-->

مختلف اشكال بدائل العقوبات السالبة للحرية مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 13



                                                                                                                                                                النقيب عبد الله درميش

ان الاهداف المتوخاة اليوم هو فهم الجريمة بحقيقتها وبمختلف مكوناتها الظاهرة والخفية، اذ ليس من الاهمية انزال العقاب بل الاهم من كل ذلك بالنسبة لعلماء علم الاجرام هو اعادة تربية المخالفين وادماجهم من جديد في المجتمع (1) وتاهيلهم  لممارسة انماط  العيش  المالوفة ،  وهو ما يسلتزم بالطبع اقصاء الجزاءات التقليدية كلا او بعضا وعلى الخصوص العقوبات السالبة للحرية او السالبة للحياة ( الاعدام) .

لقد تقاطعت الاراء بهذا الخصوص من مؤيد ومعارض، فانصار توقيع الجزاء  يزعمون  ان استقرار الامن وسواد الطمانينة لا يتاتى الا عن طريق فرض عقوبات صارمة رادعة، بينما المعارضون يرون عكس ذلك ويستخلصون ان العقوبات القاسية لا تجدي نفعا ولا تعكس الا سوادا وقتامة في المجتمع .

انه رغم جدية الانتقادات، من هذا وذاك، فان الاتجاه العام حاليا يسير نحو خلق افكار جديدة، ومنظور جديد يتلاءم  ويتناغم مع السياسة الجنائية الحديثة، التي تحاول ان تجعل من مرحلة العقاب مرحلة يستطيع فيها المخالف ان يحول سلوكاته  الاجرامية  الى  سلوكات  منسجمة  مع  ما يتطلبه المجتمع من الانصياع لقواعد معينة ومضبوطة مفروضة بمقتضى القانون .

ويقودنا التفيكر في مرحلة تنفيذ العقوبة، الى "مؤسسة السجن"، وهو ما يطرح التساؤل حول السجن فهل هو فقط مكان لتنفيذ العقوبة ام مكان لاصلاح المخالف واعادة تاهيله وادماجه في المجتمع ؟
اذا كان الجواب ظاهرا من خلال الفلسفة العامة للعقاب وهي محاولة للجواب  على  عدة  اسئلة معقدة، والتي هي ايضا محاولة لجعل السجن نقطة تحول بالنسبة للمخالف وفرصة ليتامل في تصرفاته التي تخل بالتوازن داخل المجتمع، فان ذلك  كله يجب  ان يحمل المتدخلين في الميدان الزجري على التفكير في اعادة النظر، في الوسائل العقابية التلقيدية .

وهكذا، فانه عند البحث عن بدائل العقوبات، فاننا نصدر احكاما قطعية اوعلى الاقل قريبة من اليقين ان العقوبات التقليدية لم تعد مجدية او صالحة لاصلاح المخالف وتقويمه، كما ان السجن، مكان تنفيذ العقوبة، لم يعد صالحا للقيام بوظيفته الاصلاحية فاصبح مكانا مكتظا بالسجناء، فتحيد العقوبة، عن هدفها فتصبح غاية في حد ذاتها وليست وسيلة بالاضافة الى العبء الذي يثقل كاهل ميزانية الدولة .
----------------
*) قدمت هذه الورقة الى مناظرة بدائل العقوبات السالبة للحرية " التي نظمتها وزارة العدل بمشاركة المنظمة الدولية للاصلاح الجنائي ( بريتش كاونيل) ايام 14 الى 17 نونبر 2000 بافران .
1) كاستون ستيفان، لوناصور وجيامبو بيرلان - علم الاجرام وعلم السجون - دالوز - الطبعة الثانية رقم 9 ص 8 .
---------------
اذا كانت الضرورة تدعو الى البحث عن العقوبات بديلة فلا مندوحة لنا من التوقف عند الوضع الحالي ( فقرة 1) ثم بعد ذلك ما هي اشكال العقوبات البديلة ؟ ( الفقرة 2) ثم اخيرا الحلول والمقترحات ( فقرة 3) .

الفقرة الاولى
الوضع الراهن وتقييمه
يمكن استجلاء الوضع الراهن للجزاءات الزجرية من خلال قراءة سريعة في التشريع المغربي، مرورا بالقضاء الذي يستمد نفوذه من النصوص القانونية، وانتهاء بالسجن .
فالمشرع الجنائي المغربي يجعل العقوبات اما اصلية او اضافية، فالعقوبات الاصلية هي الاعدام والسجن والحبس المؤقتين والاقامة الاجبارية والتجريد من الحقوق الوطنية والغرامة ( الفصول 16 و17 و18 من ق ج)
ويلاحظ من خلال مقتضيات القانون الجنائي ان العقوبات الاصلية تهيمن عليها العقوبة السالبة للحرية اذ نجدها مسطرة في الجنايات والجنح فتبقى هي العقوبة الاساسية .

اما العقوبات الاضافية المنصوص عليها في الفصل 36 من ق ج فهي عقوبات تكميلة، وسميت كذلك لانه لا يمكن الحكم بها وحدها، وانما تكون دائما مضافة او تابعة الى عقوبة اصلية، وتجب الاشارة الى ان بعض العقوبات الاضافية يمكن ان تكون بحكم القانون اي دونما الحاجة الى التصريح بها في الحكم ( الفصل 37 من ق ج )، كما يمكن ان تكون العقوبات الاضافية بحكم المحكمة، بمعنى انها لا تطبق الا اذ نص عليها الحكم، وهذه بدورها قد تكون المحكمة ملزمة بالحكم بها اذا نص القانون على ذلك صراحة، وقد لا تكون ملزمة، وانما يجوز لها ان تضيفها الىالعقوبة الاصلية او لا تضيفها حسب سلطتها التقديرية .
وهذه العقوبات هي التجريد من الحقوق الوطنية والحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية او المدنية او العائلية، والحرمان النهائي او المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة او المصادرة الجزئية للاشياء المملوكة للمحكوم عليه بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل 89  ق ج وحل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالادانة .

ويظهر من خلال ترتيب العقوبات من حيث اهميتها بان المشرع المغربي جعل من العقوبات الاضافية عقوبات جد ثانوية، وهو ما يجعل المحاكم ملزمة في غالب الاحيان بالحكم بالعقوبة السالبة للحرية مما يعكس تدفقا كبيرا على السجون من الوافدين عليه، كما نجد القضاء يجنح في غالب الاحوال على انزال العقوبة السالبة للحرية دون اللجوء الى عقوبة الغرامة حتى في الحالات التي يخول فيها المشرع للقاضي السلطة التقديرية للحكم اما بالعقوبة السالبة للحرية واما بعقوبة الغرامة .
------------------
في احمد الخمليشي : شرح القانون الجنائي القسم العام ص 298 .
-----------------
اما الوضع في السجون، فالحديث فيه يقلب المواجع، فهو مكسو بالسواد القاتم، وليس من مجادل حول ماساة السجون، فاي صورة تعكسها السياسة الجنائية التي لم تستطع ان تتخلص من طابعها العقابي اللاانساني.  ربما ان  الامر له صلة بازمة حقوق الانسان، الا انه يجب ان نسجل ان الارادة قائمة، الان، لاصلاح الوضع سواء على صعيد التشريع حيث صدر ظهير رقم 1 1.99.200 بتاريخ 26/08/1999 بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية،  او على صعيد تفعيل بعض التدابير من مديرية ادارة السجون، او على مستوى التفكير في اعادة النظر في الدور الذي تقوم به السجون حاليا كالتفكير في ايجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية وتنفيذها وهو موضوع هذه المناظرة .

الفقرة الثانية
فما هي اشكال هذه البدائل اذن ؟
عندما تاكد للجميع ان العقوبات التقليدية التي تتمركز في الاعتقال لم تعد تكتسي الطابع الوقائي الذي كان باحثو علم الاجرام في القرن 19 يضفونه عليها، فان كلا من التشريع والقضاء والفعاليات المهتمة يبذلون قصارى الجهود للبحث عن البديل .
فتطور العقوبة من نافذة الى موقوفة التنفيذ، مثلا فكرة ظهرت كاول وسيلة لتفادي سلب الحرية بالاعتقال، ولكن هذه الفكرة ظلت تشكل العقوبة نظرية دونما اي تاثير على المحكوم عليهم الذين لم يستوعبوا الدرس من اقرار مثل هذه العقوبة، فادت هذه العقوبة الموقوفة التنفيذ الى عكس المتوخى منها فدفعت بالمحكوم عليهم الى السقوط في دوامة الاجرام فازداد الامر استفحالا فسقطوا في الاعتقال .

