعدد فقط .

ولكن ما الحكم اذا اقتصر الشاحن على بيان مراجع فاتورة الشراء في وثيقة الشحن، دون بيان وتحديد قيمة البضاعة، فهل يحرم الناقل في مثل هذه الحالة، من التمسك بمبدا تحديد المسؤولية، واعتبار ذلك بمثابة التصريح بقيمة البضاعة ؟
لقد ذهبت استئنافية البيضاء في بعض قراراتها(2)، الى انه اذا تضمنت وثيقة الشحن مراجع فاتورة شراء البضاعة، فان ذلك يعتبر موازيا، للتصريح بقيمة البضاعة، وبالتالي لا يستفيد الناقل البحري من مبدا تحديد المسؤولية، بحجة ان هذا الاخير، كان على علم بقيمة البضاعة من خلال فاتورة الشراء .
------------------
(1) المادة السادسة الفقرة الاولى من اتفاقية هامبورغ لسنة 1978.
(2) قرار استئنافية البيضاء بتاريخ 18/4/1989 رقم 874 في الملف عدد 2187/86 غير منشور .
-----------------
اما المجلس الاعلى،  فقد جاءت قراراته متضاربة في هذا الصدد، فالبعض منها (1) يزكي اتجاه استئنافية البيضاء، ويذهب الى ان تضمين سند الشحن، بيانات عن نوعية البضاعة، ومراجع فاتورة الشراء، يشكل في حد ذاته تصريحا بقيمة البضاعة، في حين ان قرارات اخرى سارت على عكس ذلك(2) واكدت على ان مقتضيات الفصل 266 ق ت ب لا تشعر بوجود بديل اخر، يقوم مقام تعيين القيمة في وثيقة الشحن، حتى يمكن القول بان الاشارة الى مستندات اخرى،  قد تغني عن تعيين القيمة .

وفي نظرنا يعتبر الاتجاه الثاني مصادفا للصواب، وذلك للاعتبارات التالية :
1- ان مقتضيات الفصل 266 ق ت ب تعد من النظام العام. وانه نص على مبدا تحديد المسؤولية في حالة واحدة، هي حالة عدم التصريح بقيمة البضاعة في سند الشحن، ولم يشر الى غيرها من الحالات. وما دام الفصل المذكور من النظام العام، فانه لا يجوز التوسع في تفسيره او تاويله .
2- ان مقتضيات الفصل 266 ق ت ب، ستصبح غير ذات موضوع، مادام الشاحن، سيتهرب من تسديد الرسم الاضافي، وسيكتفي بالاشارة الى مراجع فاتورة الشراء في وثيقة الشحن.
3- ان فاتورة الشراء لا تهم سوى طرفيها، وهما البائع والمشتري، وان الناقل البحري، يعتبر طرفا اجنبيا عنهما، وكذا عن فاتورة الشراء، وبالتالي لا يمكن مواجهته بها. وهو ما اكدته استئنافية البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 14/3/1989 (3) .

2) الغش والخطا الجسيم الصادر عن الناقل او احد تابعيه.
ذهب جانب من الفقه(4) والقضاء (5) في هذا الصدد، الى التمييز بين الغش الصادر عن الناقل والغش المنسوب الى تابعيه، ذلك ان الناقل يسقط حقه في التمسك بمبدا تحديد المسؤولية، اذا كان الغش منسوبا اليه، في حين يكون له الحق في التمسك بالمبدا المذكور، اذا كان الغش صادرا عن تابعيه.
-----------------------
1) قرار المجلس الاعلى بتاريخ 18/2/1987، رقم 414 في الملف عدد 1485/84 غير منشور.
2) قرار المجلس الاعلى بتاريخ 20/9/1989 رقم 1900 في الملف عدد 4668/86 غير منشور.
3) قرار استئنافية البيضاء 3141/83 رقم 590 في الملف عدد 1823/86 غير منشور.
4) ذ. علي حسني يونس - العقود البحرية - صفحة 118.
5) محكمة النقض المصرية 11/2/1960 رقمه 124 مشار اليه في قضاء النقض البحري احمد حسني.
--------------------
غير ان هذا الاتجاه يعتبر منتقدا، بسبب مخالفته للمبادئ القانونية، التي تقضي بمساءلة التابع عن عمل المتبوع، ولان الغش عادة ما يقع من تابعي الناقل، ولا يتصور وقوعه شخصيا منه، الامر الذي يترتب عليه، حرمان الشاحن او المرسل اليه، من الحصول على التعويض الكامل، ما دام الغش صادرا عن تابعي الناقل.

وقد ثار خلاف حول ما اذا كان يلحق بالغش، الخطا الجسيم الصادر عن الناقل او احد تابعيه، غير ان هذا الخلاف لم يعد له اساس، بالنسبة للقانون الفرنسي، بعد تدخل المشرع ووضعه لقانون 23/12/1982 في الفصل 26 منه. وقد ساير القضاء الفرنسي (1) هذا المنحى، فنص على ان الشحن على ظهر السفينة، دون اذن الشاحن وموافقته، يعتبر خطا لا يغتفر من قبل الناقل، وبالتالي لا يمكنه التمسك بمبدا تحديد المسؤولية بسبب هلاك البضاعة وضياعها نتيجة مخاطر البحر، اما بالنسبة للقانون المغربي، فلا يوجد به نص مماثل للقانون الفرنسي، الا ان الاجتهاد القضائي، يعتد بفكرة الخطاء الجسيم، ويمنع على الناقل البحري، التمسك بمبدا تحديد المسؤولية، ففي قرار صادر عن استئنافية البيضاء بتاريخ 26/4/1989 تضمن الحيثية التالية :
" حيث يتمسك المستانف بالفصل 266 ق ت ب وان الامر يتعلق بعملية السرقة وهي من الاخطاء التدليسية،  وحيث ان الخطا الجسيم يوجب على الربان اداء التعويضات المستحقة، دونما اعتداد بمقتضيات الفصل 266 ق ت ب والذي لا يمكن تطبيقه، الا في حالة وفاء الناقل البحري بجميع الشروط القانونية والتعاقدية للنقل، وهذا ما استقر عليه اجتهاد هذه المحكمة (2) .

وقذ زكى المجلس الاعلى قرار استئنافية البيضاء هذا، في قراره الصادر بتاريخ 27/6/1990، ضمن الحيثية التالية، لكن حيث ان القرار المطعون فيه ابعد وعن صواب تطبيق مقتضيات الفصل 266 ق ت ب على النازلة، باعتبار ان الضرر ناتج عن سرقة وهي خطا جسيم - كما يقول القرار، من الناقل يتحمل تبعته الكاملة، مما يكون معه الفرع من الوسيلة على غير اساس(3) هذا وقد اكدت اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1978 هذه الاستثناءات في المادة الثامنة منها. فنصت على انه لا يحق للناقل الاستفادة من تحديد المسؤولية، المنصوص عليه في المادة السادسة، اذا ثبت ان الهلاك او التلف او التاخر في التسليم، ناتج عن غش الناقل او تابعيه، او ناتج عن خطا لا يغتفر، او عن خطا مهني جسيم، صادر عن تابعي الناقل او وكلائه.
----------------------
(1) محكمة باريس بتاريخ 15/12/1986 منشور DMF العدد 470 مارس 1988 صفحة 152.
(2) قرار استئنافية البيضاء 26/4/1988 رقم 912 ملف عدد 884/87 غير منشور.
(3) قرار المجلس الاعلى بتاريخ 27/6/90 رقم 1448 في الملف عدد 568/83 غير منشور.
----------------------
بقيت الشارة في خاتمة هذا العرض، الى ان المغرب قد صادق على اتفاقية الامم المتحدة لنقل البضائع بطريق البحر لسنة 1978، والتي تعرف كذلك بقواعد هامبورغ، وانها دخلت حيز التنفيذ والتطبيق اعتبارا من شهر نونبر1992، بعدما اتمت النصاب القانوني لتطبيقها. مما يبقى معه التساؤل قائما، حول امكانية تمسك الشاحن او المرسل اليه، بتطبيق الاتفاقية والتي تنص على حدود للمسؤولية، تفوق بكثير ما هو منصوص عليه في الفصل 266 ق ت ب، ما دامت تحمي مصالحه وحقوقه امام القضاء المغربي" .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 74، ص 58 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية