-->

حماية المقاولة كفضاء اجتماعي واقتصادي من خلال قانون صعوبات المقاولة


                                              ذ. محمد اخياط
                                                                                                                                                               استاذ التعليم العالي بوجدة
تمهيد :
لا يخفى على احد مدى الاهمية التي اصبحت توليها معظم الدول لمقاولاتها، سواء من حيث حمايتها والنهوض بها وبالتالي تمكينها بمقومات النجاعة  كي تتلاءم اوضاعها مع التحولات التي يعرفها المحيط الوطني والجهوي والعالمي اقتصاديا واجتماعيا .

واحساسا بتلك الاهمية وبالدور  الذي تلعبه المقاولات في ارساء الاسس المتينة للبناء الاقتصادي، وترسيخ الدعائم الحقيقية للاستقرار الاجتماعي، تدخل المشرع عن طريق سنه لمجموعة  من  القوانين  بهدف  تشجيع  خلق  وانشاء  المقاولات، وكذا محاولة الحفاظ عليها من خلال ضمان استمرار مزاولة نشاطها، وفي اطار تحقيق هذا الهدف الاخير ووعيا من المشرع بسلبيات نظام الافلاس الذي كان يؤدي في اغلب الاحيان الى اقصاء العديد من المقاولات من المحيط الاقتصادي، مما اثر سلبا في التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ومسايرة  لتجربة  نظيره  الفرنسي، او نتيجة ثاثره بهذا الاخير (1)، تم استبدال نظام الافلاس بنظام الوقاية والحماية وبعبارة ادق، بنظام المحافظة على بقاء المقاولة لما في ذلك من ايجابيات اقتصادية واجتماعية خصوصا منها توفير انتاج جيد وباقل تكلفة ومناصب شغل او على الاقل الحفاظ عليها تفاديا لظاهرة الاعفاء الجماعي الذي مس هذا المجال الحيوي (2)، وبصفة عامة استهدف المشرع
--------------------------
1- انظر القانون الفرنسي المتعلق بالتسوية الودية الصادر بتاريخ 1/3/84، والقانون المتعلق بمعالجة الصعوبات الصادر بتاريخ 25/1/85 .
2- تشير احصائيات حديثة لوزارة الشغل والشؤون الاجتماعية الى 20933 شكاية من اصل 73959 تم تقديمها الى مصالح مفتشيات الشغل، وذلك خلال سنة 1998     - مشار اليه  في مقال عبد الكريم كريش صعوبة المقاولة مرامي اجتماعية وقواعد ناقصة الحدث القانوني عدد 20 نوفمبر 1999 ص 7 الهامش رقم 21 .
-------------------------
استئصال كل ما من شانه ان يعرقل  العمل  العادي  للمقاولة  كخلية  اقتصادية  لانتاج  السلع  والخدمات واداة للاستقرار الاجتماعي(1) واذا كان الاطار التشريعي اعتبر مطلبا اساسيا لتحقيق الهدف المشار اليه، الا ان النهوض بالمقاولة وجعلها قادرة فعلا على المنافسة يقتضي الى جانب الاصلاح التشريعي الذي عرفته بلادنا تغيير عقلية اطراف العلاقة في المقاومة(2) واخص بالذكر هنا، الاجير ورب العمل خصوصا وان مصيرها اليوم اصبح واحدا مما يقتضي توحيد جهودها لاجل الابقاء على المقاولة، كما يتعين اضافة الى ذلك العمل على ترشيد المستهلك وحثه للمساهمة في حماية المقاولة الوطنية عن طريق تفضيل المنتوج الوطني على المنتوج الاجنبي لرفع تحدي المنافسة .

وفي هذا الاطار يبدو ان الدولة في الاونة الاخيرة تعمل على اسعاف ومساعدة المقاولات ذات الاثر البالغ خصوصا في المجال الاقتصادي والاجتماعي، فليس كل المقاولات محلا للحماية والانقاذ،  بالرغم من سلبية هذا التوجه، الذي تفرضه قلة الامكانيات، انما الدولة تساعد وفي حدود الامكانيات فقط المقاولات الاكثر ديناميكية، تلك التي لها قدرات اكثر وحظوظ تمكنها من مواجهة لعبة المنافسة، بينما تترك تلك التي لا تستطيع مقاومة قانون السوق لتختفي وتقصى من المحيط الاقتصادي، ذلك ان الدولة لا يمكن ان تستسلم لاختفاء المقاولات التي يعد انتاجها ضروريا للمجتمع او التي تساهم في خلق فرص شغل في مناطق متضررة اقتصاديا.

وتفويت الدولة للعديد من المقاولات والمؤسسات الاقتصادية التي كانت تملكها الى القطاع الخاص، وكذا تحديث القوانين اللازمة لانقاذ تلك المقاولات قصد من ورائه، حماية المصالح الاجتماعية ( الفقرة الاولى ) وذلك من خلال توفير ضمانات وخلق حوافز جديدة يتسنى للدولة من خلالها فعلا القيام بدورها في المراقبة والاشراف على الفضاء الاقتصادي والاجتماعي ( الفقرة الثانية ) .
-------------------
1- JEANTIN Michel Droit commercial. Instruments de paiement. Entreprises en difficulté. Dalloz . paris 1995. 4éme Edition page 345 N° 556 .
2) انظر منير الشرايبي - التكوين نقطة لقاء بين الحوار الاجتماعي وتنافسية المقاولة - موضوع في ندوة نظمها المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي - تحت عنوان الحوار الاجتماعي : التنمية والديمقراطية - الرباط 18 - 19 ابريل 1996   297 وما بعدها .
--------------
الفقرة الاولى : الهدف من حماية المقاولة
بمقتضى القانون رقم 95 - 15 الذي صدر في 3 اكتوبر 1996 خصوصا الكتاب الخامس من مدونة التجارة (المواد 445 - 732) (1) تم التخلي تماما عن نظام الافلاس الذي ساد في المغرب ما يقارب 84 سنة، وهي مدة لاشك انها طويلة ومؤثرة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ليحل محله نظام صعوبات المقاولة، الذي يهدف الى تحقيق وضمان استمرارية المقاولة المتعثرة متى توفرت شروط انقاذها،  وذلك على اساس ان انتشالها من الصعوبات التي تعترض مسيرتها هو بمثابة حماية للمصالح الاجتماعية والاقتصادية (2) .

ونعتقد جازمين بان اهم الاسباب التي دفعت بالدولة الى تجديد وتحديث التشريعات ذات الصلة بطموحات المجتمع وخصوصا التي تهم مجال الاعمال والمقاولات ليس كما يشير الى ذلك البعض، من عولمة الاقتصاد، ولا حتى نصائح الصندوق الدولي او النبك الدولي وغيره، وانما جاءت وستاتي تشريعات اخرى في القريب العاجل ( قانون المنافسة وحماية المستهلك مدونة الشغل …) استجابة لطموحات المجتمع، وبعبارة واضحة ما اجمعت على المطالبة به اغلب الفعاليات المكونة للمجتمع بضرورة تغيير القوانين وخصوصا المرتبطة منها بمجال العمل والمقاولات، نظرا لعجزها عن مواكبة التحولات التي عرفها المغرب اخيرا اجتماعيا واقتصاديا، وبناء عليه تمت الاستجابة منذ اواخر الثمانينات لتلك المطالب شيئا فيشئا، بحيث مس التغيير بداية، النظام الجبائي، والقواعد المحاسبية( 3)، فنظام القواعد التي تحكم السوق المالي، ثم بعدها قوانين تخص بورصة القيم، فمؤسسات الائتمان(4) والقيم المنقولة، واخيرا تم تتويج ذلك التغيير سنة 1996 بميلاد مدونة التجارة وقانون شركات المساهمة وقانون انشاء المحاكم التجارية فقوانين مختلف الشركات، وغيرها مما ينتظر ان يستفيد من موجة التغيير .
------------------
1- القانون رقم 95/15 المتعلق بمدونة التجارة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 83/96/1 بتاريخ 15 ربيع الاول 1417 فاتح غشت 1996، انظر الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 3 اكتوبر 1996 .
2- انظر في هذا الصدد الاستاذ احمد شكري الشباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاومة ومساطر معالجتها - الجزء الاول - دار نشر المعرفة الرباط 1998 ص 246 وما بعدها .
3- القانون رقم 88-9 بتاريخ 30 ديسمبر 1992 وقانون رقم 89-15 بتاريخ 8 يناير 1993 .
4- الظهير الشريف رقم 147-93-1 الصادر في 6 يوليوز 1993 .
------------------
ويهمنا في هذا الصدد ان نشير الى ما جاء في الكتاب الخامس من مدونة التجارة باعتباره يجسد انشغال الدولة المغربية الحديثة بهاجس توفير الشغل، والتخفيض من نسبة البطالة، وتحسين الانتاج، وتوفير السلعة او البضاعة المقبولة من لدن المستهلك جودة وتكلفة، وما يستتبعه ذلك من رفع مستوى الدخل الفردي، وغيرها من الانشغالات التي استدعت اساسا العمل على المحافظة وضمان استمرارية المقاولة لنشاطها، وذلك بتاهيلها وتحديثها وان اقتضى الامر مساعدتها، وانقاذها او التدخل لاجل علاجها ما لم يقتضي الامر تصفيتها قضائيا .

ومن منطلق ضمان وحماية الصالح العام، تم اذن وضع قانون حماية المقاولة بدلا من اقصائها من التنمية الاقتصادية، باعتبار ان انقاذ المقاولة هو بمثابة ضمان استمرارية نشاط المعاملات التي هي بلا شك من مصلحة الدائنين (1) وهو ما يبدو واضحا من خلال ما تضمنته المدونة التجارية (الكتاب الخامس) من عبارات تفيد ذلك كعبارة الوقاية - الانقاذ - المصالحة - التوافق - العلاج - التسوية الودية - التفويت ..

فالدولة ومن خلال اقرارها لنظام الوقاية او الانقاذ للمقاولة من الصعوبات التي تعرقل مسيرتها، يبدو انها عازمة على النهوض بها، وتمكينها من مقاومات النجاعة، حتى تصير اوضاعها ملائمة مع ما حدث من تحولات في المحيط الوطني او العالمي، على اساس ان الدولة وضعت كل امالها لتحقيق قفزة نوعية في مجال تحقيق الاغراض الاجتماعية، واكتساح السوق داخليا وخارجيا رغم صعوبة هذه الاخيرة،  في ظل المنافسة القوية، وهو ما يتطلب بالاساس التاكد من مدى سلامة المقاولة المغربية اقتصاديا، ومحاولة بذل كافة السبل لاجل مساعدة المقاولة المتعثرة حتى تتجاوز وتتغلب على الصعوبات التي تعترضها، باعتبار ذلك مسؤولية وكذا  جميع الافراد المكونين للمجتمع (2) .

وفي هذا الصدد يتعين على الدولة ان تتحمل المسؤولية انطلاقا من مبدا الاشراف والمراقبة وذلك من خلال توظيف المؤسسات والمساطر التي تضمنها الكتاب
--------------------
1- انظر مشماشي فتيحة - مدى نجاعة الوسائل القضائية في تقويم صعوبات المقاولة منشور بسلسلة الندوات رقم 2 كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - السويسي ص 295 .
2- وعلى سبيل المثال، تمت صياغة تصريح مشترك بين الحكومة وارباب العمل بتاريخ 1/8/1996 استهدف تنفيذ بعض الالتزامات المتبادلة لفائدة المقاولة المغربية .
--------------------
الخامس من مدونة التجارة لاجل انجاز مخطط متكامل يتعلق جانب منه بانقاذ المقاولة التي تمر بصعوبات مالية واجتماعية عسى ان تستعيد توازنها وتعود الى سالف نشاطها وذلك نظرا لكون الدولة في حاجة الى كافة مقاولاتها الاقتصادية سليمة وقوية، فالارضية الوطنية الصلبة شرط اساسي لمواجهة المنافسة العالمية، والمقاولة القوية هي وحدها القادرة على الاستجابة لمتطلبات افراد المجتمع سواء تعلق الامر بالعمل او الانتاج او الاستهلاك او غيره .

في هذا السياق ايضا يقتضي الامر ضرورة العمل على تغيير عقلية وتفكير كل من العامل ورب العمل، فكلاهما اليوم مجبر على خدمة المقاولة، والنهوض بها حتى تستطيع المشاركة في المنافسة، وبالتالي الحضور في السوق الوطني و الدولي، ومن خلال ذلك نضمن استقرار مناصب الشغل وبل وخلقها، وكذا تحقيق الاهداف المتوخاة لرب العمل باداء المؤسسة لوظيفتها كاملة، ولن يتاتى ذلك الا اذا تجنب رب العمل، المساس بمصالح العمال واستغلالهم، ويعمل على تحسين اليات الانتاج حتى يتم هذا الاخير باقل تكلفة بدلا من التهافت على الربح السريع والسهل على حساب الاجير والمستهلك، وفي ذات الوقت، يتعين على العمال ان تكون مطالبهم في الحدود التي تسمح بها ظروف المقاولة،  وامكانياتها،  وذلك لضمان استمرارية نشاطها وعدم تعثرها لاجل تحقيق الاهداف الاجتماعية والاقتصادية المنوطة بها (1) .

فانقاذ المقاولة وحمايتها هو من قبيل حماية عنصر الشغل الذي هو الية المقاولة، وفي ذات الوقت هاجس الدولة لتحقيق رغبات الفئات الاجتماعية وذلك على اثر التحولات التي عرفها العالم في هذا المجال، مما جعل المشرع يضع اجراءات مسطرية لتفادي التسيير العشوائي واللا مسؤول من لدن جهاز يجب اقصاؤه وتجاوزه متى ثبت تورطه وتلاعبه في مصير المقاولة، وذلك على اساس ان هذه اخيرة تشكل كما اشرنا اداة رئيسية لتحريك عمليات الانتاج والتشغيل وامكانية توفير مناصب جديدة للشغل وبالتالي تحقيق المنافسة المشروعة التي يستفيد منها غالبية افراد المجتمع .
------------------
1- انظر عبد الرحيم كريش - صعوبة المقاولة مرامي اجتماعية وقواعد ناقصة - الحدث القانوني عدد 20 نوفمبر 1999 . ص 4 .
-------------------

الفقرة الثانية : ضمانات حماية وانقاذ المقاولة .
تسعى الدول خصوصا تلك التي تبنت نظام مسطرة الوقاية والمعالجة الى محاولة ايجاد سبل لانقاذ المقاولة عن طريق سلوك اسلوب التعاون والمساعدة من خلال تقصي الوقائع من طرف لجن او هيئات ادارية ومالية تتولى توفير ظروف مالية تسمح بانقاذ المقاولة لاجل حماية مناصب الشغل وتوفير الانتاج والخدمات وبالتالي ضمان استمرارية مباشرة المقاولة لنشاطها .

وفي هذا السياق وعلى سبيل المثال تم احداث في فرنسا لجن او هيئات لمساعدة تخطي المقاولات للصعوبات التي تعترضها، فعلى المستوى المحلي تم انشاء اللجنة المحلية لبحث المشاكل المالية للمقاولة ( C.O.D.E.F.I) (1) وعلى المستوى الجهوي انشاء لجنة جهوية لاعادة البناء الصناعي (C.O.R.R.I ) (2) وعلى المستوى الوطني تم انشاء اللجنة الوزارية لاعادة البناء الاقتصادي (C.I.R.I)(3) وتدخل هذه اللجن، يتوقف على مدى حجم المقاولة ومدى خطورة الصعوبات التي تعاني منها، وتتكون  تلك اللجن من موظفين يمثلون الخزينة، والضمان الاجتماعي وعادة ما تقترح هذه اللجن الحلول اللازمة لاصلاح الخلل وذلك اما باعطاء مهلة للمقاول قصد تسديد الديون او تمنح القروض لرئيس المقاولة بفوائد منخفضة (4) .

ويمكن ان يعد ما تلجا اليه بعض الدول لمساعدة مقاولاتها المتعثرة، من صور التضامن والتكافل الذي هو من سمات المجتمع المغربي وفي ذات الوقت فان وقاية المقاولة مسؤولية الجميع متى تطلب الامر ذلك، طالما كانت الاسباب وراء تعثر المقاولة مؤقتة او راجعة لظروف موضوعية وليست ناجمة عن اهمال او اخطاء عمدية، فان الدولة ومعها مختلف الفئات المكونة للمجتمع والفاعلين الاقتصاديين يتعين عليهم المساهمة في تقديم المساعدة لاجل انقاذ المقاولة المغربية بدلا من تركها تتعرض للتصفية القضائية، والاغلاق والانقراض مما يؤثر سلبا على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للدولة والمجتمع معا .
---------------------
1-C.O.D.E.F.I : le comité département d'examen des problémes de financement des entreprises. 2-C.O.R.R.I :  le comité régional de restruction  industrielle
3- C.I.R.I  le comité enterministiel de restruction industrielle.
Yves. Gyon. Droit des affaires. Tome 2 Entreprises en difficultés redressement judiciaire. Faillite édition 1069 p. 74 . 6é
انظر :                                          D. Tardieu. Naudet. Les CODEFIJ.C. p 1978 ed C.I .II. 12823
-------------------

كما يقال الوقاية خير من العلاج، لذلك لاباس من انشاء هيئة او صندوق على مستوى الجهات تساهم فيه الدولة والفعاليات الاقتصادية للجهة وغرف التجارة والصناعة والمجالس وغيرها من الهيئات ذات النفع الاقتصادي، تشرف عليها لجنة ذات خبرة للمساهمة الفعلية بعد تقصي ودراسة اوضاع وملفات المقاولة المتعثرة لاجل اختيار طريقة المساعدة والتغلب على الصعوبات خصوصا المالية. وبذلك نكون قد وفرنا احدى الضمانات الاساسية لبقاء مقاولاتنا، وتشجيع رؤوس الاموال للاستتمرار وخلق المنافسة الجدية (1) .

والى جانب ما سبق فان الدولة قد عززت حماية مكاسب المجتمع وذلك من خلال سنها لمجموعة من الاحكام المحددة لاجهزة تنفيذ الاجراءات المسطرية الخاصة بالوقاية والمعالجة للمقاولة المتعثرة .
فالقضاء حسب مقتضيات الكتاب الخامس من المدونة التجارية الخاص بالوقاية من صعوبات المقاولة يعتبر جهازا اساسيا يتولى متابعة المراحل الاولى لظهور الازمة التي قد تعصف بالمقاولة مما يقتضي تدخله لتشخيص الداء ومحاولة التعرف على حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي على اثر استماعه لرئيس المقاولة ومراقب الحسابات والهيئات العمومية وممثلي العمال وذوي الخبرة والمعرفة في مجال المال والابناك وغيرهم ممن يهمهم الامر،  مع الاخذ بعين الاعتبار وضعية التشغيل، وحماية مصالح الدائنين، وتنفيذ العقود، ومدى اهمية وضرورة مواصلة استمرار نشاط المقاولة (2) .

ومتى تقرر مصير المقاولة بتحديد المسطرة الواجب تطبيقها :
اهي مسطرة التسوية القضائية، وما يترتب على ذلك من امكانية توفير الظروف اللازمة لاستمرار نشاط المقاولة واستغلالها، او تفويتها او ان اقتضى الامر
----------------------
1- انظر مشماشي فتحية - مدى نجاعة الوسائل القضائية في تقويم صعوبة المقاولة - اليوم الدراسي مستجدات مدونة التجارة وتاثيراتها على المقاولة المغربية لسلسلة الندوات رقم 2 ص 296.
2- انظر مداخلة الاستاذ محمد الادريسي العلمي مشيشي - القضاةء والتنمية - اشغال الندوة التي نضمها المجلس الاعلى تحت عنوان - عمل المجلس الاعلى  والتحولات الاقتصادية والاجتماعية بمناسبة مرور 40 سنة لتاسيس المجلس الاعلى ايام 18 - 20 دجنبر 1997 مطبعة الامنية - الرباط ص 508 وما بعدها .
----------------------
تغيير جهاز التسيير او راس المال او النظام الاساسي للشركة او غيره من التعديلات والاصلاحيات المطلوبة .
اما مسطرة التصفية القضائية وما يترتب عليها من انهاء المقاولة اقتصاديا واجتماعيا، مع ان الدولة تحرص من خلال قانون صعوبات المقاولة على ضمان تنفيذ المقاولة لالتزاماتها استجابة لمسايرة التطور الاقتصادي الذي يستدعي المحافظة على مناصب الشغل وحماية المصالح الاقتصادية .

وتحقيقا لذلك عملت الدولة على تمكين الجهاز القضائي باليات انقاذ المقاولات المتعثرة وبالتالي اتخاذ قرارات فعالة متى استدعت الضرورة ذلك، فعلى سبيل المثال :
1- قرار تغيير جهاز التسيير، والرفع من مبلغ راس مال المقاولة .
2- قرار تعليق اعتماد مخطط تسوية المقاولة، او الحكم بعدم القابلية للتفويت .
3- قرار تغيير النظام الاساسي للشركة متى تطلبت المقاولة ذلك
4- قرار تحمل المسيرين للنقص الحاصل في باب الاصول على وجه التضامن متى كان النقص راجع الى خطا في التسيير .
وغيرها من القرارات التي قد تستدعيها وضعية المقاولة المتعثرة فيلجا القضاء الى اصدارها بناء على معطيات توفرها له الاجهزة  الاخرى التي تعمل الى جانبه .
وفي نفس الصدد، ويهدف تحقيق عدالة ومساواة وتوازن بين مختلف الفئات الاجتماعية واقتصاديا واجتماعيا، تساهم النيابة العامة الى جانب القضاء لحماية حقوق الافراد داخل المجتمع من خلال طلبها فتح مسطرة معالجة الصعوبات التي تعترض المقاولة ( المادة 563 من المدونة التجارية) ضد كل رئيس مقاولة توقف عن اداء التزاماته، وبالمقابل طلب استمرارية نشاطها في مرحلة التصفية القضائية متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، كما تسهم النيابة العامة على متابعة، واتخاذ الاجراءات المسطرية بشكل سليم، خصوصا في مرحلتي البحث عن الحلول الضرورية لاستمرارية نشاط المقاولة او عند تفويتها او تصفيتها قضائيا، هذا بالاضافة الى احقية النيابة العامة في البحث والاطلاع على مختلف المعلومات ذات الصلة بالمقاولة المتعثرة .

كما يساهم المنتدب بدور هام واساسي في تطبيق احكام مسطرة المعالجة مستندا في ذلك الى المعطيات والوقائع التي تثبت وتؤكد حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي (1) والاجتماعي للمقاولة المتعثرة وبناء على ذلك يتولى توضيح الوضعية للقضاء وتمكينه لاتخاذ قرار يتجاوب مع حالة واهمية المقاولة .

ويساهم السنديك من خلال ما يتمتع به من صلاحيات في هندسة مسطرة المعالجة وترجتمها الى الواقع(2)، مما يستدعي توفر كفاءة عالية وخبرة في مجال الاقتصاد والقانون، لاجل تسيير اجراءات التسوية والتصفية القضائية متى فشل مخطط الاستمرارية اوالتفويت، وايضا لفهم القواعد التقنية المحاسبية لتقويم وضعية المقاولة، بشكل افضل ووضع تقرير للموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، وغيرها من الصلاحيات التي تخول له احيانا توقيف نشاط المقاولة او النطق بالتصفية، وتنفيذ العقود ورفع الدعاوي لحماية اصول المقاولة، وحقوق الدائنين وغيرها من الصلاحيات التي تهدف الى المساهمة فعلا في انقاذ ومعالجة المقاولة لحماية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع (3) .

ويساهم الى جانب الاجهزة السابقة مراقب الحسابات في انقاذ المقاولة المتعثرة عن طريق تحريك مسطرة الوقاية الداخلية اثر اكتشافه الاخلالات من شانها ان تؤثر على السير العادي لنشاط المقاولة التي يشرف على مراجعة وتسيير محاسبتها والمحافظة على اسرارها مما يتطلب مستوى من التكوين والاخلاق، ولا يخفى مدى اهمية مرحلة تحريك مسطرة الوقاية، متى تم استغلالها بعناية (4) وتبصر من تحقيق حماية ووقاية اكيدة من الوقوع تحت وطاة التسوية او التصفية .

ولا يخفى اخيرا مدى الاثار الايجابية التي تعود على الدائنين متى تحققت عملية انقاذ المقاولة من الصعوبات التي تعترضها سواء تمت جدولة ديونها او حدثت
--------------------
1- انظر ابراهيم بهماني - الوقاية الخارجية وسلطة رئيس المحكمة - مجلة المحامون - اسفي العدد 6 - 1996 ص 226 وما بعدها .
2- انظر مشماشي فتيحة المرجع السابق، ص 298 .
3- نفس المرجع ص 300 و وكذلك انظر عبد الكريم كريش، الحدث القانوني عدد 20 - 1999 المقال المشار اليه ص 6 .
انظر ايضا 4) Guyont (y) Droit  des affaires _ Paris Economica 8 éme ed. 1994. P.121                        
------------------
تنازلات من احد الاطراف، وذلك حتى تصير المقاولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها قبل الدائنين(1)، وان كان المشرع قد حاول وضع حد، لما قد يترتب احيانا على توحيد جهودهم (الدائنين)، من عرقلة اجراءات تطبيق مسطرة انقاذ المقاولة(2)، غير ان هذه المرة الدولة خلاف ما كان الامر في نظام الافلاس استهدفت حماية المقاولة ومن خلالها مصالح المجتمع خصوصا ذوي الصلة بالمقاولة كنواة للانتاج والابتكار .

خاتمة
هاجس الدولة الحديثة هو ضمان حماية الطبقة العاملة باعتبارها الركيزة الاساسية لبناء مقاولة قوية ومنتظمة، ذلك ان اي اخلال يؤثر على استمرارية مسيرتها (3) الانتاجية سيكون العمال هم الضحية الاولى، خصوصا وان هؤلاء ( العمال ) يفوق اهتمامهم وتشبثهم بالمقاولة، المالكين لها، وذلك على اساس ان المقاولة تشكل احدى المنجزات التي تهدف اليد العاملة الى ضمان استمراريتها باعتبارها موطن رزقهم وضمان لمستقبلهم ومستقبل ابنائهم لذلك وضعت الدولة اليات تهدف الى حماية وضمان استمرارية ممارسة العمال لعملهم، بل العمل على خلق مناصب جديدة للشغل، وتحقيق الاستقرار لليد العاملة لاجل توفير الانتاج وتطويره وتداوله تجاريا وصناعيا .
والمقاولة كنواة اقتصادية تلتقي فيها مصالح ومستقبل مختلف شرائح المجتمع ( مال - اطر - تقنيين - مسيرين - مستهلكين - مقاولين متعاملين وغيرهم ... )  يتعين دعمها وحمايتها والاهتمام بجوانبها الاجتماعية خصوصا، وعلى العكس فان اي اخلال بتسيير المقاولة يؤدي الى تعثرها يؤثر لا شك في الطبقة العاملة اكثر من
------------------
1- نفس المرجع السابق ص 105. وانظر خصوصا في هذا الصدد عبد الرحيم عباس - الوقاية الداخلية ودور مراقبي الحسابات، مجلة المحامون التي تصدرها هيئة اسفي العدد 6 السنة 1998 ص 187 وما بعدها .
2- تضمنت مدونة التجارة في الكتاب الخامس منها عدة مساطر قانونية كمسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة (المادة 546 - 547 من المدونة) ومسطرة الوقاية الخارجية للمقاولة من الصعوبات والتسوية الودية ( المادة 548  - 559 من المدونة ) واخير مسطرة التسوية القضائية ( المادة 571 - 618 من المدونة ) .
3- انظر في هذا الصدد روني روبلوا : الوسيط في القانون التجاري - طبعة 1986 ص 696، وكذلك :
M. Barthélémy, Mercadel : Droit des affaires - contrat biens de l'entreprise 4éme édition 1995. P .7.11
-----------------
تاثيره في الشريك ذاته ذلك ان هذا الاخير اذا كان سيفقد حصته من الربح في الشركة فان العامل سيفقد مصدر رزقه وعمله ومجهوده ومستقبله، لذلك نؤيد الاتجاه الذي يدعو الى تشريك العمال في ادارة المقاولة، وان ما ورد في المادة 548 و 590 وغيرها من المدونة التجارية من استشارة العمال اثناء تطبيق مسطرة الوقابة الخارجية، او مسطرة المعالجة لا يكفي ولا يعبر عن المكانة التي ينبغي ان يتبواها العمال داخل المقاولات (1).
فمجهودات العمال وتضحياتهم ينبغي ان تلتقي مع القيم التي تهدف الدولة من خلال المسطرة الوقاية والعلاج الى تحقيقها .

- كعدم تاجيل الديون الناجمة عن اداء الاجور والتعويضات للعمال ( المادة 603 من المدونة ) .
- وتفويت المقاولة لاجل استمراريتها حافظا على عنصر التشغيل .
- استشارة ممثلي العمال اثناء تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية (المادة 548) ومسطرة المعالجة (المادة 595) .
الاخذ بعين الاعتبار مدى استقرار عنصر التشغيل اثناء تقديم عروض التفويت (المادة 604 - 605 من المدونة التجارية) وغيرها من الاحكام التي تعبر عن مكانة اليد العاملة كهدف اساسي اثناء وضع نظام صعوبات المقاولة، وفي ذات الوقت بمثابة اعتراف باهتمام وانشغال الدولة فعلا بالجانب الاجتماعي واستقراره .

واخيرا فان وصفنا المقاولة بنواة اقتصادية واجتماعية يقتضي الى حد ما تطوير الحوار بين اطراف المقاولة، لتكوين وخلق ثقافة من شانها ان تساهم في تطوير المقاولة مما سيشجع على تمويلها كي تتمكن من تجاوز صعوباتها لخلق افاق جديدة في انتظار صدور قانون الشغل الذي نامل ان يعزز مكاسب وطموحات المقاولة المغربية خصوصا ما يلائم منها مصالح اطرافها .
-----------------
1- انظر محمد الهراس - الحوار الاجتماعي واثار مرونة العمل على تنافسية المقاولة المتوسطة والصغرى بالمغرب، مناظرة نضمها المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي تحت عنوان الحوار الاجتماعي : التنمية والدمقراطية الرباط في 18 - 19 ابريل 1996 ص 292 وما بعدها .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 129 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :