-->

تعليق على القرار رقم 6/2000، تاريخ 21/02/2000، الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز


 نجاح شمس
                                                                                                                                                                  محامية بالاستئناف

بما ان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد قدم استدعاء ميز فيه القرار الصادر عن مجلس العمل التحكيمي في بيروت رقم 294/95 الصادر في 15/11/1995، والقاضي بان يدفع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمميز عليها التعويضات العائلية والصحية والطبابة عن اولادها الثلاثة القاصرين منذ تاريخ انتسابها للضمان واعتبار هؤلاء الاولاد مشمولين بالضمان.

قدم الاستدعاء التمييزي للغرفة الثامنة لمحكمة التمييز الناظرة بهذا الموضوع تبعا لتوزيع الاعمال بين غرفة محكمة التمييز. فاصدرت بتاريخ 18/11/1997 قرارا باحالة هذه الدعوى الى الهيئة العامة لمحكمة التمييز بالمادة 59 فقرتها الثانية اصول محاكمات مدنية التي تنص على ما يلي :
1- تنظر محكمة النقض بهيئتها العامة التي تنعقد بالنصاب المحدد في قانون تنظيم القضاء.

2- في كل قضية يثير حلها تقرير مبدا هام او يكون من شانه ان يفسح المجال للتناقض مع احكام سابقة، وفي هذه الحالة تحال اليها القضية بقرار من الغرفة المعروض عليها الدعوى.
بما ان الفصل في هذه الدعوى - موضوع النقض - ومثيلاتها تتثير تقرير مبدا قانوني هام، فقد احالت الغرفة الثامنة لمحكمة التمييز القضية على الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
بنتيجة الاحالة صدر بتاريخ 21/2/2000 قرار رقم القرار 6/2000.

( مع الاشارة الى انه سبق لمحكمة التمييز (الغرفة الثامنة) ان قررت تصديق عدة احكام صادرة عن مجلس العمل التحكيمي في حالات مماثلة)
ان قرار الهيئة العامة قرر قبول طلب النقض شكلا ورد اسبابه وابرام الحكم المطعون فيه وتضمين المميز النفقات ورد طلب العطل والضرر لانتفاء اسبابه.
ان الاشكال الاساسي والمسبب لهذه الوضعية وبالتالي لهكذا  دعاوي، هوالتعميم الصادر عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فوفقا للمذكرة الاعلامية رقم 112 الصادرة في 18/1/78 فان الصندوق يفسر احكام المادتين 14 و 46 ضمان كما يلي:
"ان الفقرتين 1 و 2 من المادة 14 ضمان تشترطان ان يكون اولاد المضمون على نفقته، يضيف التعميم:" ويعني المشرع بالنفقة هنا النفقة الشرعية مما يقتضي معه الرجوع لقوانين الاحوال الشخصية للعاملة المضمونة او الاحكام الشرعية التابعة لها".

وكل هذه القوانين او الاحكام توجب النفقة على الاب، ولا توجبها على الام الا في حالات حصرية، كان تكون ارملة او مطلقة او هاجرة. او تكون تقوم باعالة اولادها لان زوجها انقطع عن العمل لبلوغه الستين عاما مع ثبوت ان الاولاد يعيشون معها وعلى نفقتها، او لاصابة الاب بعاهة جسدية اوعقلية ثابة، او لوجود الاب في السجن تنفيذا لعقوبة مانعة من الحرية.
كما ان الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي فسر ما جاء في المادة 46 ضمان التي توجب التعويضات العائلية عن كل ولد معال" بان المشرع يقصد الولد المعال هوالذي يكون على عاتق من هو مسؤول عن نفقته أي اب".
من المؤكد ان تفسير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لهاتين المادتين غير صحيح ومغاير للحقيقة، لانه يفسر عبارة  النفقة اوالاعالة وفقا لمفهومها الطائفي (شرعي او روحي او مذهبي).
بيد ان المشرع لم يجنح الى هذا المعنى او المفهوم لان ما قصده بكلمة نفقة اواعالة هي بمعناها الفعلي وفقا لما هو حاصل فعلا، طالما ان الوالدة تنفق على اولادها او تعليمهم ولو لم تكن مسؤولة عن نفقتهم وفقا لاحكام القانون الطائفي التابعة له ولو كان زوجها هو الذي يتحمل مسؤولية الانفاق عليهم.
وقد احسنت الهيئة العامة لمحكمة التمييز في تصديقها للقرار الصادر عن مجلس العمل التحكيمي للاسباب التالية :

جاء في مقدمة الدستور المعدل بموجب القانون الدستور الصادر في 21/ 9/1990، "ان الدستور اللبناني لا يميز بين الرجل والمراة".
كما انه وفقا للمادة السابعة من الدستور فكل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بنفس الحقوق والموجبات".
فلا يمكن ان يفيد الرجل المضمون ولا تفيد المراة المضمونة بالنسبة لاولادها في الحالة التي لا ينتسب زوجها الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أي لا يفيد من عطاءاته، والقول خلاف ذلك وتفسير القانون خلافا لذلك يخالف الدستور اللبناني.

ويخالف الاتفاقية الدولية حول حقوق الطفل التي انضم اليها لبنان بموجب القانون رقم 20 تاريخ 20/11/1991، مادتها الثالثة التي نصت على ان:
"تحترم الدول الاطراف الحقوق الموضحة فيها وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من انواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل او والديه او الوصي القانوني عليه او لسندهم او دينهم او جنسهم او لغتهم او رايهم السياسي او اصلهم القومي اوالعرقي او الاجتماعي وثروتهم او عجزهم او مودوهم اواي وضع اخر.

والمادة 26 من نفس الاتفاقية نصت على :
ان تعترف الدول الاطراف لكل طفل بالحق في الانتفاع من الضمان الاجتماعي بما في ذلك التامين الاجتماعي وتنفذ التدابير اللازمة لتحقيق العمل الكامل لهذا الحق وفقا لقانونها الوطني". ويخالف اتفاقية العمل الدولية رقم 11 التي صادق لبنان عليها بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 70 تاريخ 25/6/1977 التي حظرت بدورها في مادتها الاولى التمييز والتفريق والتفضيل على اساس العرق او اللون او الجنس او الدين واوجبت في مادتها الثانية على كل دولة عضو،  وضع سياسة تهدف الى تحقيق المساواة في المعاملة على صعيد الاستخدام والمهنة بغية القضاء على أي تمييز في هذا المجال.

كما ان المادة الثالثة من هذه الاتفاقية تضمنت تعهد الدولة العضو بالغاء اية احكام تشريعية وتعديل اية احكام اواعراف ادارية لا تتفق مع هذه السياسة
ويخالف احكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضم اليها لبنان منذ 3/11/1976 الذي نص في مادته الثالثة على تعهد الدول الاطراف بضمان مساواة الذكور والاناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها فيه.

وهذا التعميم يخالف اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة التي انضم اليه لبنان بموجب قانون رقم 572 تاريخ 24/07/1997، التي تؤكد على هذا الحق كالمادة 11 التي توجب على الدول الاطراف ان تتخذ جميع ما تقتضيه الحال للقضاء على التمييز ضد المراة في ميدان العمل، تكفل لها على اساس تساوي الرجل والمراة نفس الحقوق لا سيما:
"الحق في المساواة في الاجر بما في ذلك الاستحقاقات :
والمادة 13: الحق في الاستحقاقات الاسرية..
فيكون التعميم فيما ذهب اليه مخالفا لاحكام الدستور والاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية التي اشرنا اليها ويخالف ايضا لما قصده المشرع بالنسبة لقانون الضمان الاجتماعي فيكون القرار موضوع التعليق في محله القانوني. فلا يدع مجالا لاي اختلاف حول هذا الموضوع سواء بالنسبة للقضاء  او بالنسبة للصندوق الوطني الاجتماعي  ولا يفيد ازواجهن من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي دون أي شرط عليهن كما سبق وشرحنا. وليس فقط بالنسبة لمن يصدر قرار لمصلحتها.

- نجدها مناسبة لتسليط الضوء على بعض المواضيع خارج اطار القرار موضوع التعليق، والتي تعتبر مجحفة بحق المراة المضمونة بسبب تمييز الرجل المضمون عليها.
فالمادة 14 من قانون الضمان الاجتماعي تميز بين زوجة المضمون الشرعية بحيث تكون مشمولة بالضمان.
اما زوج المضمونة فلا يكون مشمولا بالضمان الا اذا كان قد بلغ الستين عاما مكتملة. او الذي يكون غير قادر على تامين معيشته بسبب عاهة جسدية او عقلية.
وكذلك المادة 46 من ضمان التي تحدد المستفيدين من التعويضات العائلية فتحدد الفقرة ج من البند 2: "عن الزوجة الشرعية التي تقيم في البيت اذا لم تكن تزاول عملا ماجورا".

يتضح مما سبق بيانه التمييز والتفريق على اساس الجنس فزوج المضونة غير منتسب للضمان، لا يعتبر مشمولا بالضمان الا اذا تحققت شروط لا يفرضها بالنسبة لزوجة المضمون فهاتان المادتان مخالفتان للدستور اللبناني وللاتفاقيات  والمواثيق الدولية والشرعات والعهود الدولية اخصها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية النافذ منذ 3/11/76 والذي انضم اليه لبنان واتفاقية حول حقوق الطفل بالقانون20 تاريخ 20/11/91. واحكام العمل الدولية رقم111 تاريخ 25/6/77، واخرها اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة خاصة المادة 11 و 13.

- تجدر الاشارة الى المادة 16 من قانون الضمان الاجتماعي ايضا التي تنص على مايلي: "'علاوة على ما تقدم ومن اجل استفادة المضمونة او احد افراد عائلتها من تقديمات الامومة يجب ان تكون المضمونة منتسبة للضمان منذ عشرة اشهر على الاقل قبل الموعد المفروض للولادة.
بينما لا يفرض شرط الانتساب لمدة عشرة اشهر المذكورة بالنسبة للرجل المضمون كي تفيد زوجته او احد افراد عائلته من تقديمات الامومة، هذا النص مخالف للدستور والعهود والاتفاقات والمواثيق الدولية السابق ذكرها.
مما يستوجب تعديل هذا النص بحيث يعامل المراة المضمونة كالرجل المضمون.

لو عرضت مثل هذه المشاكل على القضاء غير مقيد بالنصوص الواردة في قانون الضمان الاجتماعي لانه وفقا لاحكام المادة2 اصول محاكمات مدنية على المحاكم ان تتقيد بمبدا تسلسل القواعد، فتطبق الدستور او المعاهدات الدولية ذلك انه عند تعارض احكام المعاهدات الدولية مع احكام القانون العادي (هنا قانون الضمان الاجتماعي)، تتقدم في مجال التطبيق الاولى على الثانية.

اننا نرى انه من الافضل الغاء التعميم رقم 112 الصادر عن الصندوق الوطني الاجتماعي والتقييد بشرح الهيئة العامة لمحكمة التمييز موضوع التعليق، وتعديل احكام  قانون الضمان الاجتماعي بما يراعي الدستور اللبناني واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد  المراة وغيرها من الاتفاقات والمواثيق والعهود الدولية التي انضم اليها لبنان او صدق عليها، لناحية المساواة بين الرجل المضمون والمراة المضمونة (بالنسبة لكل ما سبقت الاشارة اليه) فيفيد زوج المضمونة غير المنتسب للصندوق الوطني  للضمان الاجتماعي من عطاءات الضمان اسوة بزوجة المضمون دون أي تمييز، كذلك عدم فرض اية شرط على المراة ولا تفرض على الرجل كما في نص المادة16، وذلك احقاقا للعدالة الاجتماعية وتخفيفا عن المتقاضين من الجهد والوقت والمال فلا تضطر كل مضمونة ترغب في الحصول على حقوقها لمراجعة القضاء.

واحقاقا لمبدا المساواة بين الناس بحيث تحصل جميع المضمونات على نفس الحقوق وليس فقط من تراجع القضاء.
اضف الى ذلك التخفيف عن القضاء، من اغراقه في مثل هذه الدعاوي لذلك فاننا نناشد المجلس النيابي تعديل النصوص الواردة في القوانين المدنية والجزائية المجحفة بحق المراة ومن بينها الواردة في قانون الضمان الاجتماعي (1) . التي سبقت الاشارة اليها.
 كما نكرر مناشدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الغاء المذكرة الاعلامية 112 والتقييد بالتفسير الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز موضوع التعليق .

(1)    سبق ان قدمنا مجموعة مشاريع قوانين وذلك منذ اكثر من ست سنوات ومن بينها ما يتعلق بقوانين الضمان الاجتماعي وقد تم تبنيها من قبل مجلس نقابة المحامين في الشمال وتم عرضها على المجلس النيابي ووعدنا بانه تم تحويلها الى اللجان النيابية وقد جرى تعديل اوالغاء بعض القوانين المجحفة بحق المراة ونحن بانتظار المجلس النيابي تحقيق الباقي.

مجلة المحاكم المغربية عدد 87، ص 218
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم :