-->

الرقابة القضائية على قرارات الضبط الاداري


الحسن سيمو
رئيس المحكمة الادارية بمكناس



تمثل الرقابة القضائية على قرارات الضبط الاداري ضمانة هامة واساسية لحماية الحريات العامة للموظفين والزام الادارة بالخضوع لحكم القانون .
واذا  كانت  الادارة  باصدارها  لقرارات  الضبط  الاداري  الى حماية ادارة النظام العام، وذلك بتقنين وتنظيم ممارسة الافراد لحرياتهم اوجه نشاطهم فهي ملزمة بالوقوف عند الحدود المرسومة لها من طرف القانون  ولو  في  حالة  الظروف الاستثنائية اللهم الا اذا صدر قانون في ظل حالة الاستثناء او حالة الطوارئ قيد مؤقتا هذه الحريات حفاظا على المصلحة العليا للوطن .

ونظرا لخطورة سلطة الضبط الاداري وما يمكن ان ينتج عن بعض القرارات  الصادرة  بصددها  من  الحاق افدح الاضرار واوخم العواقب بحريات وحقوق الافراد ومن مس بكرامتهم وحسهم الوطني فان مجلس الدولة الفرنسي - وبعده المصري - وسع  من  مراقبته  القضائية  على  هذا  النوع  من القرارات الادارية، بل وتشدد احيانا على عكس سائر القرارات الادارية الاخرى ضمانا وصيانة لهذه  الحريات  وهذه  الحقوق  حيث اشترط ان لا يلجا الى هذا النزع من القرارات  - خاصة في حالة الظروف الاستثنائية - الا عند قيام الضرورة الملحة من جهة، والتاكد فعلا من الوقائع المؤدية الى تهديدي النظام والامن العامين من جهة ثانية،  وعدم وجود اية وسيلة اخرى لتفادي الوضعية الشاذة من جهة ثالثة .
هذا وتجدر الاشارة الى انه لن نتناول في هذا البحث سوى الرقابة القضائية على قرارات الضبط الاداري العالي دون بقية  القرارات العادية الاخرى والتي سنخصص لها بحول الله بحثا مستقلا في وقت لاحق .

الرقابة القضائية على اجراءات الضبط العليا
Mesures d'haute police))
يمكن القول منذ البداية ان مجلس الدولة الفرنسي اتجه منذ سنة 1959 اتجاها متطورا  بخصوص  تسليط  رقابته على قرارات الضبط الاداري بعد ان كان يكتفي قبل هذا التاريخ بالرقابة فقط على ماديات الوقائع، ففي قضية "Grange" (1) راقب مادية الوقائع وصحتها  ايضا، اي انه تحقق من الوجود المادي لهذه الوقائع ولما ثبت له عدم صحتها حكم بالغاء القرار،  وتتخلص  وقائع  النازلة في ان السيد " Grange" وهو محامي  فرنسي  طعن  في  قرار  تحديد اقامته الجبرية الصادر من طرف السلطات الادارية الفرنسية في الجزائر بان الاستعمار الفرنسي بدعوى انتمائه الى منظمة ثورية سرية تناهض الاستعمار الفرنسي في الجزائر الى ان مجلس الدولة الفرنسي الغى ذلك القرار بعدما تاكد له عدم صحة الوقائع المدعاة من طرف الادارة التي اعتمدت في قرارها على مجرد وشاية عارية من الصحة  .
وفي قضية مشابهة اصدر مجلس الدولة قرارا بالغاء الاقامة الجبرية في حق استاذ تعليم فرنسي بتاريخ 13/7/1965 (2) .

كما ان مجلس الدولة المصري قد حرص منذ السنوات الاولى لانشائه على تكريس نفس القواعد سواء في الظروف العادية او في ظل الظروف الاستثنائية (حالات الطوارئ او اعلان الأحكام العرفية وهكذا اصدرت محكمة القضاء الاداري وهي احدى اقسام مجلس الدولة المصري حكما كرس هذا الاتجاه بتاريخ 30 يونيه 1952 قررت فيه انه : " مما لاشك فيه ان للمحكمة التعقيب على الاسباب التي تقدمت بها الحكومة تبريرا لتحديد مكان الاقامة للمدعي ( وهو وزير سابق وسكرتير عام حزب الوفد المصري) فالحاكم العسكري حتى فيما يمارسه من سلطة تقديرية يخضع لاحكام الدستور والقانون وللمحكمة الرقابة عليه في ذلك : واذا ثبت للمحكمة انه لا توجد اسباب جدية تبرر تصرفات الحاكم العسكري وجب عليها الغاء القرار المطعون فيه" (3) .
_______________
1)    C.E. 30 Janv.1959, Rec. 85 avec conclusion de C.G Chardeau.
2)    C.E 13 juillet 1965, Mage de Lacroix, Rec. P.
3)     للمزيد من التفاصيل انظر مؤلف د. محمد حسنين عبد العال ( الرقابة القضائية على قرارات الضبط الاداري) ، الطبعة الثانية 1991 ص 14 وما بعدها .
- القرار عدد 1026 الصادر بتاريخ 30 يونيه 1952 ص 6 مجموعة السنة السادسة، ص 1381 .
----------------------------
وفي حكم اخر لها بنفس التاريخ : اكدت نفس الاتجاه بقولها : " ان نظام الاحكام العرفية وان كان نظاما استثنائيا الا انه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون وضع الدستور اساسه وبين القانون واصوله واحكامه ورسم حدوده وضوابطه فوجب ان يكون اجراؤه على مقتضى هذه الاصول والاحكام، وفي نطاق هذه الحدود الضوابط والا كان ما يتخذ من التدابير والاجراءات مجاوزا لهذه الحدود او منحرفا عنها عملا مخالفا للقانون تبسط عليه رقابة هذه المحكمة، وكل نظام للحكم ارسى الدستور اساسه ووضع القانون قواعده وهو نظام يخضع بطبيعته مهما يكن نظاما استثنائيا لمبدا سيادة القانون، ومن تم لرقابة القضاء" .

وفي حكم لها بتاريخ : 3 يناير 1956 اكدت نفس المعنى حيث قالت : " ان اجراءات الاعتقال وتحديد الاقامة يجب الا يلجا اليها الا عند الضرورة القصوى التي يستعصي فيها اللجوء الى الاجراءات لما في ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وان يكون ذلك بالقدر الضروري اللازم للمحافظة على الامن، فلا يتجاوز ذلك الا غيره من الاغراض، ذلك لان خطورة الشخص على الامن والنظام كي تكون سببا جديا يبرر مثل هذا الاجراء المقيد للحرية يجب ان تستمد من وقائع حقيقية منتجة في الدلالة على هذا المعنى وان تكون هذه الوقائع افعالا معينة يثبت ارتكاب الشخص لها ومرتبطة ارتباطا مباشرا بما يراد الاستدلال عليه بها ومن ثم فان اثراء المدعي وما اثارته مذكرات المباحث العامة من شكوك في هذا السبيل لا يسوغ استعمال السلطة الاستثنائية في الاعتقال وتحديد الاقامة، اذ ان الاجراءات التي رسمها القانون كفيلة بذلك ولم تمنح هذه السلطة للحاكم العسكري العام لمثل هذه الامور، وبالتالي فان الاسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه لا تستند الى وقائع تكونت من افعال تبتت في حق المدعي تستوجب صدوره، ومن تم يكون قد صدر مخالفا للقانون ومتعين الالغاء .

نستخلص من الحكم الاخير القواعد التالية :
1)    عم اللجوء الى الاجراءات الاستثنائية الا عند الضرورة القصوى وبعد استعصاء اللجوء الى الاجراءات العادية .
2)    ان يكون هذا الاجراء الاستثنائي الضروري بالقدر الضروري اللازم للمحافظة على الامن العام     " اي التناسب بين الوضعية المستحدثة والاجراء المتخذ بمواجهتها" .
3)    وجود سبب او واقعة صحيحة مادية وجدية تبرر الاجراء المذكور .
4)    حرص المحكمة الشديد على حماية الحرية الشخصية من كل ادعاء او مخالفة مبنية فقط على الاحتمال او الشك او على مجرد التخمين والقياس" .

كما كرست المحكمة نفس المبادئ في حكم اخر صدر عنها بتاريخ 18 ابريل 1961 حيث قررت فيه الغاء قرار وزير الداخلية القاضي باعتقال احد الاشخاص بناء على تحريات مقدمة من مباحث واجهزة الامن تفيد خطورته على الامن العام، فطعن في هذا القرار امام محكمة القضاء الاداري التي تصدر لبحث الاسباب التي بني عليها قرار الاعتقال وانتهت الى انها عبارات عامة مرسلة لا تتضمن وقائع محددة تفيد خطورته على الامن، ولذلك الغت قرار الاعتقال بعلة ان كل قرار اداري يجب ان يقوم على سبب يبرر صدوره وهذا السبب يجب ان يكون حقيقيا لا وهميا او صوريا وصحيحا وثابتا" .

كما ان المحكمة تصدت ايضا لنوع اخر من قرارات الضبط الاداري العالي وهي  المتعلقة بابعاد الاجانب او الترخيص لهم بالاقامة حيث مارست رقابتها القضائية فقط على مدى صحة ماديات الوقائع المنسوبة للشخص الاجنبي دون بقية انواع الرقابة الاخرى كالتكييف القانوني للوقائع والتناسب بين الفعل والاجراء المتخذ الى غير ذلك من انواع الرقابة على الملاءمة نظرا لكون الادارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في هذا المجال لارتباطه بالامن العام وسلامة الدولة الداخلية والخارجية، وهكذا الغت قرار الابعاد الصادر عن الادارة بحجة ان اقامة الاجنبي بالبلاد يمس بامنها وسلامتها بعدما تاكد لها ان الوقائع غير صحيحة ماديا ومبنية فقط على مجرد تخمين وعلى استنتاج خاطئ (4) .

وفيما يتعلق بقرارات الترخيص للمواطنين بالسفر الى الخارج بسطت المحكمة ايضا رقابتها على صحة ماديات الوقائع في القرار الاداري قصد التاكيد من الاسباب التي دعت الى منع مواطن من السفر الى الخارج هل هو فعلا يشكل خطرا على الامن العام، او على سلامة الدولة الداخلية او الخارجية، او على الاقتصاد
______________
4) حكمها الصادر في 4 ابريل 1954 و31 مايو1953 و15 دجنبر1953 و13 مايو 1954 و17 فبراير 1955 و27 نوفمبر 1956 و29 يناير 1957 .
----------------------
الوطني او على الاخلاق العامة، وفي هذا الصدد قررت المحكمة بحكمها الصادر بتاريخ 28/12/1954 ما يلي (5) : " ان الحرية الشخصية حق مقرر للفرد لا يجوز الحد منه الا لمصلحة عامة في حدود القوانين واللاوئح المنظمة لهذا الحق، ولما كان حق التنقل هو فرع من الحرية الشخصية فانه لا يجوز على مقتضى ما تقدم مصادرته دون مسوغ وتقييده بلا مبرر، وعلى خلاف ما ورد في القوانين واللوائح، والا كان ذلك مخالفة للقانون واساءة لاستعمال السلطة مما يحيز الطعن فيما يصدر من قرارات في هذا الشان امام هذه المحكمة : " محكمة القضاء الاداري" حيث تبسط رقابتها عليها في نطاق ولايتها العامة" .

وقد كرست المحكمة الادارية العليا بدورها هذا الاتجاه في عدة احكام نورد منها على سبيل المثال الحكم الصادر عنها بتاريخ : 26 نوفمبر1983 (6) حيث قالت : " ان سلطة الادارة في تقييد حرية الاشخاص واعتقالهم استنادا الى قانون الطوارئ تقتصر فقط على الاشخاص الخطرين على الامن والنظام العام، وان تكون فعلا ثمة وقائع جدية ثابتة في حق هؤلاء لا مجرد اقوال مرسلة، وان ما نسب الى الطاعن من كونه عضوا نشيطا في الحركة الشيوعية المتطرفة المحظورة غير ثابت ولا يستند الى اي اساس مما يستوجب الغاء القرار الاداري باعتقاله والحكم له بتعويض عن الاعتقال غير القانوني قدره الف 1000 جنيه جبرا للضررين المادي والمعنوي من جراء هذا الاعتقال .

كما كرست نفس الاتجاه المتعلق بالترخيص او عدم الترخيص بالسفر الى الخارج في حكمها المؤرخ في 27 فبراير1982 (7) حيث قالت : " ان حرية التنقل من
______________
5)    الحكم عدد 3551 الصادر بتاريخ 28 دجنبر1954 س 7 مجموعة السنة التاسعة ص 192 .
وانظر ايضا حكمها الصادر بهذا المعنى بتاريخ 17 مايو 1960 تحت عدد 1313 س 13 مجموعة السنة الرابعة عشر، ص 332 .
وايضا حكمها الصادر في 13 مايو 1954 تحت عدد 563 .
وايضا حكمها الصادر في 17 فبراير 1955 تحت عدد 2174 .
وايضا حكمها الصادر في 27 نوفمبر 1956 تحت عدد 768 .
وايضا حكمها الصادر في 29 يناير 1957 تحت عدد 388 .
6)    الحكم الصادر في 26 نوفمبر 1983، السنة 29، رقم الحكم 734، السنة القضائية 23، ص 111 وما بعدها .
7)    الحكم الصادر في 27 فبراير 1982، السنة 24، رقم الحكم 257، السنة القضائية 26، ص 359 وما بعدها .
وانظر ايضا الحكم الصادر في 12 دجنبر 1981 تحت عدد 997 .
-----------------------
مكان الى اخر والسفر الى خارج البلاد مبدا اصيل للمواطن وحق دستوري مقرر له لا يجوز المساس به دون مسوغ قانوني ولا تقييده الا لمصلحة المجتمع وحمايته وفي حدود التشريعات المنظمة لهذا الحق".

وفي حكم اخر قالت :" ان تقييد اسماء الاشخاص الخطيرين على الامن والنظام في سجل خاص هو رهين في صدور احكام بالادانة في حقهم بمناسبة ارتكابهم جريمة من الجرائم لا مجرد الشك او التخمين مبنيين على ما معلومات او وشايات غير صحيحة ماديا .
وفي مجال الرقابة على التكييف القانوني للوقائع في القرار الاداري الضبطي العالي نورد امثلة من اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي واخرى من اجتهادات مجلس الدولة المصري .
ففي حكم له اصدر المجلس الدولة الفرنسي قرارا بتاريخ : 5 دجنبر1956 (8) رفض في طلب الطعن موجه ضد قرار وزير الداخلية الفرنسي القاضي بمنع عرض وبيع احدى المجلات الاباحية بناء على قانون 16 يوليوز 1949 للقاصرين الذين تقل اعمارهم عن 18 سنة بعدما تاكد من صحة التكييف القانوني " الوصف القانوني، لدرجة الاباحية في الصور المنشورة بالمجلة موضوع المنع والتي تصف بوقاحة تامة العلاقات الجنسية الشادة" .

وفي قرار اخر رفض ايضا الطعن الموجه ضد قرار عمدة مدينة نيس القاضي بمنع الافلام الخليعة المنافية للقيم الاخلاقية - المتعارف عليها بعدما تحقق من صحة التكييف القانوني المعطى لوقائع الافلام المعروضة (9) .

كما ان مجلس الدولة المصري هو الاخر مارس هذا النوع من الرقابة على قرارات الضبط الاداري اي الرقابة على التكييف القانوني للوقائع " الوصف القانوني" ففي حكم لمحكمة القضاء الاداري الصادر في 11 مايو1950 ميزت هذه المحكمة بين حرية البحث العلمي والمساس المغرض والمتعمد بالاديان السماوية قالت في معرض
_______________
8) C.E  5 Déc. 1956,Thibault avec conclusion du  C.E. Mœecet, D. 1957-20
C.E. 18 Déc. 1959, Société les Films Lutetia, rec. P. 693(9
- C.E. 9mars 1962 Société Nouvelle des Etablissements Gamont, Rec. 162.
-----------------------
حيثياتها : " ان القرار الاداري القاضي بمصادرة كتاب الطاعن هو قرار في محله لانه تاكد فعلا ان التكييف القانوني للوقائع منطبق على النازلة لان الطاعن لم يقم ببحث علمي نزيه ومجرد، بل تعدى ذلك الى تشكيك المسلمين في كتاب دينهم الذي هو القران الكريم، وبالتالي الى المس بمشاعرهم واحداث فتنة لا يعرف مداها مما ينتج عنه تهديد الامن العام، الامر الذي يستوجب رفض طلب الطعن (10) .
وفي قرار المحكمة الادارية العليا المصرية قالت بخصوص الترخيص بالسفر الى الخارج : " ان وجود المواطنين ببيروت دون ان تتوفر لديه نفقات العودة الى ارض الوطن مما تطلب ترحيله على نفقة الدولة،  واكثاره من التنقل بين دولتي سوريا ولبنان وابان اشتغال الحرب الاهلية بهذا البلد الاخير لا يمثل اسبابا تبرر الى وزير الداخلية سحب جواز السفر لان واقعة تواجد مواطن بالخارج دون ان يكون معه مصاريف العودة لا تحمل بذاتها الاساءة الى الوطن او الاضرار بسمعة البلاد (11) .

و على العكس من ذلك رفضت طعنا ضد قرار وزير الداخلية بمنع شخص من السفر الى الخارج ثبت تورطه في اعمال مخلة بالاخلاق العامة ومسيئة لسمعة الوطن بعدما تاكدت من صحة التكييف القانوني للوقائع المعطى من طرف مصدر القرار (12) .
وبخصوص الرقابة على الملاءمة في قرارات الضبط الاداري نستعرض بعض الاجتهادات الصادرة عن كل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري .

ففي قرار لمجلس الدولة الفرنسي له بتاريخ 19 مايو 1933 في قضية Benjamin الشهيرة (13) والذي راقب فيه الملاءمة الغي فيه القرار الاداري الضبطي الصادر عن عمدة مدينة Nevers القاضي بمنع عقد احد الاجتماعات بسبب تخوفه من وقوع
______________
10) الحكم الصادر بتاريخ 11 مايو 1950 تحت عدد 685 مجموعة السنة الرابعة، ص 761 عن محكمة القضاء الاداري .
11) الحكم الصادر بتاريخ 27 فبراير 1982 عن المحكمة الادارية العليا تحت عدد 257 السنة القضائية 26، ص 359 .
12) حكم المحكمة الادارية العليا بتاريخ 11 فبراير 1978 تحت عدد 704 .
13) C.E. 19 mai 1933, Rec. P. 541, Conclusions du C.G. Mechel S, 1934. 3.1  ( grands arrêts) P. 209 et S.
-----------------------
اضطرابات تخل بالنظام العام معللا هذا الالغاء بكون السلطات المحلية، وعلى الاخص عمدة مدينة Nevers كان باستطاعته استخدام قوات الشرطة المتوفرة لديه للمحافظة على النظام العام، وفي نفس الوقت السماح بعقد الاجتماع عوض منعه دون مبرر قانوني او واقعي لانه اتضح جليا للمجلس من خلال البحث والتحري ان الاضطرابات المحتملة التي تذرع بها العمدة لا تبلغ في خطورتها الدرجة التي يعجز معها بما لديه من سلطات البوليس عن المحافظة على النظام العام مع السماح بعقد الاجتماع .

وفي قرار له بخصوص حماية حرية العبادة صدر بتاريخ 5 مارس 1948 (14) في قضية : Palais de Chaillot الغى بموجبه قرارا اداريا ضبطيا للمحافظة قضى بمنع تنظيم صلاة دينية في الهواء الطلق بسبب تخوفه من وقوع اخلال بالامن العمومي جراء هذه التظاهرة الدينية وقال المجلس : " ان هذا التخوف في غير محله لان للسلطة المحلية ما يكفي من قوات البوليس للحفاظ على الامن العام والسماح في نفس الوقت للمصلين بممارسة شعائرهم الدينية" .
كما طبق المجلس نفس المبادئ فيما يتعلق بحرية الصناعة والتجارة، وحرية التصوير الفتوغرافي الا اذا نتج عن الافراغ في الحرية ما يضر بالغير او يهدد الامن والنظام العام (15) .

اما مجلس الدولة المصري فقد مارس هو الاخر رقابة الملاءمة على قرارات الضبط الاداري وذلك باشتراك الضرورة الملحة لاتخاذ القرار وبالقدر الذي يتناسب والوضعية المحدثة زمانا ومكانا، وبعبارة اخرى ان تقتصر الاجراءات المتخذة بعد وزنها بالافعال او المخالفات المرتكبة فقط على القدر الضروري واللازم للمحافظة على النظام العام، بحيث لا يكون القرار الاداري الضبطي مشروعا الا اذا كان لازما .

وفي هذا الصدد اقرت محكمة القضاء الاداري في حكمها الصادر بتاريخ 29 ابريل 1953 (1) ما يلي :   " انه وان كانت الادارة في الاصل تملك حرية وزن مناسبات العمل وتقدير اهمية النتائج التي تترتب على الوقائع الثابت قيامها والتي من اجلها
____________
14) C.E. 5 mars 1948, Jeunesse indépendante chrétienne féminine,  Rec. P 121
15) C.E. 22 juin 1951, Rec. P. 362
- C.E. 2 avril 1954, Rec. 208
C.E. 13 mars 1968.
-----------------
تتدخل لاصدار قرارها، الا انه حيثما تختلط مناسبة العمل الاداري بشرعيته، ومتى كانت هذه الشرعية تتوقف على حسن تقدير الامور خصوصا فيما يتعلق بالحريات العامة وجب ان يكون تدخل الادارة لاسباب جدية تبرره فلا يكون العمل الاداري عندئذ مشروعا الا اذا كان لازما وهو في ذلك ايضا يخضع لرقابة المحكمة فاذا ثبت جدية الاسباب التي بررت هذا التدخل كان القرار بمنجاة من اي طعن، اما اذا اتضح ان هذه الاسباب لم تكن جدية ولم تكن لها من الاهمية الحقيقية ما يسوغ التدخل لتقييد الحريات العامة كان القرار باطلا (16) .

كما اصدرت نفس المحكمة حكما بخصوص حرية العبادة جاء فيه (17) " ليس في اخضاع انشاء الكنائس والمعابد الا الاذن الاداري المسبق ما يتنافى مع حرية العقيدة المنصوص عليها في الدستور، ولا ينم ذلك عن روح التعصب او عدم المساواة بين الافراد كما جاء على لسان الطاعن، وانما هو في حقيقته مدى لاعتبارات التاريخية واجتماعية عميقة الاثار منها ان الغالبية العظمى للمواطنين هم من المسلمين، وقد يؤدي اقامة الكنيسة في مكان غالبيته من المسلمين الى الاحتكاك بين الطوائف وهو الامر الذي قصدت الادارة تلافيه عندما وضعت القواعد المنظمة للترخيص باقامة الكنائس والمعابد وردت الطعن الموجه ضد قرار ادارة .

وقد كانت المحكمة ترد بذلك على عريضة الطعن ضد قرار الادارة الرافض لمنح الترخيص ببناء كنيسة في مدينة اسيوط بالقرب من احد المساجد بعلة تفادي الاحتكاك بين المسلمين وما قد يترتب عن ذلك من اخلال بالنظام العام، وحدوث فتنة لا يعرف مداها .
وعلى العكس من ذلك الغت المحكمة قرار الادارة القاضي برفض الترخيص ببناء الكنيسة لما تبين لها من شان هذا البناء ان لا يخل بالنظام العام والسكينة العامة (18) .

وبالنسبة لحرية التجارة مارست المحكمة رقابة الملاءمة على قرارات الضبط الاداري الصادرة بهذا الصدد، اذ جاء في احد احكامها : " ان اغلاق احد الاسواق
________________
16) الحكم الصادر عنها بتاريخ 29 ابريل 1953 تحت عدد 1026 السنة 6 عدد 1027 .
17) حكمها الصادر في 14 فبراير 1956 تحت عدد 891 السنة السادسة .
18) حكمها الصادر في 24 فبراير 1948 تحت عدد 250 السنة الاولى .
-----------------------
بعلة حدوث مشاجرة بين قبيلتين هو اغلاق في غير محله والقرار الصادر به غير مؤسس ذلك انه مضى على المشاجرة مدة طويلة دون ان يقع ما يخل بالامن وان تعطيل الادارة للسوق والحالة هذه بدعوى المحافظة على الامن ليس هو الوسيلة الوحيدة  لبلوغ هدفها لان الادارة بامكانها اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع الحوادث دون الالتجاء الى الغاء السوق (19.

وبخصوص المحافظة على الصحة العامة قررت المحكمة ما يلي : " ان وزارة الصحة اذا كانت تملك اصدار القرارات ادارية ضبطية تنظيمية وفردية للمحافظة على الصحة العامة  ومنع نشوء الامراض وانتشارها الا ان هذه القرارات بوصفها تصرفات بوليسية "اي ضبطية" تخضع لرقابة هذه المحكمة التي لها سلطة واسعة في تحري اسبابها، وملابساتها لكي تتاكد من موافقتها لظروف الحال، وانها كانت لازمة وضرورية لصيانة الصحة العامة، وانها وليدة ضرورة وقاية هذه الصحة في الظروف الخاصة التي تقررت من اجلها، وبمعنى اخر للمحكمة في مثل هذهالحالة سلطة بحث ملاءمة هذه القرارات للظروف والملابسات التي ادت اليها (20) .

وبالنسبة لمجال حرية النشر والصحافة  قضت المحكمة في حكمها السابق بتاريخ 10 يوليوز 1952 بايقاف تنفيذ قرار اداري صادر عن الرقيب العام على الصحف بمنع نشر بيان في احدى الصحف يتعلق بتوضيح احد الوزراء السابقين لدوره في حوادث حريق القاهرة وتصحيح وضعه وبراءته مما نشرته الصحف واسست المحكمة حكمها بوقف التنفيذ على ما يلي : " انه ولئن كان للرقيب العام في ظل الاحكام العرفية سلطة منع النشر من غير اخطار سابق، الا ان ذلك منوط بان يكون في حدود القانون ولمبرر يقتضيه بان يكون النشر من شانه اثارة الفتنة او الاخلال بالامن والنظام (21) .

وبالنسبة لمجال الاعتقال وتحديد الاقامة مارس القضاء الاداري المصري ايضا رقابة الملاءمة على قرارات الضبط الاداري الصادرة بهذا الخصوص، وكرس القواعد الاتية :
_____________
19) حكمها الصادر في 22 يناير 1952 تحت عدد 167 السنة ق 5 .
20) حكمها الصادر في 16 يونيو 1949 تحت عدد 657 .
21) حكمها الصادر في 10 يوليوز 1952 تحت عدد 694 السنة السادسة القضائية، ص 1392 .
--------------------
فيما  يتعلق بالحريات العامة  وجب ان يكون تدخل الادارة لاسباب جدية تبرره وان يكون هذا التدخل  ضروريا املته اعتبارات الامن والنظام العام لصالح حماية المجتمع والا يتخذ القرار الاداري او الاجراء الضبطي الا اذا كان لازما، ومشروعا، ولذا فان اجراءات الاعتقال وتحديد  الاقامة يجب الا يلجا اليها الا عند الضرورة  القصوى التي يستعصي فيها اللجوء الى الاجراءات العادية  لما في ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وان يكون ذلك بالقدر الضروري اللازم للمحافظة على الامن (22)-(23) .
وفي هذا السياق قررت محكمة القضاء الاداري وهي احدى  اقسام مجلس الدولة المصري (24) : "ان خطورة الشخص على الامن والنظام كي تكون سببا جديا يبرر اتخاذ هذا الاجراء المقيد للحرية "الاعتقال"  يجب ان يستمد من وقائع حقيقية منتجة في الدلالة على هذا المعنى، وان تكون هذه الوقائع افعالا معينة يثبت ارتكاب الشخص لها ومرتبطة ارتباطا مباشرا بما يراد الاستدلال بها عليه، ولذا فان مجرد انتماء الشخص الى جماعة ذات مبادئ متطرفة او منحرفة عن الدستور ان النظام الاجتماعي لا يعني حتما وبحد ذاته اعتباره من الخطرين على الامن بالمعنى المقصود  من هذا اللفظ ما دام لم يرتكب فعلا وشخصيا امورا من شانها ان تصفه حقا بهذا الوصف .

كما اكدت نفس المحكمة مبدا اخر هاما في سبيل تكريس (25) الحريات العامة والضمانات الاساسية  التي يكفلها الدستور والقوانين الموضوعية والتنظيمية وذلك بالتاكيد على  ما يلي : "ان مجرد انتماء شخص الى جماعة سياسية تم حلها سابقا (ويتعلق الامر هنا بجماعة الاخوان المسلمين) لا يفيد بذاته خطورة هذا الشخص على الامن والنظام بما يبرر اعتقاله ما دام لم يرتكب فعلا و شخصيا امورا من شانها ان تصفه بالخطورة على الامن والنظام (26).
____________________
22) حكمها محكمة القضاء  الاداري في 29 ابريل 1953 تحت عدد 1026، السنة القضائية السادسة، ص 1027 .
23) حكمها في 25 مارس 1956 تحت عدد 1327، السنة 7 القضائية ص 258.
24) حكمها ايضا في 24 نوفمبر 1954 تحت عدد 1142، السنة السادسة، ص 56 .
25) حكم محكمة القضاء الاداري الصادر في 24 نونبر 1954 تحت عدد 1142، السنة السادسة المجموعة التاسعة ص 56 .
26) حكمها الصادر في 13 ابريل 1957 تحت عدد 1517 ك السنة الثانية، المجموعة رقم 2، ص 886.
---------------------------
اما بخصوص الرقابة القضائية المغربية على مستوى الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى بخصوص قرارات الضبط الاداري فينبغي الاشارة اولا وقبل كل شيء الى ان هذه الغرفة لم تتح لها الفرصة لاصدار قرارات في حجم واهمية قرارات مجلس الدولة الفرنسي ونظيره المصري خاصة محكمة القضاء الاداري التي تشكل العمود الفقري لقضاء مجلس الدولة المصري. ويعود السبب في ذلك الى انه حسب عملنا المتواضع انه لم تطرح على الغرفة الادارية  طعون شاذة- باستثناء ما يتعلق بقضيتي : الشيخ عبد السلام ياسين وابرهام السرفاتي - واللتين لم تبت فيهما الغرفة الادارية لحد الساعة حتى يمكن مقارنة تعليلاتها وحيثياتها بالعمل القضائي الاداري لكل من مجلسي الدولة في فرنسا ومصر، الا ان هذا ليس معناه ان الغرفة الادارية لم تصدر قرارات ذات اهمية نسبيا في بعض مجالات الضبط الاداري سواء منه الضبط الوطني او المحلي .

ففي مجال بيع المنشورات وترويجها واحكام الرقابة الادارية على ذلك بالحجز او المنع او التوقيف او المصادرة باشرت الغرفة الادارية رقابتها على قرارات الضبط الاداري الصادرة بهذا الشان مؤسسة  في ذلك القواعد الاتية :
1)     لا يجوز منع بيع كتاب او منشور او ممارسة حق الرقابة عليه الا اذا كان يخل فعلا بالنظام العام او بالاخلاق الحميدة .
2)    الكتب السماوية كالانجيل مثلا لا تعتبر منشورات مخلة بالنظام العام .
3)     منع عرضها وتداولها وبيعها يعد من قبيل الشطط في استعمال السلطة .

وهكذا صدر قرار للغرفة الادارية (27) قالت فيه : " لا يجوز منع بيع كتاب منشور او ممارسة حق الرقابة عليه الا اذا كان يخل بالنظام العام او بالاخلاق الحميدة .
لا يمكن ان تعتبر كذلك كتب الانجيل التي تدرس بكليات الاداب والشريعة .
ان عامل الاقليم الذي يامر بالاستناد على هذا السبب الضمني باغلاق مكتبة تعرض هذه الكتب للبيع يرتكب شطا في استعمال السلطة" .
_______________________
27) القرار عدد 178 الصادر بتاريخ 17/10/1985 ك. م/عامل اقليم فاس المنشور في المجلة المغربية للقانون. العدد1، سنة 1986، ص 42 .
-------------------------------------
وفي قرار حديث جدا للغرفة الادارية تقول(28) : " ان الادارة اعتمدت في اتخاذ قرار منع صدور جريدة المواطن على ما نشر فيها في العدد الاول بتاريخ 19/6/1991 من مقالات حول وضعية بعض المعتقلين والرسائل المرفوعة من عائلاتهم الى بعض الجهات المسؤولة وكذا الموجهة الى احزاب المعارضة والى بعض النقابات  وغير ذلك من المقالات والتحليلات المنشورة في العدد المذكور الموضوع بصفة قانونية بالملف ما اعتبرت معه الادارة بما لها من سلطة تقديرية ان ما نشر يمس بالامن العمومي و باسس الاوضاع السياسية، والدينية بالمملكة، وتبعا لذلك وعلى عكس ما نعته الوسيلة فان المقرر المطعون فيه يرتكز على وثائق ثابتة ويجد سنده فيما اثبتته الادارة من اخلال الطاعن بالتزاماته الصحفية" .

وفي مجال حل الجمعيات صدر قرار لها (29) يقول في بعض حيثياته: " ان حل جمعية ينظمها ظهير 15/11/1958 لا يمكن التصريح به خارج الشروط والشكليات المنصوص عليها في انظمتها الاساسية الا من طرف السلطة القضائية ولسبب من الاسباب المحددة في الفصل الثالث من نفس الظهير .
ليس هناك أي نص تشريعي يمنح لوزارة الفلاحة ولا لاية سلطة ادارية اخرى صلاحية الامر بحل شركة فروسيا باعتبارها جمعية خاضعة لنظام نفس الظهير .
يكون وزير الفلاحة قد تعدى على  الصلاحيات المحفوظة للمحاكم لما امر بحل جمعية للفروسية .
وبالنظر الى خطورة مثل هذا المساس باختصاص السلطة القضائية فانه يجب اعتبار القرار المطعون فيه كانه عمل باطل وكانه لم يكن" .

وفي مجال مراقبة دخول وخروج الاجانب من المغرب سلطت الغرفة الادارية رقابتها على قرارات الضبط الاداري العالي الصادرة بهذا الشان الا ان هذه الرقابة لم تصل حد فحص الملاءمة  التي بقيت متروكة للسلطة التقديرية للادارة، ولعل الغرفة الادارية تجنبت الخوض في مسالة الملاءمة بخصوص هذا النوع من القرارات لارتباط هذه
_________________
28) القرار عدد 199 الصادر بتاريخ 17/9/19992 ك في الملف الاداري عدد 10174/91 .
29) القرار عدد 255 الصادر  بتاريخ 14/1/1963 في الملف الاداري عدد 9121، شركة الفروسية والمسابقات المغربية، وزير الفلاحة.
--------------------------
الاخيرة بسلامة الدولة الداخلية والخارجية والامن  العمومي الامر الذي يجعل هذه القرارات على صلة باعمال السيادة اكثر من صلتها بالاعمال الادارية المحضة، وهو نفس الموقف الذي يتبناه مجلس الدولة المصري بجميع اقسامه وكذا المحكمة الادارية العليا المصرية، اما مجلس الدولة الفرنسي فهو - كما السلف القول- يفحص ملاءمة هذا النوع من القرارات- ما دامت تصدر في شكل قرارات ادارية  عن
سلطة ادارية مختصة .

وهكذا نجد في قرار للغرفة الادارية المغربية(30) ما يلي : " كل شخص اجنبي هاجر الى المغرب وغادره لفترة تفوق مدة ستة اشهر ثم عاد اليه بعد ذلك يفقد حقه في مزاولة اي نشاط في المغرب بغض النظر عن ظروف غيبته وملابساتها ويخضع من جديد لطلب الترخيص له بالعودة لمزاولة هذا النشاط او غيره من الانشطة الاخرى ( ف 1 من ب 15 نوفمبر 134 المنظم للهجرة) .

لما كانت الطاعنة لم تنفي انها غابت عن المغرب المدة التي اسقطت حقها بقوة القانون في الرخصة فان الادارة لم تسحب منها هذه الرخصة للاسباب التي تنتقدها، ولا مجال لمناقشة توفر حالة من حالات هذه الرخصة ولا مناقشة ملاءمة الخطا والعقوبة" .
وفي مجال حرية التجول والتنقل استت الغرفة الادارية عدة قواعد لضمان هذه الحرية تتمثل فيما يلي :
1)    حرية التجول او التنقل مكفولة بمقتضى الدستور .
2)    لا يمكن ان يوضع حد لهذه الحرية الا بمقتضى القانون ( اي بنص خاص ) .
3)    اعتبار القرارات الصادرة في هذا الصدد موسومة بسلطة مقيدة لا تقديرية الا بنص خاص .
4)    الخروج عن القواعد الثلاثة المذكورة يعد شططا في استعمال السلطة لمخالفة القانون .
_______________
30) القرار عدد 371 الصادر بتاريخ 11/5/1984 ملف اداري عدد 93219، قضية تيير سولان جويل الكاتب العام للمحكومة، منشور في مجلة المجلس الاعلى، العدد 37/38 ص 176 .
----------------------
وهكذا صدر قرار للغرفة الادارية (31) جاء فيه : " لما كانت حرية التجول مكفولة بمقتضى الدستور فلا يمكن ان يوضع لها حد الا بمقتضى القانون .
ولما كان الحصول على بطاقة جواز السفر حقا مكفولا لكل مواطن لا يحرم منه الا بمقتضى نص قانوني يقضي بذلك .

ولهذا فان العامل عندما رفض طلب الطاعن للحصول على جواز السفر بالرغم من عدم وجود اي نص قانوني بذلك، وايده وزير الداخلية في ذلك بمقتضى قراره الضمني المطعون فيه كان قراره هذا مخالفا للقانون ومتسما بالشطط في استعمال السلطة " .
وفي  قرار اخر قالت (32) "عندما تقدم الطالب بملف تام من اجل الحصول على جواز السفر وامسك العامل عن جواب فان سكوته هذا في نظر القانون هو بمثابة قرار ضمني بالرفض يجب ان يكون له ما يبرره .
الادارة لم تبين اسباب الرفض حتى امام القضاء عندما طلب منها ذلك مما يكون معه القرار المطعون فيه مخالفا للفصل التاسع من الدستور الذي يضمن للمواطن حرية التجول، ومن اجله يكون متسما بالشطط في استعمال السلطة" .
وفي قرار اخر مماثل قالت الغرفة (33) : " ينص الفصل التاسع من الدستور على حرية التجول وانه لا يمكن ان يوضع حد لممارسة هذه الحرية الا بمقتضى القانون .
لكل مواطن الحق في الحصول على جواز سفر، ولا يمكن ان يحرم منه الا عند وجود نص قانوني خاص يمنع ذلك .
يستوجب الالغاء من اجل الشطط في استعمال السلطة مقرر العامل الذي يرفض طلب تجديد جواز السفر، او تسليم جواز سفر جديد بالرغم ممن عدم وجود اي مانع قانوني يحول دون ذلك .
_______________
31) قرار عدد 293 وتاريخ 26/12/1991 في الملف الاداري 10211/90 .
32) القرار عدد 373 وتاريخ 12/12/1991 في الملف الاداري عدد 10037/90 قدوري محمد/ وزير الداخلية .
33) القرار عدد 127 وتاريخ 11/7/1985 الملف الاداري عدد 185/85  - محمد الشملال / عامل اقليم طنجة .
----------------------
وفي ميدان التراخيص الادارية المسلمة من طرف السلطات الادارية درج اجتهاد المجلس الاعلى (الغرفة الادارية) على تكريس القواعد الاتية :
1)    ضرورة احترام مبدا الحقوق المكتسبة
2)    عدم رفض الاذن اذا توفرت الشروط المطلوبة .
3)    عدم سحب الرخصة الا لمبرر قانوني منصوص عليه .
4)    لا يرفض تجديد الرخصة الا بعد ثبوت سحبها مسبقا .
5)    لا يقع السحب الا من الجهة المانحة للرخصة ما عدا في حالة التفويض .
6)    منح الترخيص يخضع للسلطة التقديرية للادارة ( سلطة الملاءمة) طالما لم يثبت على الادارة خطا مادي او قانوني او تجاوز في استعمال السلطة او انحراف في استعمالها او خرق لمبدا المساواة بالنسبة للشروط المطلوبة .
لم يثبت على الادارة خطا مادي او قانوني او تجاوز في استعمال السلطة او انحراف في استعمالها او خرق لمبدا المساواة بالنسبة للشروط  المطلوبة .

وهكذا صدر قرار الغرفة الادارية (34) جاء فيه : " ان الرخصة الادارية المتعلقة بفتح المدرسة الحرة قابلة للسحب في حالة عدم احترام القانون المنظم للتعليم الحر " ظهير فاتح يونيو 1959" .
ان النزاع القائم بين الشريكين قد ادى الى عرقلة تسيير المدرسة، لهذا فقد كان من حق وزير التربية الوطنية وفق ما يخوله له الفصل 21 من ظهير 1959 المذكور ان يسند ادارتها بصفة مؤقتة لموظف اخر في انتظار الفصل النهائي في النزاع بين الشريكين، فالمقرر الاداري لا يتسم بالشطط في استعمال السلطة.

وفي قرار اخر قالت : " ان اصرار الادارة" "وزارة الصحة العمومية"، على رفض منح الاذن للطاعن رغم توفر الشروط والمتطلبات القانونية لا يرتكز على اي اساس ويتسم بالتجاوز في استعمال السلطة مما يجب معه الغاء المقرر المطعون فيه" (35) .
___________
34) القرار عدد 133 وتاريخ 3/5/1990 في الملف عدد 8390/88، سنباطي امحمد /  وزير التربية الوطنية .
35) القرار عدد 377 وتاريخ 12/12/1992، احمد زكرياء حسن / وزارة الصحة العمومية والامانة العامة للحكومة .
-----------------
يتعلق الامر هنا بقرار سلبي اي برفض منح الاذن عن طريق السكوت وعدم جواب الطالب عن طلبه .

كما صرحت في قرار اخر بما يلي : " ان الفصل الثاني من ظهير 15/2/1977 المتعلق باختصاص عمال صاحب الجلالة ويوجب على هؤلاء السهر على تطبيق الظهائر والقوانين وعلى تنفيذ قرارات وتعليمات الحكومة بالاقليم او العمالة و القرار المطعون فيه والصادر عن عامل الاقليم بمنع الطاعن من اعادة فتح مؤسسته كما امر بذلك قرار وزير النقل والمواصلات يعد تطاولا على سلطة الوزير، وخرقا للنصوص المذكورة اعلاه مما يكون شططا في استعمال السلطة" (36) .

وفي قرار اخر لها قالت : " لما كان الطاعن قد منحت له رخصة ادارية لفتح مقهى تباع فيها المشروبات الخالية من الكحول والماكولات الخفيفة مما اكتسبت معه اصلا تجاريا، ولما لم يثبت ان هذه الرخصة قد سحبت منه فان رفض تجديدها يعد شططا في استعمال السلطة لعدم مراعاة الحق المكتسب (37) .

وفي قرار مثير للفضول العلمي قالت الغرفة ما يلي : " ان مكتب الصرف مستقل بتقدير ملاءمة او عدم ملاءمة منح ترخيص يتعلق بميدان حيوي من الاقتصاد الوطني ولا يخص استثمارات جديدة مقبولة من طرف لجنة الاستثمارات ولا معقب عليه في ذلك ما دام انه لم يثبت ارتكابه لخطا قانوني او مادي، او  انحرافه في استعمال السلطة (38) .

اما في مجال التعمير والبناء فقد ارست الغرفة الادارية القواعد الاتية :
1)    معاينة القواعد المخالفة المرتكبة .
2)    توجيه انذار الى المخالف يتوقيف الاشغال الجارية ان هو تمادى فيها دون ترخيص او دون التقيد بالتصميم المرخص به .
_____________
 36) القرار عدد 7085 وتاريخ 2/6/1988، ارزيو حميدوش / عامل اقليم شفشاون المنشور في مجلة رسالة المحاماة العدد السابع، ص 199 .
37) القرار عدد 293 وتاريخ 26/12/1991 في الملف الاداري عدد 10211، الغرابي محمد / رئيس المجلس القروي لجماعة عين مديونة .
38) القرار عدد 14 وتاريخ 20/3/1970 شركة الكتراس مروكيس / مدير مكتب الصرف، قضاء المجلس الاعلى، العدد 16، ص 80 .
-------------------------
3)    اتخاذ الاجراء المناسب ان بقي الانذار دون جدوى والذي قد يكون حسب الاحوال اما ايقاف الاشغال والاغلاق او الهدم، هذا بقطع النظر عن العقوبات التي تنزلها المحاكم بالمخالفين في الحالات التي تعرض فيها هذه المخالفات على القضاء .

وهكذا صدر قرار عن الغرفة الادارية (39) جاء فيه : " يستفاد من الفصل 20 من ظهير 30 يوليوز 1952 المتعلق بالتعمير ان الامر بايقاف الاشغال  لا يمكن اصداره من لدن السلطة المختصة الا في حالة معاينة مخالفة الاشغال للضوابط الجاري بها العمل في مادتي التعمير والبناء، او عدم مطابقة الاشغال المجزة للتصاميم المصادق عليها من قبل .
يستوجب الالغاء الامر بايقاف اشغال البناء اذا لم يثبت وجود اية مخالفة من هذا النوع" .

وفي قرار اخر لها قالت : " انه فيما يتعلق بتنظيم المدن اذا ثبتت مخالفة القوانين والانظمة اثناء بناء عمارة او ثبتت مخالفة في التصميم المصادق عليه تقوم المصالح المختصة بمعاينة المخالفة ويوجه الى المعني بالامر انذار بوقف الاشغال وتقديم طلب للحصول على رخصة او تقديم تصميم جديد بالتغييرات المنوي احداثها قصد الموافقة عليها هي الاخرى، ويمكن للسلطة المحلية في حالة عدم القيام بذلك ان تعين من ينجز الاشغال الضرورية للمحافظة على السلامة على حسابه "الفصل 20 من ظهير 30/7/1952" .

ان رئيس المجلس البلدي لما اتخذ قرار باغلاق الباب غير المرخص به دون احترام الاجراءات المذكورة، والمنصوص عليها في قانون التعمير ( ض 30 يوليوز 52) يكون قراره مشوبا بالشطط في استعمال السلطة (40) .

وفي قرار لها قالت (41) : "ان ما قررته السلطة الادارية من اغلاق ورش البناء تبرره مقتضيات الفصل 22 من ظهير 30 يوليوز 1952 المتعلق بالتعمير الناصة على انه
__________
39) القرار عدد 89 الصادر في 16/5/1985، مولاي احمد عين الحوت / الملجس البلدي لمدينة طنجة، مجلة ق وق العدد 3، ص 162 .
40) القرار عدد 376 الصادر في 11/5/1984 في الملف الاداري عدد 98094، عزيمان عبد الواحد / رئيس المجلس البلدي بتطوان، مجلة ق و ق العدد 135/136، ص 206 .
41) القرار عدد 10 وتاريخ 30/1/1970، العلمي التهامي / وزير الداخلية، مجلة ق م أ عدد15 ص 74 .
------------------
في امكان السلطة الادارية اغلاق الورش بمساعدة القوة العمومية ان اقتضى الحال ذلك اذا ظل الامر بالهدم بدون اثر" .

وفي مجال مراقبة الاسعار، ومراقبة الجودة في المواد الصناعية والتجارية والخدمات نقتصر على ايراد قرارين للغرفة الادارية على سبيل المثال لا غير، ففي قرار لها (42) قالت : " تكون الادارة قد اخفت المضمن الحقيقي للمقرر المطعون فيه وراء ظهير الزيادة غير المشروعة في الاسعار بسلوكها مسطرة العقوبة الادارية التي خصصها القانون لغاية غير التي توختها الادارة في هذه النازلة - بغية تجنب المسطرة القضائية والغاء بعض الضمانات، ولهذا يتعرض للبطلان " الالغاء" القرار القاضي بعقوبة ادارية بناء على مسطرة غير الواجب سلوكها" .
وفي قرار اخر قالت (43) : " لما كان ظهير 22/2/1973 قد حدد العقوبات التي يمكن لوزير الطاقة والمناجم ان ينزلها بحق متعهدي تكرير البترول في الغرامة من 500 الى 5000 درهما مع ايقاف الرخصة لمدة شهر اذا اخلوا بالتزامهم المتعلق بتوفير مستودعات ذات سعة كافية لادخار الطاقة فان المقرر الاداري الذي حدد مدة ايقاف الرخصة في ستة اشهر يكون مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ومعرضا للنقض بالتالي للالغاء" .

وفي مجال اكتساب الجنسية نكتفي ايضا بايراد قرار للغرفة الادارية على سبيل المثال فقط والذي اكدت فيه القواعد الاتية :
1)    قرارات وزير العدل لا تكون معللة الا في تصريحه بعدم قبول الطلب، اما اذا صرح برفض الطلب فهو غير ملزم بالتعليل .
2)    في هذه الحالة الاخيرة لا يقبل قراره بالالغاء لان المشرع قد خوله امكانية رفض الطلب في نطاق سلطته التقديرية رغم توفر الشروط القانونية .
___________
42) القرار عدد 8 وتاريخ 30/1/1970، محمد فراج / وزير الداخلية، مجلة ق. م. أ. العدد 14، ص 101 .
43) القرار عدد 160 الصادر في 8/7/1983، الشركة المغربية للوقود / وزير الطاقة والمناجم، مجلة ق. م. أ. عدد مزدوج 35/36، ص 151 .
---------------
3)    هذه القواعد مقصورة على طلبات اكتساب الجنسية عن طريق التجنيس .

وهكذا صدر قرار للغرفة الادارية (44) جاء فيه : " يتضح من الاطلاع على الفصل 26 من ظهير 26 شتنبر 1958 المتعلق بالجنسية المغربية ان وزير العدل الذي يتلقى طلبات اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس لا يكون ملزما بتعليل قراراته الصادرة في شان هذه الطلبات الا اذا صرح بعدم قبول الطلب لعدم توفر الشروط القانونية المتطلبة لذلك، وفي هذه الحالة تتعرض قراراته لمراقبة القضاء في حين انه في حالة تصريحه برفض الطلب رغم توفر الشروط المتطلبة قانونا فان قراره لا يكون معللا،  وتبعا لذلك فان المشرع قد خول السيد وزير العدل امكان رفض الطلب في نطاق سلطته التقديرية رغم توفر الشروط القانونية، الشيء الذي يعني ان قراره في هذه الحالة لا يقبل الطعن القضائي مما ينبغي معه التصريح بعدم قبول الطلب" .
مكناس في 30/4/1998 .

_______________
44) القرار عدد 377 الصادر في 15/9/1994 في الملف الاداري عدد 10880/91، الحاج الكيلاني سيف الدين / وزير العدل، غير منشور .
----------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 81، ص 14 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : القانون الاداري