لذلك وجب التفكير في ايجاد البدليل والبحث عن عقوبات جديدة اعتبارا لدوافع نظرية واسباب اقتصادية واجتماعية ادت الى اكتظاظ السجون .
والهدف من ايجاد هذه البدائل هو تفادي الحكم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة الامد، التي اتضح عدم جدواها وتاكد  فشلها .
كما ان عقوبة الغرامة بدورها تعاني من عدم تطبيقها على كثير من الاظناء، اما لعسرهم واما لان المحاكم لا تقوم باعمال سلطتها التقديرية في الاختيار بين العقوبة السالبة للحرية وبين عقوبة الغرامة .
والعقوبات البديلة، التي نحن الان بصددها، يجب ان تكون عقوبات قائمة بذاتها ويمكن الحكم بها اساسا دون ان تكون عقوبات اضافية ودون ان تكون مقرونة بالعقوبة السالبة للحرية .
وسنعمل فيما يلي على استعراض بعض الاشكال لهذه العقوبات البديلة .

الفقرة الثالثة
اشكال العقوبات
1- العقوبات السالبة لبعض الحقوق او التي تحد منها .
ويتعلق الامر، هنا بعقوبة توقيف صلاحية رخصة قيادة السيارة الخاصة او المهنية او الحظر من سياقة بعض انواع السيارات، او مصادرة السيارة او توقيفها عن الاستعمال لمدة معينة، بل ويمكن ان نتصور هذه العقوبة في سحب رخصة السياقة بصفة نهائية .
ونقصد هنا بهذه العقوبة عدم قيادة السيارة او التقييد من هذا الحق كلما اتى المخالف جريمة ما، حتى ولو لم يتعلق الامر هنا بارتكاب فعل له علاقة بمخالفة قانون السير، او السياقة في وضعية غير طبيعية .
واذا كان القضاء يلجا الى هذه العقوبات في قضايا جنح ومخالفات قانون السير فانه يتعين اقرار هذه العقوبات حتى في الجرائم العادية. مع استحضار الصعوبات التي يمكن ان تعترض ذلك من  صعوبات مادية وتقنية، تتمثل في حراسة السيارات والمصاريف المتطلبة لذلك .
وفي عصرنا الحالي، ولما تلعبه السيارة كوسيلة للتنقل، وقضاء المارب،  فان هذه العقوبة ستكون مجدية عند ايقاعها لكونها ستحد من ممارسة حق وستؤدي الى الشعور بالحرمان من استعمال هذا الحق .
وعلاوة على ذلك، فهناك عقوبات اخرى من هذه الفئة كمنع حمل السلاح او مصادرته والغاء رخصة القنص لمدة معينة، ومصادرة الشيء الذي كان وسيلة لارتكاب الجريمة، ومنع ممارسة انشطة مهنية او ذات طابع اجتماعي .

2- العقوبات الموقوفة التنفيذ المقرونة بالقيام بخدمة لصالح المنفعة العامة :
هذه العقوبة الحديثة العهد جاءت من التجربة البريطانية ومن بعدها الولايات المتحدة الامريكية ( نيويورك) .
وتتاسس هذه العقوبة، انه بعد الحصول على موافقة المعني بالامر فان القضاء يصدر قراره بتحديد مدة زمنية للعمل في مرفق من المرافق العمومية ذي المنفعة العامة بدون مقابل اجر .

ويتولى القضاء الاشراف على تطبيق هذه العقوبة بتحديد نوع العمل الذي يتعين على المحكوم عليه انجازه اعتبارا لعروض العلم المتاحة، ولما يتناسب مع شخصية المحكوم عليه، مع فرض شروط خاصة لكل حالة على حدة. دون الاخلال بقواعد القانون الاجتماعي، مع امكانية احالة المحكوم عليه على النيابة العامة لمتابعته - في حالة عدم التنفيذ الكلي او الجزئي للعمل المنوط به، بجريمة الاخلال بالتزاماته الناتجة عن العقوبة الزجرية.  بمعنى ان هذا الاخلال يشكل جريمة  اخرى قائمة بذاتها تؤدى بالمعنى بالامر  الى الحرمان من الحرية .

والجدير بالذكر ان هذه العقوبة لا يمكن النطق بها الا اذا حكم على المعني بالامر بعقوبة موقوفة، اي ان هذه العقوبة ترتبط  ارتباطا جدليا بالعقوبة الموقوفة التنفيذ، بمعنى انه لا يمكن اللجوء اليها عند الحكم بالغرامة، فهي عقوبة تكميلية للعقوبة الموقوفة التنفيذ مع الاحتفاظ بخصوصيتها.
وتمتاز هذه العقوبة بالطابع الاجتماعي بحيث يمكن ادماج المحكوم عليه بها داخل المجتمع، الا ان نجاح هذه العقوبة وجدواها يكمن في البحث عن منافذ الشغل من طرف الدولة والجماعات المحلية وباقي المرافق ذات النفع العام، دون اغفال جانب اعداد اطر كافية للسهر على تطبيق هذه العقوبة .

3 - اللجوء الى عقوبات تكميلية كبديل للعقوبات السالبة للحرية :
كما سبق معنا القول، فان المشرع المغربي في القانون الجنائي اقر عقوبات اضافية، الا انه لم يجعلها عقوبات تغني عن العقوبات الاصلية السالبة للحرية .
وهكذا فانه يمكن للمشرع ان يتدخل لتحويل هذه العقوبات الاضافية الى عقوبات اصلية، كما هو الحال بالنسبة لبعض التشريعات، كالمشرع الفرنسي حيث سمح للقضاء بصفة صريحة، الحكم بها كعقوبة اساسية وبالتالي تشكل العقوبة البديل، اما للعقوبة السالبة للحرية او للغرامة ايضا .

وفي هذا الصدد يجدر التذكير - بالاضافة الى العقوبات الاضافية  المعروفة في القانون الجنائي  - ان المشرع المغربي في مدونة التجارة ( قانون 15 - 95) بتاريخ 1 غشت 1996 قد اجاز للمحكمة في المادة 317 منع المحكوم عليه خلال مدة  تتراوح بين سنة وخمس سنوات من اصدار شيكات، غير التي تمكنه فقط من سحب مبالغ مالية لدى المسحوب عليه او شيكات معتمدة، ويمكن ان يكون هذا المنع مشمولا بالنفاذ المعجل، مع امر المحكوم عليه بارجاع صيغ الشيكات التي بحوزته، كما يجوز للمحكمة ان تامر بنشر ملخص للحكم القاضي بالمنع .
وفضلا عن هذه العقوبة الاضافية، فان المشرع في نفس المدونة قد اقر عقوبة سقوط الاهلية التجارية في الحالات الواردة في المادتين 714 و715 بالنسبة للمسؤول عن المقاولة وفق الاجراءات المسطرية المنصوص عليها في م 716 .

وتعتبر هذه العقوبة في نظرنا عقوبة اصلية ويمكن ان تكون مقرونة بعقوبة اضافية هي تبليغ هذا القرار الى الاطراف، والاشارة اليه في السجل التجاري ونشر مستخرج منه في صحيفة مخول لها بنشر الاعلانات القانونية، وفي الجريدة الرسمية ايضا، وتعليقه على اللوحة المخصصة لهذا الغرض في المحكمة ( م 723 ) .
ويمكن ان نضيف بعض الامثلة للعقوبات الاضافية التي يمكن تحويلها الى عقوبات اصلية، كالمنع من استعمال بطاقات الاداء الممغنطة او مصادرتها، وايضا توقيف صلاحية رخصة السياقة او سحبها بصفة نهائية .

وفضلا عن ذلك، يمكن التفكير في تحويل بعض العقوبات الاضافية، التي تتميز ببعض الخصوصيات، الى عقوبات اصلية كالحرمان من الحقوق المدنية والسياسية او المنع من ممارسة وظيفة عمومية او مهنة من المهن او حرفة من الحرف، او المنع من الدخول الى الاراضي المغربية او الاقامة بها، او الحرمان من المساهمة في العروض المتعلقة بالصفقات العمومية .
ويجدر التذكير ان اللجوء الى مثل هذه العقوبات البديلة يسمح للقضاء بتفريد  العقوبة باعتبار شخصية المحكوم عليه وطبيعة الجنحة المقترفة .

4)- بعض التدابير تتخذنها النيابة العامة كبديل للعقوبة السالبة للحرية :
ان السياسة الجنائية النافعة تقتضي تفادي اللجوء الى المحاكم في القضايا التي لا تشكل خطورة كبيرة على المجتمع، وتتعلق بحقوق الاشخاص، حتى يبقى للقضاء تتبع القضايا المتعلقة بالافعال الاكثر خطورة .
وهكذا، فان النيابة العامة، وفي اطار مبدا الملاءمة، يحق لها تحريك المتابعة او اتخاذ قرار بالحفظ، وكاتجاه حول التوسع في العقوبات البديلة يجب التفكير في اعطاء النيابة العامة الصلاحية في توجيه انذار بسيط او توبيخ للمخالف مع التلويح بالمتابعة ومنح تعويض كامل للمتضرر، كما هو الحال مثلا بخصوص اصدار شيك بدون مئونة عن خطا من الساحب .

وبهذه الطريقة تلعب النيابة العامة دورا اساسيا في جبر الضرر الحاصل للمتضرر، وتفادي احالة الملف على قضاء الحكم .
وخير مثال بهذا الصدد، ما لجات اليه بعض النيابات العمومية بضواحي باريس بشان اشخاص الحقوا اضرارا بوسائل النقل العمومي، حيث اقترحت عليهم النيابة العامة المساهمة في خدمات اعادة اصلاح وسائل النقل. داخل مصالح شركات النقل العمومي، ضحية هذه الاضرار،  وبقبول هذا المقترح يتم تفادي الاحالة على القضاء.
وفي اعتقادنا فان هذه التدابير او الحلول لا تشكل عقوبة قانونية بديلة بالمفهوم الاصلاحي، لانها غير صادرة من القضاء بل هي حلول وسلوك تحقق غاية نافعة وترضي الجميع .

5)- بعض التدابير السابقة عن المتابعة او عن العقوبة، كبديل :
ويمكن ان نضيف الى الحلول السابقة، توسيع المجال لاجراء صلح في جرائم الاموال والاشخاص بين الفاعلين والمتضررين فيكون الصلح، عن طريق التعويض، حدا لاية متابعة سواء قبل تحريكها او بعده، تم ايضا التوسيع في قيود المتابعة بحيث يتم غل يد النيابة العامة بتقييد المتابعة بضرورة تقديم شكاية من المتضرر، او فرض بعض التدابير ذات الصبغة التربوية خاصة تلك المتعلقة بالمراقبة القضائية في فترة الاختبار وقبل النطق بالعقوبة السالبة للحرية، اذ يجعل القضاء على عاتق الفاعل بعض الالتزامات التي يجب عليه انجازها في فترة معينة قبل النطق بالعقوبة .

فقيام المخالف بالتزماته المحددة من طرف القضاء، خلال فترة التجربة، وقبل النطق بالعقوبة، يجعل من ذلك ان الهدف قد تحقق، وان المس بحق المجتمع قد انقضى، وان المتضرر قد اجبر ضرره وبالتالي فلا ينطق باي حكم بعقوبة اساسية وكان الامر يتعلق بحالة الاعفاء من العقوبة .
وهنا نرى ان مثل هذه التدابير هي شبيهة، الى حد ما، بعقوبة بديلة لانها قد حققت الهدف المتوخى من انزال العقاب وهو جبر الضرر وادماج الفاعل في المجتمع .

6)- اجراء الحراسة الالتكترونية :
ان التفكير في العقوبة البديلة يجب ان يمتد كذلك الى ما بعد صدور العقوبة اي الى مرحلة التنفيذ وهو ما يدفعنا الى الحديث عن هذا الاجراء "السوار الالتكتروني"  كاجراء مكمل وبديل للعقوبة السالبة للحرية، فالقيد الالكتروني هو عقوبة سالبة للحرية من نوع خاص، وهي سجن المحكوم عليه خارج اسوار السجن .
وكانت الولايات المتحدة الامريكية هي السباقة لتبني هذا الاسلوب وذلك منذ سنة 1983 حتى تم تفضيل هذه العقوبة على الاعتقال داخال الاسوار، وقبلها الراي العام الامريكي لكونه راى فيها انها بديل للعقوبات القاسية الاخرى .
وبعد نجاح التجربة في الولايات المتحدة الامريكية حذت المملكة المتحدة حذوها سنة 1989. الا انه، في بريطيانيا،  لم يحظ هذا الاجراء بالرضى كما كان في الولايات المتحدة الامريكية وتم رفضه، الا انه سرعان ما عاودت بريطانيا هذه التجربة سنة 1995 حيث حظيت بالقبول .

وكانت السويد ثالث دولة تبنت السوار الالكتروني فشرعت في هذه التجربة منذ 1994 الى ان نظمها المشرع في فاتح يناير 1999 وادمجها في القانون الجنائي ولازالت السويد تحاول توسيع العمل بالسوار الالكتروني وطرحه كبديل للعقوبة السالبة للحرية .
ثم بعد السويد تبنت هذا النظام دول الاراضي المنخفضة سنة 1995 .
وبعد هذه الدول اتى دور فرنسا التي اقنتعت،  وبعد نجاح التجربة في تلك الدول، ان لهذا الاسلوب ايجابيات تطغى علىالسلبيات،  وبذلت مجهودات لاقرار هذا النظام منذ سنة 1997 الى ان ادخلته في قانونها الذي دخل حيز التنفيذ في 15 اكتوبر 2000 (1) .
-----------------------
(1) اعتمدت في هذه المعلومات على التقرير المنجز من جريدة نوفيل اسبر فاتور المترجم من طرف فاطمة قصري جريدة العلم عدد 18432 بتاريخ 1/11/2000 وللزيادة في المعلومات انظر ايضا جريدة الاحداث المغربية ليوم 20/10/2000 .
----------------------
وتسمح هذه الوسيلة بالادماج الاجتماعي للمحكوم عليه وتفادي اكتظاظ السجون والتقليص من المصاريف العمومية مع الاحتفاظ بخصوصيتها كعقوبة بديلة للعقوبة السالبة للحرية او الموقوفة التنفيذ .
وتطبق الحراسة الالتكترونية في حق المحكوم عليهم بمدة قصيرة والذين يتوفرون على محل قار للاقامة، وبالتالي لا يمكن تطبيقها في حق المحكوم عليهم الذين ليست لهم محال للاقامة مما يصعب معه مراقبتهم .

وانتقدت هذه الوسيلة بان تطبيقها على فئة دون اخرى فيه مساس بمبدا المساواة امام القانون، كما انها تفتقر الى الاندماج الاجتماعي لانها لا تعدوا ان تكون الا وسيلة مراقبة كما ان هذه الوسيلة محفوفة بمخاطر الفرار خاصة اذا كان المحكوم عليه يقطن بمكان مجاور لحدود البلد الذي يقضي فيه العقوبة، كما ان من مثالبها ان الحكم بها كعقوبة اضافية يجعلها تحل محل الافراج المقيد بشروط، وقيل في حقها ايضا انها تمس بسرية الحياة الخاصة للمحكوم عليه اذ تظل الكاميرا تطارده في كل حركاته وسكناته (1) .

7)- الافراج المقيد بشروط مع بعض الاوضاع المشابهة الاخرى :
يمكن ادراج نظام الافراج المقيد بشروط ضمن بدائل العقوبات لانه نظام يؤدي الى استبدال الاستمرار في العقوبة السالبة للحرية، بالافراج عن المحكوم عليه قبل الاوان نظرا لحسن سيرته وسلوكه داخل السجن على ان يظل كذلك، مستقبلا، طبقا لقيود وشروط نصت عليها مقتضيات الفصول 663 الى 672 من ق م ج واذا ثبت ان المعني بالامر بعد الافراج عنه قد عاد الى سلوكه السيء فانه يعاد الى السجن لاتمام ما تبقى من العقوبة (فصل 59 من ق ج) .

ويتميز هذا النظام عن العقوبة الحبسية الموقوفة التنفيذ، ان هذه الاخيرى يحكم بها القضاء غالبا حينما يكون الفعل لا يعاقب عليه الا بعقوبة حبسية قصيرة الامدـ، بينما الافراج الشرطي يطبق عندما تكون العقوبة الحبسية المحكوم بها طويلة الامد، ودليلنا على ذلك ان المشرع حدد الحد الادنى للعقوبة التي يجب ان يقضيها المحكوم عليه ليستفيد من الافراج الشرطي في النص على ان لا تقل عن ثلاثة اشهر، او الثلثين في حالة العود، على ان لا تنزل عن 6 اشهر(الفصل 664 م. ج) .

كما يتميز هذا التدبير انه يساعد على ادماج المحكوم عليه في المجتمع، اذ لا يحطي به الا اذا اثبت نوع العمل المنوي القيام به بعد الافراج عنه وذلك بواسطة شهادة ايواء او شهادة مؤاجر يتكفل بتوفير عمل للمفرج عنه.
ونرى ان هذا التدبير هو شكل من اشكال تنفيذ العقوبة ونوع من المعاملة العقابية، اذ تفرض عليه شروط قاسية من خلال الالتزامات التي تقع على كاهله، كضرورة الاشتغال في عمل مشروع وضرورة تقديم….
---------------
للمزيد من المعلومات بالنسبة للوضع في فرنسا : André Kuhn et Bertrand MADIGNIER; surveillance électronique - la France dans une perspective international -Rev. SC crim (4) cot- déc .1998
--------------
نفسه مرة كل شهر الى احدى السلط التي يوجد تحت اشرافها لمراقبته، وضرورة التزامه باداء الغرامات والتعويضات المحكوم بها، والالتزام بالانخراط في القوات المسلحة الملكية، ويبقى المحكوم عليه دائما يضع نصب عينه امكانية عودته الى السجن في حالة ما اذا اخل باحدى التزاماته .
ويمتاز هذا النظام بكونه حافزا لكل معتقل يامل ان يحظى به يوما ما،  فيضطر الى الانضباط والامتثال لضوابط السجن، فيتحلى داخل السجن بسلوك جيد، وبالتالي يكون هذا الافراج المقيد قد ادى وظيفة اجتماعية قد لا تؤديها العقوبة السالبة للحرية، فيسود بذلك النظام في السجن .

ويجب التنويه الى ان المشرع المغربي في المادة 46 من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية قد اجاز لوزير العدل ان يمنح لبعض المدانين الذين قضوا نصف العقوبة والذين تحلوا بحسن السيرة والسلوك رخصا للخروج من السجن لمدة لا تتعدى عشرة ايام خاصة بمناسبة الاعياد الوطنية والدينية او بقصد الحفاظ على الروابط العائلية او لتهيئ ادماجهم الاجتماعي .

ويتقرب من هذا النظام ايقاف التنفيذ الشرطي، فاذا كان المغرب يعرف نظام ايقاف تنفيذ العقوبة طبقا للفصل 55 من ق ج الذي يجيز للمحكمة ان تامر بايقاف تنفيذ العقوبة اذا لم يكن الشخص في حالة عود، فان هذا النظام يجب تحسينه بتقييده بشروط كوضع الغير المعتقل تحت الاختبار ومراقبته بنوع من الصرامة وعند ثبوت حسن السيرة فيمكن الحكم عليه بعقوبة موقوفة دون تسجليها في السجل العدلي .

ومن البدائل التي تعمل بها بعض التشريعات الجنائية الغربية الحبس في نهاية الاسبوع او "الحبس الدوري" وهو بديل ظهر لاول مرة في المانيا الاتحادية ومفاده ان المحكوم عليه عوض ان يقضي العقوبة السالبة للحرية في السجن دفعة واحدة، ويؤدي به ذلك الى فقدان عمله او وظيفته، وينعكس ذلك على وضعيته المالية والاجتماعية، فانه يمكن ان تكون العقوبة مجزاة وان لا يمكث المحكوم عليه داخل جدران السجن الا يومي السبت والاحد او بكلمة اوضح خلال عطلة نهاية الاسبوع .

الا ان هذا الوضع قد لا يروق الراي العام لان الشخص اما ان يكون حرا او معتقلا اذ لا منزلة بين الجنة والنار.
ويقترب ايضا من هذا النظام نظام "نصف الاعتقال" كما هو الحال في بلجيكا وايطاليا والبرتغال وغيرها ويعني هذا النظام ان المحكوم عليه يقضي عدة ساعات كل يوم في السجن كالساعات الميتة او بعض الايام الخاصة كايام المناسبات التي ليست ايام عمل .
علاوة على ذلك، فان هناك نظاما اخر وهو "الاعتقال في محل السكنى" ويعتبر هذا التدبير مجديا خصوصا بالنسبة للمدمنين على المخدرات لمنعهم من الخروج نهائيا من محلات سكناهم .

8)- الغرامة اليومية :
تعتبر البدائل المالية من اهم البدائل وهو ما جعل بعض المشرعين يستبدلون العقوبات السالبة للحرية بغرامات مالية وبصفة خاصة في الجرائم الاقتصادية.
وهذا يعني ان العقوبة المالية لها تاثير في مجال السياسة العقابية لفعالياتها وجدواها وتؤدي الى تفادي النتائج السلبية للعقوبة السالبة للحرية.
وبمناسبة الحديث عن الغرامة كعقوبة تتداعى امامنا العقوبة اليومية التي اخذت بها بعض التشريعات الغربية، وهي نظام يقوم على اساس اعطاء القاضي امكانية الحكم اولا على المتهم بفترة زمنية معينة، ثم بعد ذلك يتم تقييم هذه المدة ماليا وتحويلها الى غرامة (1) وهو النظام الذي ادخله المشرع الفرنسي الى منظومته القانونية بتعديل الفقرة 8 من الفصل 43 من ق ج .

ويقصد بذلك ان المحكمة لها الامكانية لتعوض عقوبة الحبس في حق الرشداء وكذا الغرامة في وضعها التقليدي ب " غرامة يومية" او ما يسمى " يوم غرامة" تحدد ايامها اخذا بعين الاعتبار ظروف الجريمة، وللمحكمة عند الحكم بالغرامة تشطير ادائها لاعتبارات صحية او مهنية او اجتماعية (2) .

خاتمة ومقترحات :
بعد هذت المعالجة القصيرة حول صور واشكال العقوبات البديلة، فان العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية حسب اشكالها السابقة، لازالت بعيدة المنال - عندنا - لعدة اسباب .
ولما كان ما لا يدرك كله لا  يترك جله. ولتواكب التطور الذي يطال السياسة الجنائية المعاصرة فاننا نقترح :
1- تفعيل النصوص القانونية التي تحتويها منظومتنا القانونية كاعمال المتقضيات القانونية المتعلقة بالغرامات بدلا من العقوبات السالبة للحرية عندما يجيز المشرع ذلك ويعطي الصلاحية للمحاكم لتستعمل سلطتها التقديرية بين الحكم بالحبس او الغرامة، واخراج العقوبات الاضافية من حالة سكون الى التطبيق، وتوجيه الاهتمام الى مؤسسة الافراج المقيد بشروط لاعمالها  والتخفيف من شروطها القاسية واجراءاتها المعقدة.

2- جعل التشريع الجنائي ملائما مع المعايير والتدابير الاحترازية المضمنة في قواعد طوكيو ووضع التدابير المتعلقة بشؤون القضاء الزجري، ووضع سياسات للاحكام الجنائية، فالعدالة الجنائية يجب ان ترتبط دائما بفكرة الاصلاح واعادة تاهيل المخالف ليصبح عنصرا منتجا في المجتمع وهو ما يتاتى الا اذا تم اضفاء الطابع الانساني على العدالة الجنائية من خلال احترام مبادئ الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان
--------------------
1-احمد كنون - محام بطنجة في البدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدى  -مجلة الندوة ع 4 سنة 1988.
2- طيب محمد عمر - العقوبة في الميدان الجنائي الى اين ؟ مجلة المحاماة عدد 36 .
-------------------
والقواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء هذه المعاملة التي تصبح جد سيئة اذا ما كانت الاحكام الصادرة عن القضاء الزجري تهدف اساسا الى الحكم بالعقوبة السالبة للحرية عوض البحث عن البدائل الممكنة حسب ظروف المتهم وشخصيته .

3- تطبيق العقوبات المناسبة من طرف القضاة والتي تتلاءم وطبيعة الفعل وشخصية المتهم وهو ما يستدعي ان نتوفر على قضاء متخصص على المام كبير بالسياسة الجنائية وعلم الاجرام وباقي العلوم الاخرى ذات الصلة .

4- جعل السجون مكانا لاعادة  التاهيل والاندماج عوض ان يكون مكانا لقضاء العقوبة في ظروف سيئة ومحاولة جعل السجن مدرسة تربوية لتفادي عودة المجرمين اليه وهو ما يجب الاقتناع بالسجون المفتوحة بدلا من السجون المغلقة .

5- استشارة المجتمع المدني بمختلف مكوناته حول العقوبات البديلة وفتح حوار مع المؤسسات المعنية واجراء تواصل حقيقي بين المتدخلين المباشرين في قطاع العدل واشراك،  بشكل حقيقي،  مختلف الجمعيات الاجتماعية والاصلاحية ذات الهموم المشتركة لتحسيس جدوى بدائل العقوبة حتى لا تكون هناك ردة فعل من الراي العام .
6- وضع استراتيجية محددة الاهداف وفق برنامج معين وتجميع الوسائل الضرورية لتشمل وسائل البنية التحتية والعامل البشري واحصائيات دقيقة علمية .

7- الاهتمام بالمخالفين لتغيير نظرتهم الحاقدة على المجتمع لانه في اعتقادهم انهم ضحايا المجتمع، فيتعين اشراكهم في بلورة اعمال اجتماعية مختلفة وهو ما يطرح مطلبا اساسيا لخلق مركز يعنى بميدان الجريمة او ما يطلق عليه" قضائية المؤسسة السجنية" .

8- احداث قاضي تنفيذ العقوبات او ما يطلق عليه "قضائية المؤسسة السجنية" بحيث يشرف على تنفيذ العقوبات ويراقب اوضاع المؤسسات السجنية ويتلقى التظلمات والشكايات وابعاد الادارة من انزال عقوبات اخرى غير تلك التي حكم بها القاضي، ويتعين اعطاء صلاحيات حقيقية لقاضي التنفيذ بحيث تكون له الصلاحية للسماح للمعتقل بالخروج من السجن لمدة محددة، بحراسة او بغيرها، لربط علاقات اجتماعية سواء باستقبال افراد الاسرة باماكن خاصة بالسجن او حتى الحضور او الانتقال الى منزل اسرته، عند الضرورة، وامكانية رفع طلبات ايقاف تنفيذ العقوبة الى المحكمة او طلبات الافراج المقيد بالشروط .
واخيرا نردد مع احد معالم علم الاجرام ومؤسسيه :
" ليست العقوبات نوعا من العلاج المتكامل كما ينظر اليها عموما من طرف علماء الاجرام التقليدين والمشرعين والجمهور، اذ انها لا تملك  الا سلطة محدودة لمحاربة الجرم" .
النقيب عبد الله درميش

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 86، ص 13 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :