-->

تعليق على القرار الاستئنافي الجنحي رقم 9207

تعليق على القرار الاستئنافي الجنحي
رقم 9207 المؤرخ في 7/12/1989
بقلم : عبد الصمد الزعنوني 
المستشار باستئنافية بني ملال 

تمهيد : 
صدر  عن  محكمة  الاستئناف  بالبيضاء  القرار  رقم  9201  المؤرخ في سابع دجنبر1989 في الملف الجنحي التلبسي عدد 10750/11137/89 نشرته مؤرخا مجلة المحاكم المغربية في عددها 61 بالصفحة 143 الى147 ارتأينا لاهميته التعليق عليه ونتتبع في منهجية التعليق نفس الخطة التي دأبنا عليها بايراد وقائع القضية بايجاز واشفاعها بتعليل القرار ثم الختم بالمناقشة.

الوقائع :
كاتب سفير المغرب  بساحل العاج والي البيضاء بشان شكايتين  تقدم  بهما  كل  من  بيسا  بريزو بيير ،  وكوفي كوادير تضررا بموجبها من كون المسمى المغربي الحداوي احمد اشتغل لدى الضحية الاول كوفي كوادير بمعمل لصنع الاحذية بيد انه عمل الى  تفويت  معدات للعمل ومواد مخصصة للانتاج وحول مداخيلها الى حساب والذي يقدر ب 10.000.000 فرنك افريقي ( ما يعادل 260.000 درهم) كما احتال على  الضحية الثاني بيسا بان اوهمه بانشاء معمل بينهما على وجه الشركة وحاز منه مبلغ 5300.000 فرنك افريقي ( ما يعادل  130.000 درهم) واستغل الفرصة للفرار .

وحيث احال  والي  البيضاء  هذا  الكتاب  على السيد المدير العام للامن الوطني الذي امر بفتح البحث وعند استماع الضابطة القضائية للظنين المومأ اليه اعترف باشتغاله فعلا بمعمل الضحية كوادير  منذ  سنة  1983  ونقل  افراد اسرته الى ساحل العاج وتقاضيه اجرا يقدر ب 3500.000 فرنك افريقي ولما اصبح هذا  الاجر  غير  كاف  لتلبية  حاجياته  المعيشية  اقترف  عدة اختلاسات في حق مشغله ببيع بضائع والتصريح باقل من مقدارها الحقيقي واقتسام المتحصل منها بالتساوي مع بيسا بريزو وفوت في غضون سنة 1989، مواد  لصنع الاحذية وقوالب عتيقة احتكر مداخيلها كما اتفق مع بيسا بريزو على انشاء معمل خاص بهما وتسلم منه مبلغ 5000.000 فرنك افريقي ولاذ بالفرار الى المغرب .

التعليل :
عرضت القضية على نظار ابتدائية انفا فأدانته بجريمتي السرقة والنصب طبقا للمادتين 505 و540 من القانون الجنائي المغربي استنادا على اعترافه امام الضابطة واقتناعها بثبوت التهمتين .
وعند الطعن في الحكم بالاستئناف اصدرت استئنافية البيضاء بشانه قرارها رقم 9201 قضى بالغائه والحكم تصديا ببراءة الظنين وترك الصائر على الخزينة.
وكان تعليلها على هذا النحو :
حيث ان الظنين ودفاعه صرحا امام المحكمة الابتدائية واستئنافيا ان اعترافه كان تحت الضغط والاكراه حيث جرى تعذيبه لدى الضابطة القضائية وكشف عن اثار جروح بادية على معصمه وعاينتها المحكمة.
وحيث ان المحكمة لم تستجب لطلب الخبرة لتحديد تاريخ تلك الجروح وسببها لان اسباب ذلك لن يحددها الا خبير مختص.
وحيث ان قاضي الدرجة الاولى وان كان قد اجاب على هذا الطلب علما بان له كامل الحق في اعمال سلطته  التقديرية في الخبرة بعد انجازها.
وحيث ان محضر الضابطة لا يحتوي على ان الضابطة استمعت الى الضحايا اما مباشرة او عن طريق الانتداب وعللت الضابطة بانه تعذر عليها ذلك .
وحيث ان المحكمة بدورها تعذر عليها الاستماع الى الضحية ومواجهته مع الظنين.
وحيث لم يقع التحقيق مع الظنين حول الاشخاص الذين اشتروا منه تلك البضائع التي ذكر انها مخصصة للانتاج كما انه لم يرد في اية وثيقة ذكر لهؤلاء الذين باع لهم ولا على لسان الظنين اثناء استنطاقه.
وحيث لم يقع الادلاء باية وثيقة تثبت الاتفاقية على انشاء معمل بينهما ولا على كون الظنين تسلم من الضحية مبلغ 5.000.000 فرنك افريقي .
وحيث ان مثل هذه الاتفاقية ان تمت فهل هي تكون جريمة النصب بين رجلي اعمال يفترض فيهما الحذق وتقدير العواقب مما ينتفي معه عنصر الاحتيال. 
وحيث انه في مثل جرائم السرقة والنصب يجب توفر الدليل المقنع، الضبط - الشهود - الوثائق …. المشتري للمسروق … الخ لكي يتعزز الاعتراف لدى الضابطة القضائية الذي وقع التراجع عنه من طرف الظنين .
وحيث ان اعترافات الظنين امام الضابطة القضائية والحالة ما ذكر تبقى غير مقنعة ولا كافية لثبوت تهمتي السرقة والنصب في حق الحداوي احمد .

المناقشة :
ان المحكمة الابتدائية اسست قضاءها على اعتراف الظنين امام الضابطة وقناعتها في حين ان اعضاء الهيئة الاستئنافية لم تثبت لهم هذه القناعة للتعليل المسهب والمحكم اعلاه لمعاينتهم ان هذه الاعترافات امام الشرطة غير مقنعة وغير كافية ولا يزكيها من جهة اخرى" الدليل المقنع". وان تعليلا على هذا النحو تكريس لمبدا حرية الاثبات في الميدان الجنائي ولمبدا حرية قاضي الزجر في الاقتناع .

مبدا حرية قاضي الزجر في الاقتناع 
ان حجز الزاوية في المحاكمة الجنائية قناعة القاضي يستخلصها من تحقيقه للدعوى وتقييم اوراقها الرسمية وللاعترافات وموقفه هنا ليس سلبيا - كالقاضي المدني - وانما موقفا ايجابيا يتجلى في التحري والتنقيب  قصد الوصول الى الحقيقة بكافة الطرق سواء نص عليها القانون ام لم ينص عليها شريطة ان تكون مشروعة. وهذا المبدا تكاد لا تخلو منه التقنيات. فالمادة 302 من قانون الاجراءات الجنائية المصري تنص على ان القاضي " يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته" (1) والمادة 288 من قانون المسطرة الجنائية المغربي تعطي لقضاة الموضوع كامل الصلاحية لتكوين قناعتهم من جميع وسائل الاثبات - بما فيها الاعتراف - ولم تقيدهم بوسيلة اثبات معينة الا في حالات استثنائية محددة حصرا. 

وللقضاء فضل لا يجحد في صياغة نظرية متماسكة بشان حرية الاثبات في الميدان الجنائي وقناعة القاضي - ومن التطبيقات المصرية (2) يمكن ان نستعرض : 
"العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الادلة المطروحة عليه بادانة المتهم او براءته فلا يصح مطالبته بالاخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته ان يزن قوة الاثبات وان ياخذ بأي بينة او قرينة يرتاح اليها في حكمه الا اذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه".
"الشارع لم يقيد القاضي الجنائي - في المحاكمات الجنائية - بدليل معين بل جعل من سلطاته ان ياخذ باي دليل او قرينة يرتاح اليها ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك طالما ان ما استند اليه له مأخذه الصحيح من الاوراق".
" العبرة في المسائل الجنائية باقتناع القاضي ان اجراء يصح او لا يصح اساسا للكشف عن الحقيقة".
" العبرة في المحاكمات الجنائية في اقتناع القاضي بناء على الادلة المطروحة عليه".
" العبرة في الاثبات في المواد الجنائية هي باقتناع قاضي الدعوى بناء على الادلة المطروحة عليه فيها ما لم يقيده القانون بدليل او قرينة".
----------------------------
(1) الاثبات في المواد الجنائية للمستشار الاستاذ مصطفى مجدي هرجه - الاسكندرية - 1990 صفحة 54.
(2) المرجع السابق ص . 56 -57.
----------------------------
" حق محكمة الموضوع في ان تستمد اقتناعها من أي دليل له مأخذه الصحيح في الاوراق".
" حرية القاضي الجنائي في اختيار طريق الاثبات الذي يراه موصلا الى الكشف عن الحقيقة ووزن قوة الاثبات المستمدة من كل عنصر".
ان قضاة الموضوع هم وحدهم اصحاب الحق المطلق في تقدير قيمة الاثبات واستخلاص الحقيقة وليس لمحكمة النقض والابرام سلطان عليهم في ذلك".

تطبيقات قضائية مغربية (3)
الاحكام تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين ولهذا يتعرض للنقض الحكم الصادر بالادانة في حين ان المحكمة صرحت بانه لم يوضع بين يديها دليل مادي قاطع يثبت الجريمة.
انه بمقتضى الفصل 289 من قانون المسطرة الجنائية فان القاضي لا يمكن له ان يبني مقرره الا على حجج عرضت اثناء الاجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا امامه ولهذا يتعرض للنقض المقرر الذي بني على علم رئيس الجلسة عندما قام بالتحقيق في قضية سابقة" 
" لما كان القانون - الفصل 288 من قانون المسطرة الجنائية - يعطي لقضاة الموضوع كامل الصلاحية لتكوين قناعتهم من جميع وسائل الاثبات ولم يقيدهم بوسيلة اثبات  معينة الا في حالة استثنائية محددة على سبيل الحصر فان المحكمة تكون قد استعملت سلطتها التقديرية التي لا رقابة عليها في ذلك لما استخلصت قناعتها من الوقائع المعروضة عليها بما في ذلك اعتراف المتهمين المحكوم عليهم في نفس القضية وشهادة متهم على اخر".
" لقضاة الموضوع كامل السلطة في تقدير قيمة الاعتراف الصادر عن المتهم ومن حقهم ان ياخذوا بجميع ما ورد فيه او ببعضه في حدود ما يطمئنون الى صدقه ولا ترد عليهم قاعدة عدم تجزئة الاقرار".
وهذا المبدا نص عليه قانون المسطرة الجنائية الفرنسية صراحة بموجب المادة 428 منه بقولها" الاعتراف كأي عنصر من عناصر الاثبات يخضع للتقدير الحر للقضاة".
L'aveu comme tout élément de preuve est laissé à la libre appréciation des juges 
----------------------------
(3) مجموعة قرارات المجلس الاعلى المادة الجنائية 1966-1986 الصادر عن المعهد الوطني للدراسات القضائية الرباط 1988 صفحات 46-47-91-167-480.
----------------------------
بل ان هذا المبدا متفق عليه فقها وقضاء ويطبق ولو دون أي نص صريح فقد جاء في قرار للمحكمة العليا بليبيا "من المقرر ان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الاثبات(4)".
وذلك على خلاف الاقرار في المادة المدنية والذي يكون القاضي المدني سلبيا تجاهه ويتعين عليه اعماله كحجة في مواجهة المقر متى استوفى اركانه وبغض النظر عن القناعة الوجدانية للقاضي وهو ما نصت عليه صراحة المادة 397 من التقنين المدني الليبي. والمادة 410 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الصريحة في التنصيص " الاقرار القضائي حجة قاطعة على صاحبه وعلى ورثته وخلفائه (5)"
l'aveu judiciaire fait pleine foi contre son auteur et contre ses héritiers et ayants cause. 
ومن ثمة اذا اعترف الخصم امام القاضي المدني بتزوير وثيقة ومستند من اوراق الدعوى فعلى القاضي الحكم بهذا التزوير.
والشريعة الاسلامية - كعادتها - تاخذ في بنيات نظامها العقابي المحكم بنظرية متكاملة بشان الاعتراف "الاقرار" صالحة لان تنهل وتتغذى منها التشريعات الوضعية ومن ملامحها بايجاز :
ضرورة تاكد القاضي من سلامة القوى العقلية للمقر
التاكد من كون الاقرار مستوف لكافة شروطه 
ان يسال القاضي المقر عن دوافع التي دفعته لاقتراف الجريمة
ان يسأله القاضي عن كيفية ارتكاب الجريمة
ان يسأله القاضي عن الاداة التي نفذ بها الجريمة
وبالنسبة لجريمة الزنا ان يكون الاقرار مفصلا
بان يذكر حقيقة الفعل 
ان يسأله القاضي عن المراة التي زنى بها 
ان يسأله القاضي عن زمان وامكنة ارتكاب الجريمة
ان يسأله القاضي عن حكم الزنا لاحتمال ان يكون جاهلا
وبالنسبة لجريمة القذف
ان يذكر العبارات التي صدرت منه 
ان يذكر زمان ومكان القذف
-----------------------------
(4) حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته - لموسى مسعود رحومة عبد الله - الدار الجماهيرية للنشر- ليبيا : الطبعة الاولى - 1988 - ص 49.
(5) نفس المرجع السابق ص 49-50
-----------------------------
ان يذكر المقذوف 
ان يساله القاضي عن حالته عند القذف 
وبالنسبة للسرقة يشترط ان يكون الاعتراف مفصلا تفصيلا تاما 
بان يذكر في اقراره الشيء المسروق 
ان يذكر مقدار المال المسروق 
ان يذكر في اقراره الشخص المسروق منه
ان يذكر في اقراره المكان الذي سرق منه 
وبالنسبة لجريمة السكر
ان يذكر في حقيقة الخمر الذي شرب منه
ان يذكر في اقراره زمان ومكان الاحتساء 
ان يذكر في اقراره حكم الشرب والباعث عليه

وان تكون في جميع هذه الحالات صيغة الاقرار بلفظ صريح يشعر ويستشف منه الالتزام وبجدية لا يكتنفها الشك وان يكون منجزا وغير معلق البتة على شرط (6).
والقاضي عندما يستعمل سلطته التقديرية في اعمال ادلة الاثبات والاعتراف او عدم اعماله لا يتاثر في ذلك بهيجان الراي العام ولا بالهالة التي تخلقها او تختلقها وسائل الاعلام لان القاضي ليس من مهمته كلاعب كرة القدم ارضاء الجمهور. وللتدليل على ذلك نذكر قصة الطفل الفرنسية البالغ عمرها سبع سنوات سيلينا جوردان التي تعرضت حديثا لجريمة قتل بشعة مع التمثيل بجثتها وتمزيقها وقيل عن مقترفيها بانهم "وحوش بشرية" وروعت فرنسا واستخدمت الهيلوكبتر لنقل الفاعلين من سجن لاخر خوفا من فتك باقي المعتقلين بهم ومن بطش الجماهير التي تظاهرت عارمة بحمل صور القتيلة وشعارات التنديد واصدار احد قضاة فرنسا حكمه بتبرئة احد القاتلين واخلاء سبيله وقالت الصحافة عندئذ  بان هذا الحكم صب مزيدا من الزيت على النار لانقسام الراي العام حوله بين انصار وخصوم واعتبر موقفا محرجا للقضاء الفرنسي بالنظر الى الاعتراف الكامل للمجرم (7).

هل يمكن الارتياح للاعتراف في هذه القضية موضوع التعليق؟
لا ارى ذلك. فالقرار الاستئنافي ينعي على الحكم الابتدائي عدم الاستجابة لطلب عرض الظنين على الخبرة لتحديد تاريخ واسباب الجروح البادية على معصميه وقت المحاكمة.
--------------------------
(6) انظر تطبيقات الاعتراف بالشريعة الاسلامية في كتاب " التشريع الجنائي الاسلامي" من اعداد المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض 1988 ص 68 - 69- 70.
(7) انظر التغطية الكاملة لهذه الجريمة بمجلة " سيدتي" العدد 509-10-16-12-1990 الصفحة 20-21 تحت عنوان " الجريمة التي روعت فرنسا".
--------------------------
وعدم الاستجابة قاضي اول درجة لهذا الطلب يعد انتهاكا لحقوق الدفاع لانه في حالة ثبوت ان العنف حصل اثناء أمد الحراسة النظرية فان ذلك من شانه ان يجعل الاعتراف لاغيا فالمادة 302 من قانون الاجراءات الجنائية المصري تنص مثلا على ان القاضي " لا يجوز له ان يبني حكمه على أي دليل لم يطرح امامه في الجلسة وكل قول يثبت انه صدر عن احد المتهمين او الشهود تحت وطأة الاكراه او التهديد يهدر ولا يعول عليه".
ومضامين وفحوى هذا الاعتراف الذي افضى به الظنين وتلقاه منه المحققون من الشرطة يحوم حوله الشك اذ انه يصرح بكونه كان يتقاضى بساحل العاج اجرا عند تعداده يبدو انه يتخطى بكثير الاجر المخصص لكبار سامي الموظفين بالدول المتقدمة ( في حين انه عامل) وانه مع ذلك لم يعد يكفيه لسد حاجياته المعيشية!  وادعى ان اختلاسه للضحية الاول كان بمساهمة الضحية الثاني مما يجعل التساؤل يثور كيف والحالة هذه تضرر الضحيتان معا وفي ذات الوقت من الافعال المسندة للظنين. ومما يزيد الامر تعقيدا ان بحث الضابطة القضائية كان مشوبا بنقص جسيم باعتبار انه لا يمكن من الناحية التقنية - تقنية البحث - التحقيق خلال البحث التمهيدي مع شخص وحيد هو الظنين بخصوص افعال لم يكن مسرحها المغرب وانما ساحل العاج وهو ما لم يسهل مامورية الهيئة الاستئنافية، وفي راينا انه كان على السفير مكاتبة وكيل الملك المختص بمباشرة بدل مكاتبة الوالي او على الاقل كان على هذا الاخير عند تلقيه كتاب السفير احالته على وكيل الملك بالبيضاء ليكاتب هذا الاخير حسب اجتهاده شرطة ساحل العاج بقصد الاستماع الى الضحيتين في محضر قانوني وكذا الشهود ومشتري المسروقات وارفاقه بالمستندات من اطلاع وكشف لحساب الظنين بساحل العاج قبل اغلاقه الخ …. كما انه كان بالامكان مكاتبة وكيل الملك للضحيتين نفسهما للحضور الى المغرب عند الاقتضاء للاستماع اليهما اذا رغبا في ذلك من طرف شرطة المغرب ومواجهتهما مع الظنين. كما نرى انه كان يجب ترك الظنين طليقا وعدم اخضاعه للحراسة  النظرية الا  عند التوصل بمحاضر البحث من شرطة ساحل العاج وعدم احالته على المحكمة في حالة الاعتقال " الاحتياطي" الا اذا تضمنت تلك المحاضر قرائن كافية تجعل ممثل النيابة العامة الابتدائية يقتنع بان القضاء سيدين الظنين، وفي جميع الاحوال فان الهيئة الاستئنافية اعادت الامور الى نصابها الطبيعي بتبرئة الظنين والافراج عنه نظرا " لفراغ الملف". كما انها عللت قرارها بشكل مستفيض وبسبك لغوي رصين ينم عن عمق تجربة عند مناقشتها انتفاء عناصر جريمة النصب باعتمادها معيار ومفهوم " الحذق وتقدير العواقب" المفترض في رجال الاعمال ذلك انه كما نعلم لا يكفي لثبوت جريمة النصب مجرد الكذب وحده لاشتراط المشرع المغربي ان يكون الاحتيال " بتأكيدات خادعة" أي ان يؤكد الظنين ادعاءاته الكاذبة بمظاهر  خارجية تؤكد صدقها لا مجرد الكذب العادي. فمن الصور الشائعة (8) مثلا التي اصبحت مناط اتفاق بين الفقه والقضاء لثبوت النصب.
"استعانة الجاني بشخص اخر او أشخاص آخرين لتاييد مزاعمه الكاذبة للمجني عليه شريطة ان يكون هذا الشخص الاخر قد ايد بالفعل مزاعم الجاني اما باقوال او افعال او كتابات وان يكون تدخل هذا الشخص بناء على سعي او ترتيب من الجاني 
اعداد الجاني لوقائع خارجية تؤكد ادعاءاته للمجني عليه كتظاهر بالاتصال بالجن او التخاطب معهم والحديث مثلا الى بيضة …..
ان تكون صفة الجاني نفسها لها تاثير في ايهام المجني عليه  كالصفة الدينية مثلا للجاني …."

ولان مجرد الكذب وحده غير كاف لثبوت الاحتيال FRAUDE لان الكذب عنصر مدني فان القضاء رفض اعتبار توفر النصب ESCROQUERIE في الحالات التالية (9).
"اذا عرض المتهم على شخصين في قارعة الطريق شراء بطاقتين للسينما يزعم انهما صالحتان للاستعمال مع انهما استعملتا .
اذا وعد الفاعل المجني عليها بالزواج واخذ منها  مبلغا ماليا بحجة استثماره فلا يكون نصابا ولو كان ينوي عدم الزواج منها .
اذا ادعى شخص بانه ملاك او قدم فاتورة حساب مبالغ فيها وحصل على مبلغ من المال لان عمله هذا قائم على مجرد الكذب وحده و يشكل الاحتيال .
كما لا يعتبر نصابا من طلب من صديقه مبلغا من المال مؤكدا له انه سيعيده له بعد مدة فلم يفعل ولو كان كاذبا".

وبذلك يكون الحكم موضوع التعليق القاضي بالبراءة مصادفا في راينا محله ومرتكزا على اساس علما بان استئنافية بني ملال تبنت في قرار جنحي حديث صادر عنها " قضية الشيشاوي واخرين" فكرة افتراض الحذق وتقدير العواقب لدى رجال الاعمال وذلك بوصفنا مقررا فيه ورئيسا للجلسة الجنحية " قرار عدد 9333 بتاريخ 27/12/1990 ملف رقم 1867/88 غير منشور".
بني ملال 
عبد الصمد الزعنوني 
----------------------------
(8) شرح القانون الجنائي المغربي " القسم الخاص" للدكتور ابو المعاطي حافظ ابو الفتوح - الطبعة الاولى 1983 - ص 218- 219- 220.
(9) القانون الجنائي المغربي - القسم الخاص " للدكتور عبد الوهاب حومد - مكتبة التومي  الرباط 1968 -ص 278 - 279.
--------------------------

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 63، ص 151.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات