-->

وقفة عند القانون رقم 63-99

وقفة عند القانون رقم 63-99
مجلة المحاكم المغربية، عدد 83، ص 13

يوم 7 اكتوبر 1999 صدر بالجريدة الرسمية عدد 4732 الظهير الشريف  رقم 210-99-1 المتضمن  الامر  بتنفيذ  القانون  رقم 63-99 المعدل والمتمم للقانون رقم 6-79 المنظم للعلاقات العقدية بين المكري والمكتري للاماكن المعدة للسكنى والاستعمال المهني .

وقد تبدى لي - عند قراءته - بعض الملاحظات، انتهت بي الى تساؤل، وهو هل هذا القانون يتضمن فعلا تعديلا وتتميما للقانون رقم 6-97، ام هو تقليص من نطاقه الى حد لم يبق معه محل لتطبيقه سوى الحالتين المنصوص عليهما في الفصلين 13 و15 منه، وهل فعلا ان  القانون رقم 63-99 هو ضروري لتطوير وضبط مقتضيات القانون رقم 6-97 .

سبق لي ان  اطلعت على هذا القانون، الجديد،  قبل  المصادقة  عليه  من  البرلمان  حين  كان  مقترح  قانون  مسجلا  في 9/6/98 تحت  رقم 2 بمجلس المستشارين مقدما من بعض اعضاء فريق الاتحاد  الدستوري،  وتبين  لي ان نفس هذا المقترح  سبق تقديمه امام مجلس النواب من طرف رؤساء فرق احزاب الوفاق وسجل يوم 7/4/1990، مع بعض  الاختلافات  البسيطة  تتعلق  بالفقرتين 1 و2 من الفصل الثاني. كما لاحظت ايضا، ان مقترح القانون لم تدعمه مذكرة توضيحية تبين نواقص التشريع القائم تطبيقه، او ايجابيات التعديلات المقترحة،  واكتفى  بتقديم  عشرة  اسطر يردد شعارات، مثل حل ازمة السكن، وتحقيق التوازن بين المكري والمكتري وتزكيه عنصر الثقة بينهما، وضمان  حقوق  كل  منهما،  واضفاء  المرونة  اللازمة فيما يخص مسطرة المراجعة وتشجيع الاستثمار في المجال العقاري .

ويبدو ان القانون الجديد - رقم 63-99، بعيد عن تحقيق هذه الشعارات، وربما  هو  يسير  في الاتجاه المعاكس لها، وهذا ما ساحاول بيانه، متناولا على حدة، الفصول التي لحقها الالغاء، ثم الفصول التي تناولها التعديل، متجاوزا الترتيب التسلسلي الرقمي للفصول .

المادة الاولى :
نصت المادة الاولى من القانون رقم 63-99 على نسخ احكام الفصلين 5 و6 من القانون رقم 6-79 لتحل محلها الاحكام التالية :
الفصل 5 : يمكن للمكري او للمكتري، بغض النظر عن اي اتفاق مخالف ان يطلب مراجعة الوجيبة الكرائية زيادة او نقصانا، كلما طرات تغييرات على خصائص ومميزات الاماكن المكراة، من شانها ان تعدل الشروط التي على اساسها تم تحديد الوجيبة الكرائية - غير انه لا يقبل طلب مراجعة الوجيبة الكرائية - رغم كل شرط مخالف، قبل مرور مدة ثلاثة سنوات، على الاقل، من تاريخ ابرام عقد الكراء، او من تاريخ اخر مراجعة تمت بموجب الفقرة الاولى من هذا الفصل .

وهذا النص الجديد حل محل النص القديم الذي كان يتضمن ما يلي :
" يمكن مراجعة الكراء بطلب من المكري او المكتري، وتبت المحكمة عند عدم اتفاق الاطراف  - غير انه لا تقبل دعوى مراجعة الوجيبة الكرائية - رغم كل شرط مخالف - الا بعد مرور ثلاث سنوات على الاقل من تاريخ ابرام عقد الكراء، او من تاريخ اخر مراجعة قضائية او اتفاقية والكل مع مراعاة الفقرة الثانية من الفصل الثاني" .

وبمقارنة النصين فيما بينهما، تظهر الملاحظة الاتية -
الملاحظة الاولى : ان النص الجديد، قرر امكانية مراجعة الوجيبة، زيادة او نقصانا - بغض النظر عن اي اتفاق مخالف .
والواضح ان الغاية من ذلك، هي تقرير عدم صحة الشرط الاتفاقي بمنع مراجعة ثمن الكراء، بينما المكتري لا يملك ان يفرض هذا الشرط على المكري عند ابرام العقد، وهذا الاخير، ليس من مصلحته اقرار هذا الشرط، وبذلك لم تكن هناك ضرورة عملية لاقرار المقتضى، وتقييد ارادة المتعاقدين دون وجود اخلال في ميزان مصالحهما .

الملاحظة الثانية : - ان المقتضيات الجديدة، القانون رقم 63-99، وهي - كما ورد في التقديم لها - تهدف الى اضفاء المرونة اللازمة فيما يخص مسطرة المراجعة، كان بالامكان   - لتحقيق ذلك - ان تفتح باب المراجعة الدورية التلقائية، في اجال محدودة - بزيادة نسبة مئوية من الوجيبة، يحددها القانون، تتفاوت حسب موقع العقار ومزاياه وقيمة راسماله، وقيمة الوجيبة الاصلية الاتفاقية. وهو امر، لو تم، كان من شانه ان يرفع كثيرا من العناء والجهد عن المحاكم ويضمن ايضا لمالكي العقارات حماية لحقوقهم ومصالحهم .. ولا شك ان هذا الامر ليس بعيدا عن بال المهتمين، غير ان اسباب استبعاده ربما رجحت اسباب اقراره ..

الملاحظة الثالثة : - وهي بدورها تمس جوهر القاعدة القانونية، فبينما كان النص القديم يكتفي بتقرير مبدا مراجعة وجيبة الكراء !  ويحدد شرط المدة الزمنية، للمطالبة بها قضائيا.. فان الصياغة الجديدة للفصل 5، حصرت امكانية المطالبة بهذه الوجيبة، فيما عبرت عنه".. كلما طرات تغييرات على خصائص ومميزات الاماكن المكراة .. من شانها ان تعدل الشروط التي على اساسها تم تحديد الوجيبة الكرائية .."، بمعنى انه اذا لم تطرا هذه التغييرات، فلا محل للمطالبة بمراجعة الوجيبة، التي لم تعد رهينة بمدة ثلاث سنوات كشرط زمني، وانما قيدت بعنصر موضوعي هو تغيير خصائص ومميزات الاماكن المكراة .


لكن هل معنى هذا انه اذا لم تطرا هذه التغييرات، بينما طرات تقلبات في الاحوال الاقتصادية، اثرت على قيمة الراسمال العقاري المستثمر، لا يكون ذلك كافيا ومبررا للمطالبة بمراجعة الوجيبة .. واذا افترضنا ان المكري كان متساهلا عند ابرام العقد، واجر المحل بسومة زهيدة تقل كثيرا عن القيمة المالية الحقيقية للعقار، اليس له الحق بعد ثلاث سنوات من ابرام العقد في المطالبة بوجيبة كرائية تناسب الراسمال المستثمر، بصرف النظر عن وقوع تغييرات في خصائص المحل ومميزاته، او عدم وقوعها .

صحيح ان الفصل السادس، اشار الى موقع العقار وقيمته الحقيقية ودرجة الرفاهية الظروف الاقتصادية العامة، كعناصر يتعين مراعاتها في تقدير الوجيبة المناسبة، لكن هذه العناصر، من جهة اولى، لا يعتد بها الا اساسا لتحديد هذه الوجيبة، ولا ينظر اليها وحدها منفصلة عن الشرط الوارد في الفصل 5 الجديد المتحدث عن وقوع تغييرات على المحلات المؤجرة - ومن جهة ثانية، فان ما نص عليه الفصل 5 الجديد، من شانه، بكل تاكيد، ان يضفي التعقيد على دعاوي مراجعة الكراء … ويسمح للمكترين بالتمسك بعدم وقوع تغيير على خصائص ومميزات المحل المؤجر، ويلزم المحكمة عند حكمها بمراجعة الوجيبة، بابراز عناصر التغيير المبررة لمراجعة وجيبة الكراء .. وهذا يتنافى مع الرغبة في اضفاء المرونة اللازمة في مسطرة المراجعة التي اشير اليها في التقديم للقانون .

الملاحظة الرابعة : ان اشتراط حدوث تغييرات على خصائص ومميزات الاماكن المكراة للمطالبة بمراجعة الوجيبة، تتنافى مع الصياغة الفنية السليمة، مادامت هذه التغييرات، كعنصر موضوعي يتعلق بواقع العين المؤجرة لا يمكن التعرف عليه، الا اثناء تحقيق الدعوى .. والمفروض ان يندرج ضمن عناصر التقدير التي يتعين مراعاتها في تحديد الوجيبة، لا ان يكون شرطا في قبول الدعوى وصحتها .

الملاحظة الخامسة : لاشك ان مقتضى الفصل 5 القديم - من خلال التطبيق - لم يلاحظ فيه قصور عن معالجة موضوع مراجعة الوجيبة، ولا حاجة الى التعديل، بل ان مقتضياته الجديدة يشوبها الغموض واللبس، فهي حين اشارت الى مرور اجل ثلاث سنوات عن اخر مراجعة تمت بموجب الفقرة الاولى منه - وهي المراجعة القضائية -  تكون قد استبعدت مراعاة هذا الاجل عن اخر مراجعة اتفاقية، بينما كانت المقتضيات القديمة الملغاة واضحة فيما عبرت عنه بوجوب مرور اجل ثلاث سنوات من تاريخ العقد او اخر مراجعة قضائية او اتفاقية .

المادة الثانية :
ثم اورد القانون رقم 63-99 مادته الثانية لتتميم احكام الفصول 7 و19 و22 من القانون رقم 6-79- وقد ورد في الفصل 7 ما يلي : " يسري مفعول تغيير وجيبة الكراء ابتداء من التاريخ المتفق عليه من لدن الاطراف او من تاريخ تقديم الطلب الى القضاء ... ويؤدى الكراء على اساس الوجيبة القديمة الى ان تحدد الوجيبة الجديدة بحكم انتهائي -" .

وهاتان الفقرتان هما نقل حرفي للنص القديم .
غير ان الشيء الجديد الذي جاء به القانون 63-99 هو الفقرة الثالثة وقد ورد فيها : " … تكون المراجعة المحكوم بها نهائيا قابلة للتنفيذ، دونما حاجة الى استصدار حكم بتصفية الفرق بين السومتين ...

وبصدد هذه الفقرة، ابدي الملاحظات التالية :
اولا : المعلوم ان تنفيذ الحكم ينصب على منطوقه، بتحقيق وتفعيل ما يقضي به من فعل شيء، او الامتناع عنه .. مثلا، الوفاء بالتزام، اداء مبلغ مالي .. افراغ عقار او رفع اليد عنه .. الخ … والمعلوم ايضا ان الحكم بتحديد وجيبة كرائية - وتعيين قيمتها المالية - لم يقض بشيء يمكن تنفيذه جبرا - كما اشير اليه - فكيف يجبر المكتري على اداء الفرق بين السومتين، في غياب حكم قضائي يقضي عليه بهذا الاداء .

ثانيا : اذا كان المكتري لم يؤدي الكراء بسومته القديمة، فهل نجبره على الوفاء بالفرق بين السومتين، ثم يقدم المكري مطالبة قضائية للحكم على المكتري باداء السومة القديمة .

ثالثا: اليس الفرق بين السومتين هو جزء من السومة الجديدة، فلماذا يقتصر التنفيذ الجبري على هذا الجزء دون كامل السومة، لاشك ان هذا امر غير مقبول، وغير قانوني اصلا، اذا كان كذلك في كليته، فهو ايضا غير قانوني في جزء منه - ان هذا الحكم انما يقضي بتحديد سومة كراء محل، تعذر تحديدها اتفاقا !

الفصل 91 : اورد القانون رقم 63-99 صيغة جديدة للفصل 19، ضمن مادته الثانية التي تحدثت عن التتميم، لا على التعديل او الالغاء، رغم ان الامر ليس تتميما، وانما هو تعديل كلي لاحكام الفصل 19 القديم .. اذ اصبح منع التخلي او التولية شاملا ايضا للمحلات المعدة للاستعمال المهني ليزول التناقض الذي كان قائما بين الفصلين 12 و19 في هذا الشان مع ملاحظة اتمام عبارة المكتري من الباطن الى جانب المتخلى له. كل ذلك قبل ان يضع المقتضيات الجديدة التي - بكل تاكيد تتنافى مع الثوابت والمبادئ القانونية الراسخة - وقد جاء في هذه المقتضيات الجديدة : " … يعتبر المتخلى له او المكتري من الباطن بمثابة محتل بدون حق سند …. ويمكن للمكري في هذه الحالة ان يلجا الى قاضي المستعجلات للمطالبة بافراغ الاماكن المحتلة   - عند الامر بالافراغ يصبح عقد الكراء الاصلي مفسوخا بقوة القانون - لا تخضع احكام هذا الفصل لمقتضيات الفصل 24 الاتي بعده".

وبشان هذا الفصل اورد الملاحظات الاتية :
الملاحظة الاولى : استعمال عبارة - المكتري من الباطن للمرة الاولى والاخيرة، وكان لها مفهوما مستقلا عن التولية والتخلي، علما بان التخلي والتولية لا يتضمن القانون بيانا لمعناهما يسمح بمعرفة طبيعة كل منهما او ما اذا كانا يعبران عن شيء واحد  - واذا كان الكراء من الباطن يعبر عن معنى التخلي او التولية، فلم تكن هناك ضرورة لاقحام عبارته ضمن النص - واذا كان يعبر عن حالة خاصة، فقد كان من المستحسن والمفيد بيان حالته وطبيعته .

الملاحظة الثانية : ان اعتبار المتخلى له او المكتري من الباطن بمثابة محتل بدون حق ولا سند ليس في حاجة الى تقريره ضمن نص قانوني بهذه الصورة، فهو مقرر حكما واصلا، مادام هذا الشخص، لا يتوفر على سند - قانوني او عقدي - يبرر استعماله للمحل - وكل الحالات التي عرضت على القضاء في هذا الشان لم تنته الى غير هذا المعنى، ولم يقل احد بان المتخلى له او المولى له  - دون اجازة العقد او القانون - ليس محتلا بدون سند، فلا معنى اذن لتخصيص هذه الحالة بنص قانوني، علما بانه لا يوجد ضمن مقتضيات القانون ما يحدد صور وحالات الاحتلال غير المشروع .

الملاحظة الثالثة : بعد ان تحدث الفصل 19 عن حالة الاحتلال بدون حق ولا سند، خلص في تقرير نتيجة، كانها حتمية لهذه الحالة، فقال : " .. ويمكن للمكري في هذه الحالة ان يلجا الى قاضي المستعجلات للمطالبة بافراغ الاماكن المحتلة …"
ان قانون المسطرة حين وضع مؤسسة القضاء الاستعجالي، كان يهدف الى خلق جهة قضائية لها طابع خاص يلجا الها في حالات معينة لحماية حقوق ومصالح، قد تضيع، او يتفاقم الضرر بشانها بسبب اجراءات التقاضي العادية البطيئة، وهو لم يكن يهدف الى خلق حالة تنافسية مع قضاء الموضوع، ولا ليوحي لنا بان اجراءات التقاضي العادية لا تكون دائما صالحة لاقرار الحقوق وحماية المصالح المشروعة ..

ان قانون المسطرة المدنية حين اقر مؤسسة القضاء الاستعجالي، جعل على بابها حارسا، هو حالة الاستعجال، فاذا انتفى الاستعجال، لا يسمح ابدا بطرق باب هذا القضاء، وهذا الامر واضح من عبارة  - كلما توفر عنصر الاستعجال - الواردة في الفصل 149 م م فكيف نمنح بعد ذلك - لقاضي الامور المستعجلة، صلاحية الحكم في منازعات - من غير مراعاة شروط اختصاصه الجوهرية التي بانعدامها ينعدم اختصاصه، انه من غير المستساغ، ان نربط حينا، اختصاص القضاء المستعجل بضرورة توفر حالة الاستعجال، ثم نعتبر هذه الحالة غير ضرورية في حين اخر، اللهم الا اذا كان القصد، هو تعديل اختصاص القضاء الاستعجالي، وعدم حصره بحالة الاستعجال - وهذا امر اخر، انه اذا كانت اجراءات التقاضي العادية قاصرة عن اقرار العدل وحماية الحقوق فلماذا لا نستغني عنها نهائيا، ونتحول جهة القضاء المستعجل، فنطرح امامه كل منازعاتنا؟

صحيح ان العمل القضائي يسير في هذا الاتجاه، ويعتبر قاضي المستعجلات مختصا بنظر دعوى الطرد لسبب الاحتلال غير المشروع - خاصة اذا تعلق الامر بعقار محفظ - غير ان هذا العمل، يبقى اولا، مرنا في التعامل مع كل حالة حسب خصوصيتها، ويبقى ثانيا خاضعا للنقاش حول مدى صحته وسلامته .

الملاحظة الرابعة : وهي جوهرة وواسطة العقد - لقد قرر الفصل 19 ان الامر الصادر عن قاضي المستعجلات بافراغ المكتري من الباطن اوالمتخلي له .. لا ينحصر اثره بين طرفيه، وفي موضوعه ومنطوقه فقط، وانما يترتب عليه بقوة القانون فسخ العلاقة الكرائية الاصلية … ! .

من المعلوم ان للاحكام القضائية حجيتها، فيما فصلت فيه، وان هذه الحجية تنحصر في اطراف الدعوى وخلفائهم … وهذه الحجية والنسبية التي خصت بها الاحكام هي من المبادئ والركائز التي رسخت بحكم طبيعتها وواقع الاشياء ولان القول بخلافها لا يتفق مع العدالة ويطيح باستقرار الاوضاع القانونية والمعاملات.

فالفصل 19 الجديد، بعد ان خول للمكتري امكانية اللجوء الى قاضي المستعجلات لاستصدار امر بطرد المكتري من الباطن والمتخلى له من الاماكن المحتلة، اضاف" … وعند الامر بالافراغ، يصبح عقد الكراء الاصلي مفسوخا بقوة القانون …" .
فاين نسبية الاحكام - واين حجية الشيء المقضي بعناصرها ؟
وكيف لامر استعجالي - هو اصلا لا يمس جوهر الحق والالتزام - ان ينهي علاقة عقدية .. ثم كيف نقرر انهاء هذه العلاقة العقدية، حكما، رغما عن انف طرفيها ومن غير مطالبة بانهائها امام القضاء .
في رايي ان هذا المقتضي القانوني، لا يحتاج الى نقاش او تعليق اكثر من هذا .. ان ما جاء به، يطيح بمبدا نسبية الاحكام وحجيتها، لذلك، يجب ان ننتبه الى انفسنا .. لنرى ماذا نفعل ؟ والى اين نسير ؟

المادة الثالثة :
نصت هذه المادة على تعديل الفصول 3 و10 و11 و12 من القانون رقم 6-79، على النحو التالي :
اولا : الفصل 3 : " يؤدي المكتري علاوة على وجيبة الكراء - مقابل اثبات - واجبات الخدمات والمواد المتعلقة باستعمال الاماكن المكراة  - او تعويضا اجماليا عن التكاليف الكرائية، كما هي محددة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل … وفي حالة عدم اتفاق الاطراف، يحدد هذا التعويض من طرف القاضي" .
وبمقارنة النصين، القديم والجديد، يتبين انهما متطابقان - وان الفصل 3 الجديد هو نقل حرفي للفصل 3 من القانون رقم 6-79 - فاين التعديل ؟

ثانيا : الفصل 11 - كان هذا الفصل في صيغته القديمة يخول للقاضي، صلاحية التصريح - عند الاقتضاء - بتصحيح الاشعار والحكم بالافراغ، نتيجة لذلك، اعتبارا للاسباب المثارة وظروف النازلة .
غير انه في صيغته الجديدة حين احتفظ للمحكمة بصلاحيتها في تصحيح الاشعار عند الاقتضاء … استغنى عن العبارة التي كانت تقول، " اعتبارا للاسباب المثارة وظروف النازلة" وكان هذه العبارة منفصلة عن كلمة عند الاقتضاء التي احتفظ بها …" .

لاشك ان عبارة - عند الاقتضاء - تحفظ للمحكمة صلاحيتها وسلطة في التعامل مع الاسباب المثارة في الاشعار .. ومحل اعمال هذه السلطة هو خصوصية وظروف كل نازلة وكل حالة .. وهي تركيز - اي هذه السلطة - على فحص وتمحيص هذه الاسباب والتحقق من كونها بلغت حدا من الاخلال بالالتزام يبرر انهاء عقد الكراء - وهذا ما يؤدي الى التساؤل، ما هي الغاية من حذف العبارة المتحدثة في النص السابق عن مراعاة الاسباب المثارة في الاشعار وظروف النازلة ؟ هل لانها مجرد حشو، ام القصد هو الحد من سلطة المحكمة وفرض قيود عليها وانكار كل صلاحية لها في تقدير ما اذا كان سبب الاشعار يبرر انهاء العقد، وفي مراعاة ظروف كل نازلة وخصوصياتها .

الفصل 12 : قرر القانون رقم 6-79 في فصله 8 ان عقد كراء الاماكن المشار لها في فصله الاول، لا ينتهي الا بعد توجيه الاشعار بالافراغ .
ثم نص في الفصل 12 على انه يمكن للقاضي - بصفة خاصة - تصحيح الاشعار في الاحوال المشار اليها في الفصل 692 من ق ل ع - وكذا اذا ادخل المكتري تغييرات على المحل او تخلى عنه او ولاه لغيره .
وما قرره الفصل 12 هذا يسير في نفس السياق مع مضمون الفصل 8 .

غير ان القانون الجديد جاء ليهدم هذا الانسجام والتناسق حين استثنى الحالات المذكورة في الفصل 692 - من وجوب توجيه اشعار بشانها - كما نص عليه الفصل 8 .
فقد جاء في المقتضيات الجديدة ( … لا يلزم المكري بتوجيه الانذار ( بمعنى الاشعار) المنصوص عليه في الفصلين 8 و9 من هذا القانون في الاحوال المشار اليها في الفصل 692 من ق ل ع، وكذا في حالة تخلي المكتري عن المحل او توليته للغير دون موافقة المكتري ). وبالرجوع الى الفصل 692 نجده يتحدث عن ثلاث حالات هي :
استعمال المحل المؤجر في غير ما اعد له بحسب طبيعته او بحسب الاتفاق .
اهمال الشيء المكتري .
عدم اداء الكراء الذي حل اجله .
واذا اضفنا الى هذه الحالات، حالة التخلي عن المحل وتوليته للغير، نجدنا امام اربع حالات مستثناة من توجيه الاشعار بالافراغ .. الذي لم يعد خاصا - من حيث المبدا - الا بالحالتين المشار لهما في الفصلين 13 و15 -بمعنى ان مجال تطبيق القانون رقم 6-79 صار ضيقا، الى حد يمكن معه التساؤل عن جدوى الابقاء عليه ..

لاشك ان هذا التعديل مرتبط بالجدل القائم حول وجوب انهاء عقد كراء المحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني، في نطاق القانون رقم 6-79 فقط، ام امكانية انهاء هذا العقد ايضا في اطار القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، وهو جدل مصطنع ولا معنى له لعدة اسباب :

اولا : لان القانون رقم 6-79 واضح في عباراته وصياغته، وهو لا يحتمل التاويل المؤدي الى اقامة نظرية الخيار.
ثانيا : لان القول بان الزام المكري بتوجيه انذار يتضمن اجلا للاداء ثم توجيه اشعار بالافراغ يتضمن اجل ثلاثة اشهر، هو امر غير معقول وفيه عنث للمكري واضرار به .. هو قول مردود من اساسه، لان توجيه الانذار بالاداء، هواجراء لا يفرضه القانون من اجل الوفاء بثمن الكراء. ولان توجيه الاشعار بالافراغ، في نطاق القانون 6-79 ليس خاضعا لارادة المكري واختياره .

والواضح ان المجلس الاعلى، اتجه اخيرا الى حسم هذا الجدل بفرض انهاء عقد الكراء للمحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني، في نطاق القواعد العامة، ووجوب خضوعه - حتما وفي جميع الاحوال - الى القانون الخاص المنظم لذلك .

فيكون غير مبرر ان نعمد من جديد الى تقنين ازدواجية في الاجراءات التي ينتهي بها عقد الكراء المتعلق بالمحلات المعدة للسكنى والاستعمال المهني، علما بان القانون  - الجديد - لم يعط تبريرا لذلك، لا مقنعا ولا غير مقنع - بينما ثانيتهما مقررة لصالح المكري، وهي مرتبطة - موضوعا بسابقتها، ان ما قد يلاحظ من اضطراب وعدم استقرار في معالجة المنازعات القائمة بشان عقد الكراء، لم يكن قط ناتجا عن قصور التشريع، فقواعد القانون المنظمة لهذه العلاقة - ضمن قانون الالتزامات والعقود، هي قواعد جيدة ومتكاملة - بيد ان الاشكالية، قامت، حين اتجه العمل القضائي الى ضمان حماية المكترين، كطرف ضعيف في علاقة الكراء، من تعسف المكرين وفرض شروطا واجراءات معينة تدرا عنهم العواقب والاضرار المترتبة عن انهاء عقد الكراء واخلائهم من مساكنهم .

غير ان هذا المنهج الذي سار عليه القضاء، استغل استغلالا مفرطا  - وبسوء نية - من طرف المكترين، بشكل لم يترك لمبررات العمل القضائي بريقها المستوحى من مقتضيات العدل، مما اصبح معه التوازن بين مصالح طرفي علاقة الكراء مختلا، الا ان اقرار هذا التوازن من جديد، يكفي لتحقيقه، الاحتكام الى قواعد قانون الالتزامات والعقود المتحدثة عن المطل، فالتطبيق السليم لهذه القواعد هو وحده الكفيل بحماية مصالح المكرين، ومحاولة تحقيق هذه الحماية بعيدا عن هذه القواعد تبقى غير مجدية وغير مبررة .

لاشك ان مقتضيات القانون الجديد تهدف في جوهرها وعمقها الى حماية الاستثمار العقاري، ومواجهة التصرف غير المشروع وغير القانوني، للمكترين، بمقتضيات صارمة، تضمن حقوق المكرين ومالكي العقار .
الا ان تحقيق هذه الحماية، وضمان هذه الحقوق لا يمكن ان يتم على حساب مبادئ ومرتكزات قانونية .
ان الغاء القانون وتعديله يرتكز اساسا على ضرورة مواكبته للتغيرات الحياتية المعيشية لمعالجة ما يستجد من اوضاع وتطور في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى العلمية والتقنية، ويكون غير مقبول ان نرى مسيرة القانون في الاتجاه الاخر، ليكرس تنكيسا لمسيرته الطبيعية من اجل التطوير والاصلاح .

اعتبارا للظروف المعيشية للمكتري وعائلته ومراعاة لوضعيته الاجتماعية التي تتضرر حتما - وبشكل عميق - من جراء افراغه من العين المؤجرة، سواء كانت معدة للسكنى او الاستعمال المهني، لا ينتهي  … الا بعد توجيه اشعار بالافراغ وتصحيحه... طبقا لشروط اشار اليها في فصول لاحقة .

والواضح ان هذا الاجراء - وهو توجيه الاشعار بالافراغ- وفق الشروط التي اوردها الفصل التاسع منه  - وبصرف النظر عن الفلسفة والتصور اللذين ارتكز عليهما اقراره .. هو مجرد اجراء مسطري، لا علاقة له اطلاقا بجوهر الاخلالات بالالتزام التي نص عليها الفصل 692 من ق ل ع - ووجوب توجيه الاشعار بالافراغ - في الحالات التي نص عليها، لا ينعكس عليه باثر سلبي ولا يحد من سلامة تطبيقه، واعتقد ان الشعارات والاهداف التي جاءت في ديباجة القانون رقم 63-99 لا ينتظر تحقيقها من خلال مقتضياته .

السيد نور الدين لبريس
رئيس غرفة المجلس الاعلى
الرباط في مارس 2000

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 83، ص 13 .
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : قضايا الكراء