-->

استعمال المشترك لجهاز الفارز 2m في المقهى



استعمال المشترك للجهاز الفارز M2 في مقهاه، ولفائدة الرواد فيه خرق للبند الرابع من عقد الاشتراك المانع من ذلك، يجعله ملزما بتعويض الاضرار المادية والمعنوية الناتجة عن ذلك.

باسم جلالة الملك
اصدرت المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي عين السبع يوم 27/4/1994 في جلستها العلنية الحكم الاتي نصه:
بين شركة الدراسات والانجازات السمعية البصرية القناة الثانية دوزيم مقرها الاجتماعي كلم 7.3000 طريق الرباط عين السبع الدار البيضاء ينوب عنها ذ/ اعظيم الحسين المحامي بهيئة البيضاء.
وبين السيد - سمق عبد الالاه القاطن بمقهى مليلية وشارع انمغولا الزنقة 4 رقم 129 حي ياسمينة - الدار البيضاء.

بناء على المقال الذي تقدمت به المدعية  بكتابة  ضبط  هذه المحكمة بتاريخ 1/3/94 المؤدى عنه الصوائر القضائية بوصل عدد 868.402، والذي تعرض فيه انها تعتبر اول قناة خاصة بالمملكة وتبث نوعين من البرامج،  الاول  بالواضح  ولكافة  المشاهدين  ولفترات محددة في اليوم، والثاني بالمرموز، ولن يتأتى الاستفادة منها الا لأولئك الذين يتوفرون على جهاز الفارز، وتربطهم بها عقدة اشتراك مقابل  اداءات  شهرية محددة في 180.00 درهم، علاوة على ضمانة لحيازة ذلك الفارز تقدر ب 600.00 درهم،  وان العقدة الرابطة مع كافة المنخرطين لديها، تتضمن العديد من  البنود ، والتي يتعين على المنخرطين الموقعين لها احترامها، على انها اصبحت تشكل قانونا بالنسبة  لمنشئيها  طبقا للفصل 230 ق ل ع. ونجد ان البند 4 من العقدة ، الذي  جاء  تحت  عنوان ملكية الفارز،  ينص  على  ما يلي : "  ان الفارز  يركب  عند المشترك  من اجل استعماله الخاص والشخصي ولجهاز تلفزي واحد" وانه يتبين لها في الآونة الأخيرة، عدم احترام هذه البنود من طرف بعض المنخرطين، الذين عمدوا الى  استعمال  جهاز  الفارز، في بعض المقاهي ولعامة الناس، وفي هذه مخالفة واضحة للبند 4 الوارد اعلاه ولاثبات  ذلك  فقد  تقدمت  امام  السيد  رئيس  المحكمة  بطلب  رام  الى  اجراء  معاينة واستجواب، فتح له ملف عدد 93/848، التمس فيه انتداب  احد  الأعوان  لاثبات  هذه الحالة وبالفعل فان السيد مامور الاجراءات المنتدب، انتقل الى مقر المعني، وعاين بشكل لا مراء فيه، استفادة هذه الأخيرة من فترة الارسال المرموز، التي تبثها، وان هناك العديد من الزبناء يستمتعون ببرامجها بدون موجب حق وانها عمدت احتراما منها لمقتضيات الشروط العامة للاشتراك، الى توجيه رسالة مضمونة مع الاشعار بالاستلام، الى المدعى عليه تشعره بصورة رسمية، بانها اختارت فسخ عقدة الاشتراك الرابطة بينهما، لخرقه لاحد البنود، مضيفة على الفسخ الطابع القضائي، اذ لجات الى السيد رئيس المحكمة الابتدائية لحي المحمدي عين السبع ملتمسة فسخ عقدة الاشتراك وارجاع الفارز، ومن ثمة يكون الفعل الذي قام به المدعى عليه، مخالف تمام المخالفة للشروط العامة للاشترك، وسبب لها في اضرار مادية جسيمة واخرى معنوية، لا تقل جسامة، تتمثل في اختلاس الصورة التي تبثها ضمن قناتها، وانها تؤسس دعواها على مقتضيات الفصل 78 ق ل ع. ان مسؤولية المدعى عليه ثابتة في حقه. وواقعة الضرر محققة، الى جانب توافر شرط الخطأ. وان المقهى تستفيد من فترة المرموز هذه منذ ابرام الاشتراك في 27/1/1993، والتمس الحكم على المدعى عليه، باداء مبلغ 80000,00 درهم كتعويض عن الضررين المادي والمعنوي، مع الفوائد القانونية، من تاريخ ابرام العقدة، مع اشهار الحكم المنتظر ضده في الجرائد الوطنية التالية ( الراي، وصباح الصحراء العربية مع تحميله مصاريف الاشهار والترجمة مع النفاذ المعجل وتحديد مدة الاكراه البدني في الاقصى وتحميل المدعى عليه الصائر.
وحيث ادرجت القضية بجلسة 20/4/1994 حضر نائب الطرف المدعية وادلى بالوثائق التالية :
عقدة اشتراك
محضر المعاينة والاستجواب
نسخة من الشروط العامة للاشتراك
رسالة فسخ
واكد المقال وتخلف المدعى عليه ورجع مرجوع الاستدعاء بعبارة رفض الطي، من طرف احد المستخدمين، فتقرر حجز القضية للمداولة للنطق بالحكم سنة 27/4/94.

وبعد المداولة طبقا للقانون.
من حيث الشكل
حيث ان المقال مستوفي لكافة الشروط الشكلية مما يتعين معه التصريح بقبوله:
من حيث الموضوع:
حيث التمست المدعية الحكم على المدعى عليه، باداء مبلغ 80.000,00 درهم كتعويض على الضرر المادي والمعنوي، الذي اصابها من جراء الاستعمال اللاقانوني لجهاز الفارز، مع الفوائد القانونية منذ تاريخ ابرام العقد، مع اشهار الحكم بالجرائد الوطنية وشمول الحكم بالنفاذ المعجل، وتحديد مدة الاكراه البدني في الاقصى، وتحميل المدعى عليه الصائر.
وحيث تخلف المدعى عليه ورفض تسلم الطي.
وحيث ان الفصل 4 من عقد الاشتراك، ينص على "ان الفارز يركب عند المشترك من اجل استعماله الخاص والشخصي، ولجهاز تلفزي واحد، تحت طائلة فسخ الاشتراك ومتابعة قضائية".
وحيث برجوع المحكمة الى محضر المعاينة والاستجواب المدلى به، لاحظت ان المدعى عليه استعمل الفارز بالمقهى ولكافة روادها.
وحيث ان العقد شريعة المتعاقدين.
وحيث ان المدعى عليه استغل برامج المدعية لتحقيق ارباح وبالتالي تاجر فيها، كما انه الحق ضررا ماديا بالمدعية، يتجلى في كونه ساعد  على تقليص عدد المنخرطين، الذين اصبح أمامهم الذهاب الى المقاهي للتمتع ببرامج المدعية، وبالإضافة الى ذلك فان المدعى عليه بهذا الفعل، قد اثر على سمعة المدعية معنويا، اذ سمح لنفسه بتقديم برامج ومواد مملوكة للغير دون اذنه.
وحيث ان الفصل 78 ق ل ع ينص على : "ان كل شخص مسؤول عن الضرر المادي والمعنوي الذي احدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه ايضا.
وحيث ان عناصر المسؤولية وهي الخطا والضرر والعلاقة  السببية جميعها متوفرة بصور جلية، اذ ان قيام المدعى عليه باستغلال الفارز لغرض تجاري، الحق ضررا ماليا ومعنويا بالمدعية.
وحيث ان قيام المدعى عليه بذلك، يحتم عليه اداء تعويض الاصلاح لذلك الضرر.
وحيث ان المحكمة وفي اطار السلطة التقديرية ترى حصر هذا التعويض في مبلغ 26.000.00 د.
وحيث ن طلب نشر الحكم بالجرائد الوطنية، الهدف منه حسب المدعية، حث المنخرطين على احترام بنود العقد، التي التزموا بها، وكذلك توضيح الأثار المترتبة عن خرقها وهذا هدف مشروع ولا يوجد نص يمنعه مما يتعين الاستجابة لطلب نشر الحكم.
وحيث ان عناصر الفصل 147 ق م. غير متوفرة مما يتعين رفض طلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
وحيث ان خاسر الدعوى بتحميل الصائر.
وتطبيقا للفصول 1 و32 و50 و124 و147 ق م م والفصل 230 ق ل ع.

لهذه الاسباب
حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وغيابيا
من حيث الشكل : قبول الطلب.
1من حيث الموضوع: باداء المدعى عليه السيد  سمق عبد الاله للمدعية شركة الدراسات والتجارات السمعية البصرية - صورياد- مبلغ 26.000,00 درهم كتعويض عن الاضرار المادية والمعنوية مع الفوائد القانونية منذ تاريخ هذا الحكم الى يوم الاداء، نأذن بنشر هذا الحكم في جريدتين وطنيتين العلم وصباح الصحراء وذلك بعد صيرورة الحكم نهائيا.
تحميل المدعى  عليه مصاريف الدعوى وكذلك مصاريف النشر والترجمة.
تحديد مدة الاكراه البدني في الادنى في حالة عدم الاداء.
عدم شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة اعلاه.

المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي عين السبع
حكم رقم 499 - بتاريخ 27/4/1994 - ملف رقم 298/94.
-------------------------------------------------------



التعليق
 الدكتور محمد الكشبور
أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق - الدار البيضاء


تقديم
بتاريخ 27 ابريل1994، اصدرت المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي - عين السبع حكما ابتدائيا لصالح القناة الثانية (2M)، نشر بالكامل بجريدة العلم الصادرة في يوم الخميس 12 يناير1995 تحت عدد 16330.
ونظرا للاهمية البالغة التي يكتسيها هذا الحكم القضائي، من حيث اثاره السلبية جدا، على فئة عريضة من المواطنين المتعاقدين مع شركة صورياد  SOREAD، صاحبة القناة الثانية دوزيم 2M ، ارتأينا ان نذيله بتعليق ننشره بدوره في مجلة قانونية، تعميما للفائدة اولا ومن اجل خلق حوار قانوني رصين، على هذا المستوى ثانيا، آملين انارة الطريق امام قضائنا الفتي، الذي ما زال يبحث عن نفسه في قضايا هامة، ثالثا.
نذكر ان هذا الحكم قد كان محلا لتعليق انجزه الاستاذ محمد الفروجي نشر بجريدة العلم الصادرة في يوم السبت 18 فبراير1995، تحت عنوان: ( حقوق" دوزيم" وحقوق المنخرط من خلال التعليق على حكم قضائي).
ونذكر كذلك ان هذا التعليق، قد كان محل رد من جانب الاستاذ سعيد العثماني نشر بجريدة العلم الصادرة في يوم السبت 25 فبراير1995 حمل العنوان الاتي: " دوزيم محقة في التعويض ونشر الاحكام".

أولا - وقائع الدعوى :
تقدمت المؤسسة صاحبة القناة الثانية(2M) بواسطة محاميها السيد . الى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التابعة لعمالة الحي المحمدي - عين السبع بمطلب، تدعي من خلاله انه قد سبق لها ان ابرمت مع المدعى عليه السيد ... عقدا  ينص في  فصله الرابع، والذي جاء تحت عنوانه ملكية الفارز Décodeur، على ما يلي :
"ان الفارز يركب عند المشترك من اجل استعماله الخاص والشخصي ولجهاز تلفزي واحد .."
وان المدعى عليه - حسب ما جاء في مطلب الشركة المدعية - لم يحترم هذا البند الصريح المضمن في عقدة الاشتراك، حيث عمد الى استعمال الفارز في مقهى له بالحي المحمدي، يستفيد منه كل من هب ودب من رواد هذه المقهى، طبقا لما اثبتته المعاينة التي أنجزها أحد  أعوان كتابة الضبط التابعة للمحكمة الابتدائية اعلاه، بالاعتماد على مقتضيات الفصل 67 وما يليه من قانون المسطرة المدنية.

وبعد عرض هذه الوقائع، طالبت الشركة المدعية من المحكمة بان تحكم لها بما يلي :
1- التعويض عن الضرر المادي والضرر المعنوي، الذي اصابها من جراء خرق العقدة الرابطة بين الطرفين.
2- اشهار الحكم بجريدتي الراي وصباح الصحراء المغربية مع تحميل المدعى عليه بمصاريف الاشهار والترجمة.

ثانيا - موقف المحكمة :
بعد استخلاص وابراز المحكمة لوقائع النزاع، وتكييف هذه الوقائع اصدرت حكمها المشار الى مراجعه اعلاه، نكتفي بالوقوف هنا عند منطوقة فقط، ما دام ان التعليق يرتكز عليه وحده.
" حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وغيابيا :
من حيث الشكل : قبول الطلب.
من حيث الموضوع: باداء المدعى عليه السيد للمدعية شركة  الدراسات والتجارات السمعية البصرية صورياد - مبلغ 26.000.00 درهم كتعويض عن الاضرار المادية والمعنوية مع الفوائد القانونية منذ تاريخ الحكم الى يوم الاداء. ونأذن بنشر هذا الحكم في جريدتين وطنيتين العلم وصباح الصحراء، وذلك بعد صيرورة الحكم نهائيا.
تحميل المدعى عليه مصاريف الدعوى  وكذلك مصاريف النشر والترجمة.
تحديد مدة الاكراه البدني في الادنى في حالة عدم الاداء.
عدم شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
وبهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة اعلاه "

ثالثا - مناقشة الحكم :
لن نستطيع مناقشة هذا الحكم القضائي، في كل جوانبه الواقعية والقانونية، لان الوقت لا يسمح لنا بذلك، وانما يكفي بالوقوف عند بعض الاشكالات القانونية، التي يطرحها والتي نرى انها تتميز في نظرنا باهمية خاصة.

1- تكييف مسؤولية المتعاقد.
لعل اول ملاحظة تثير انتباه وفضول من يطلع على فحوى هذا الحكم القضائي ان شركة صورياد قد أسست دعواها، من اجل المطالبة بالتعويض من الناحية القانونية على مقتضيات الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود.
والفصل 78 هذا قد ضمن بالباب الثالث من القسم الاول من الكتاب الاول من قانون الالتزامات والعقود الذي خصصه المشرع للالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشاه الجرائم، وقد نص على انه :
" كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي او الضرر المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه ايضا وذلك عندما يثبت ان هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الاثر.
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، او فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر"
وعليه، فاننا نستنتج، انطلاقا من مجال هذا النص التشريعي ومن مفهومه العام، انه يحكم المسؤولية التقصيرية، المبنية على الفعل او الخطأ الشخصي،  الواجب الإثبات من جانب المضرور، مما يترتب عليه، حالة تحقق شروط هذه المسؤولية كاملة - وهي الخطا والضرر وعلاقة السببية بينهما - الحكم على مرتكب الخطا المحدث للضرر، بتعويض عن هذا الضرر- وسواء أكان ماديا او معنويا - حسب ظروف كل نزاع على حدة، بكيفية عادلة، او على الاقل بكيفية اقرب الى العدالة.
والشركة المدعية، وهي تؤسس دعواها على مقتضيات الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود، من جهة اولى، تؤكد ان الخطأ الذي يعزى الى المدعى عليه، يتمثل في خرق البند الرابع من العقدة، التي تربط بين الطرفين، وهما المدعية والمدعى عليه، من جهة ثانية.

ومن البديهي ان خرق بند من بنود العقد، مثل الحالة التي نحن بصدد البحث فيها، وطلب التعويض بناء على هذا الخرق انما هي مسالة يجب ان تندرج عموما، في اطار احكام المسؤولية العقدية، وليس المسؤولية التقصيرية، وبالتالي فقد كان من المحتم، تاسيس الدعوى بناء على الفصل 230 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود، وليس بناء على الفصل 78 من نفس القانون وأعتقد ان هذه مسالة لا تحتاج الى كبير عناء لفهمها وإدراكها.

وفي الحقيقة، فان التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، ليس تمييزا نظريا فحسب، وانما تمييز تترتب عليه اثار عملية ذات اهمية كبيرة. ولان المقام لا يسمح لنا بالدخول في تفاصيل هذه الاثار، فاننا نفضل الاحالة على المراجع المتخصصة في هذا الصدد. (1).
------------------
1) ولعل من أهم الفوارق والآثار التي تترتب عادة على التمييز بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية، نذكر بالخصوص ما يلي :
1- من حيث الأهلية :
بالنسبة للمسؤولية العقدية يشترط المشرع كمال الأهلية لصحة أغلبية العقود المدنية ( الفصل الثاني ق ا ع)
أما في المسؤولية التقصيرية فإنما يكتفي عادة بأهلية التمييز ( الفصل 96 ق ا ع)
2- من حيث الإثبات :
في المسؤولية الناتجة عن العقد يتحمل المدين عادة عبء إثبات انه أدى التزاماته العقدية بعد ان يثبت الدائن. وجود عقد صحيح يربط بين الطرفين المتنازعين ( الفصل 234 ق ا ع) اما في المسؤولية التقصيرية فالدائن هو الذي يجبر على إثبات عناصر المسؤولية التقصيرية كما يحددها الفصلان 77 و78 ق ا ع ما لم تكن المسؤولية مفترضة كما هو الحال بالنسبة للفصل 88 ق ا ع بشان المسؤولية عن حراسة الأشياء حيث يفترض الخطأ في جانب الحارس.
3- من حيث الاتفاق المسبق على الإعفاء من المسؤولية:
ان الاتفاق المسبق بشان الإعفاء من المسؤولية مسالة تجور مبدئيا في المسؤولية العقدية ( الفصل 232 ق أ ع) وتمنع مبدئيا في المسؤولية التقصيرية ( الفقرة الأخيرة في الفصلين 77 و78  ق ا ع).
ذلك ان المسؤولية الاولى تجد أساسها في مبدأ سلطان الإرادة لذلك فالقاعدة  انها لا تتعلق بالنظام العام اما الثانية فتحد أساسها في أوامر المشرع، لذلك فهي تتصل بجوهر النظام العام.
4- مدى تعويض الضرر:
في اطار المسؤولية العقدية، لا يشمل التعويض الا الضرر المباشر المتوقع الحصول ( الفصل 264، ق ا ع) اما في المسؤولية التقصيرية فيتم التعويض عن أي ضرر مباشر، سواء كان متوقعا ام غير متوقع ( الفصل 98 ق ا ع ) ومن هذه الناحية تكون احكام المسؤولية التقصيرية اكثر فائدة بالنسبة للمضرور من احكام المسؤولية العقدية.
5- من حيث التضامن :
في اطار مبادئ المسؤولية العقدية، لا يثبت التضامن بين المدينين، الا بالاتفاق الصريح المضمن في العقد (الفصل 164 ق ا ع) اما في اطار مبادئ المسؤولية التقصيرية فالتضامن في بعض الحالات مفترض بحكم القانون( الفصل 99 و100 ق ا ع )
6- من حيث الاعذار:
في مجال المسؤولية العقدية، فالقاعدة انه يشترط إعذار المدين في شان قيامه بالتزاماته العقدية، الا في بعض الحالات الاستثنائية (الفصلان 255 و256 ق ا ع)، اما في المسؤولية التقصيرية فلا اعذار طبقا للقواعد العامة.
7- من حيث التقادم :
تتقادم دعوى المسؤولية العقدية، بمرور مدة خمس عشرة سنة، مع تقرير استثناءات عديدة ( الفصل 387 ق ا ع وما يليه)، اما في المسؤولية التقصيرية فمنها ما يتقادم بخمس سنوات، ومنها ما يتقادم بعشرين سنة، حسب الاحوال ( الفصل 106 ق ا ع )
ولمزيد من الايضاح، انظر:
عبد الرزاق احمد السنهوري، " الوسيط في شرح القانون المدني الجديد"، الجزء الاول، دار النهضة العربية بالقاهرة 1964، ص 848 وما بعدها =
--------------------
غير ان الذي لابد من الاشارة اليه  ان المشرع المغربي، ومن خلال نصوصه الصريحة، قد ميز تمييزا واضحا، بين احكام كل من المسؤولية التقصيرية ( الفصل 77 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود) المسؤولية العقدية ( الفصل 228 وما يليه من نفس القانون). وبالاضافة الى ما سبق بيانه، فقد نص الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية على انه :

" يتعين على القاضي ان يبث في حدود طلبات الاطراف ولا يسوغ له ان يغير تلقائيا موضوع او سبب هذه الطلبات، ويبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة، ولو لم يطلب الاطراف ذلك بصفة صريحة".
وفي اعتقادنا، فان المحكمة الابتدائية، التابعة لعمالة الحي المحمدي، عن السبع، لم تحترم موقف المشرع المغربي اعلاه، والذي يتبنى ازدواجية المسؤوليتين التقصيرية والعقدية، كما انها خرقت مقتضيات الفصل الثالث اعلاه، عندما ما لم تنظر في النازلة طبقا للقانون النافذ، ذلك ان هذه المحكمة قد اعتمدت في حيثياتها على الفصل 78 ق ا ع وفي منطوقها على الفصل 230 ق اع ومثل هذا الخلط غير جائز فقها وتشريعا وقضاء. (1).
------------------------
= حسين عامر وعبد الرحمان عامر المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية، دار المعارف بالقاهرة 1979 ص 14 وما بعدها.
لاخذ فكرة شاملة عن الفكرة في القانون المقارن، انظر:
A - Tonc. La responsabilité civile. Economica. Paris 1981. P 32 et suiv.
1) يقول الفقيه عبد الرزاق احمد السنهوري وهو بصدد تحليل هذه النقطة بالذات:
" بعد ان  بينا وجوب التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، وحددنا نطاق كل من المسؤوليتين، وجب ان نوجه فرضا يتفق في كثير من الاحيان، وهو ان يتوفر في العمل الواحد شروط المسؤولية العقدية  وشروط المسؤولية التقصيرية في وقت معا. ويعرض في صدد هذا الفرض سؤال اول لا يحوم أي شك في الجواب عليه، وهو هل يجوز للدائن الذي اصابه ضرر بسبب هذا العمل ان يجمع بين المسؤوليتين في الرجوع على المدين.
لا شك في ان الدائن لا يجوز له الجمع بين المسؤوليتين في الرجوع على المدين اذ الجمع باي معنى فهم هذا اللفظ غير مستساغ.
قد يفهم الجمع بمعنى ان الدائن يطالب بتعويضين،  وتعويض عن المسؤولية وتفويض عن المسؤولية التقصيرية وهذا غير مستساغ، لان الضرر الواحد لا يجوز تعويضه مرتين.
وقد يفهم الجمع بمعنى ان الدائن يطالب بتعويض واحد، لكن يجمع في دعوى التعويض بين ما يختاره من خصائص المسؤولية العقدية، كأن يطالب المدين بانه باثبات انه قام بتنفيذ التزامه، ومن خصائص المسؤولية التقصيرية كأن يطالب المدين بتعويض عن الضرر غير المتوقع او يتمسك ببطلان الاعفاء الاتفاقي من المسؤولية وهذا ايضا غير مستساغ. فان كلا من دعوى التعويض العقدية، ودعوى التعويض التقصيرية لها خصائصها. والدائن لا يستطيع ان يرفع الا احدى الدعويين. اما الدعوى التي يخلط فيها ما بين خصائص كلتا الدعويين فهي ليست بالدعوى العقدية و ولا بالدعوى التقصيرية، بل هي دعوى ثالثة لا يعرفها القانون.
وقد يفهم الجمع بمعنى ثالث، هو ان الدائن اذا رفع احدى الدعويين فخسرها يستطيع ان يرفع الدعوى الاخرى. لكن الفقه بخلاف القضاء الفرنسي مجمع على ان قوة الشيء المقضي تحول دون ذلك. فلا يسوغ الجمع حتى بهذا المعنى .."
------------------------------
ونشير فقط الى ان محامي الشركة قد جر المحكمة عن طريقة اقحام الفصل 78 السالف الذكر في مطلب الدعوى، الى الحكم لصالح الشركة المدعية بتعويض مادي وبتعويض معنوي، بكيفية اعتقد انها بريئة، ما دام ان اغلبية المهتمين بالقانون، من قضاة ومحامين، قلما يأبهون للتمييز اعلاه، على الرغم من اهميته.

2- التعويض عن الضرر المعنوي في مجال المسؤولية العقدية :
الضرر الادبي او المعنوي كما يسميه البعض احيانا، هو الضرر الذي يصيب الانسان في ناحية ادبية، كالضرر الذي يمس الاحساس او الكرامة او السمعة او الشرف او الاعتبار او العاطفة (1) وحسب الفقيه سافاتيي هو كل ألم انساني لا ينجم عن خسارة مالية" (1 مكرر).
وقد يكون الضرر الادبي او المعنوي ضررا مستقلا بذاته، أي غير مصحوب بضرر مادي، وقد يكون الضرر الادبي او المعنوي، ناتجا عن ضرر مادي ومصاحب له، ومن ذلك مثلا الضرر النفسي، الناتج عن التشويه المتخلف عن اصابة جسدية، يرتكبها احد الاغيار، او الضرر الذي يصيب مثلا عاطفة الورثة، نتيجة لفقدان ابيهم او امهم في حادثة ما.
---------------------------
وفيما يتعلق بمسالة امكانية او عدم امكانية الخبرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، يقول المرحوم عبد الرزاق احمد السنهوري :
" الجمع اذن غير مستساغ في أي معنى من معانيه، ومن ثم نرى عدم الدقة في التعبير عندما يقال هل يجوز الجمع بين المسؤوليتين او لا يجوز؟ فهذا السؤال لا يحتمل الجواب عليه شكا، اذ الجمع قطعا لا يجوز، ولكن الشك يقوم اذا أبدل بلفظ " الجمع" Cumul لفظ الخيرة Option فقيل هل تجوز الخبرة بين المسؤوليتين ؟ ويراد بهذا ان يقال هل يجوز للدائن ان يختار الدعوى التي يراها اصلح. على انه اذا اختار اصلح الدعويين تقيد بها، فلا يلجا الى الدعوى الاخرى حتى ولو خسر الدعوى التي اختارها وهذا هو الذي تقصد اليه جمهرة الفقهاء عندما يقولون في غير دقة هل يجوز الجمع ما بين الدعويين، والاجابة على هذا السؤال في وضعه الصحيح تقسم كل من الفقه والقضاء الى فريقين متعارضين، ففريق يقول ان للدائن ان يختار بين الدعويين، وفريق اخر يقول ان دعوى المسؤولية العقدية تجب دعوى المسؤولية التقصيرية، فلا يصح للدائن ان يرفع غير دعوى المسؤولية العقدية، ويمتنع عليه ان يرفع دعوى المسؤولية التقصيرية.."
الوسيط في شرح القانون المدني. نظرية الالتزام بوجه عام مصادر الالتزام (1)، دار النهضة العربية بالقاهرة، 1964، ص 857 و858.
ولمزيد من الايضاح حول هذا الموضوع، انظر:
حسين عامر وعبد الرحيم عامر، م. س. ص 104 وما بعدها.
حسين عكوش. "المسؤولية المدنية في القانون المدني الجديد" مكتبة القاهرة الحديثة 1972.
A. brun - Rapports et domaines des responsabilité contractuelle et délictuelles- théses lyon 1931.
Meignié. Essai d'une délimitation des responsabilités contractuelles et délictuelles. Thése lille 1924.
1) عبد الرزاق احمد السنهوري م س ص
1   مكرر            R. Savatier. Traité de la responsabilité civile français T Il n 525 paris 1951.
--------------------------
وبعد نوع من التردد، تقرر - على مستوى التشريع والقضاء والفقه - ان الضرر الادبي يجب ان يعوض عنه (1) لا بكيفية رمزية ولكن بكيفية كاملة مثله في ذلك مثل الضرر المادي سواء بسواء. وقد سبق للمجلس الاعلى ان اتخذ بدوره نفس الموقف (2).
-------------------------
1) ان من بين الاعتراضات التي قال بها جانب من الفقه بشان التعويض عن الضرر المعنوي ان هذا النوع من الضرر يفترض انه غير مادي، ومن ثم يستحيل تعويضه ماديا بعلة ان الضرر المعنوي لا يلحق بالمضرور اية نتائج مالية، ولا ينقص من ذمته أي شيء، ولذلك فهم يقولون ان الضرر المادي هو الضرر المالي، والضرر المعنوي هو الضرر غير المالي.
ويخلص أنصار هذا الراي الى ان الضرر المعنوي لا يمكن تعويضه ماديا لاستحالة تقديره نقدا، وحتى لو منحنا المضرور ضررا معنويا مبلغا نقديا، كتعويض عن الالم والحزن، او الضرر الجمالي، فان ذلك لا يقضي على الالم ولا يمحو الحزن ولا يرد  الجمال الضائع.
ولقد ذهب مثلا بودري لاكونتيري وبارد في مؤلفهما حول الالتزام، الى انه يستحيل بدون خرق المبادئ العامة للمسؤولية المدنية ضمان تعويض الضرر المعنوي معللين ذلك بانعدام الفائدة من الحكم على المسؤول عن الضرر بدفع تعويض للضحية، خاصة اذا كنا امام ضرر معنوي بحت، اذ كيف يمكن للمبلغ النقدي ان يمحو الضرر ويزيله، طالما ان هذا النوع من الضرر لا يتصف اساسا بالطابع المادي.
ان كافة اعداء التعويض عن الضرر المعنوي يركنون الى إثارة الطابع غير الاقتصادي لهذا النوع من الضرر لرفضه، بحجة استحالة محوه، لانه لا يمكن ان يكون اساسا للاتجار بالمال.
وقد سار في هذا الاتجاه فقهاء كبار من امثال سافاتيي في مؤلفه حول المسؤولية المدنية. ولم يقتنع جمهور الفقه والقضاء بهذه الاراء، بل واعتبرها منافية للإنصاف والعدل والاخلاق، وقرروا بان الضرر المعنوي كالضرر المادي، لا يثير اية صعوبة من حيث المبدا،  فكلاهما قابل للتعويض، متى توافرت شروطه، ومن ثم يجب التعويض عن الضرر المعنوي تعويضا نقديا، طالما كان هذا الضرر مشروعا، وفكرة المشروعية تعد بمثابة قيد في مجال الاضرار القابلة للتعويض.
وانظر لمزيد من الايضاح حول هذا الموضوع:
مقدم السعيد التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية المدنية - دراسة مقارنة 1985 دار الحداثة بيروت لبنان ص 80
Abderrahman Gazi, le préjudice morale et sa réparation en droit suisse 1970. Thése Geneve - Imprim. Granchapp. S.A. France.
2) ففي قضية تتعلق الضرر المعنوي الناتج عن وشاية كا    ذبة حكم قضاء موضوع بدرهم واحد كتعويض رمزي.
وقد نقض المجلس الاعلى هذا القرار حيث نص على انه :
" لكن حيث ان التعويض عن الضرر المعنوي على غرار التعويض عن الضرر المادي يجب ان يكون كاملا لا رمزيا.
وحيث ان قضاة الاستئناف عندما اقتصروا على منح درهم رمزي للطاعن على اساس ان التعويض عن الضرر المعنوي ليس الغاية منه النفع المادي، يكونون قد خرقوا مقتضيات الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود وعرضوا قضاءهم للنقض"
قرار صادر عن الغرفة الادارية بتاريخ 10 يوليوز1986، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى، العدد 40 ص 204 وما بعدها.
وقد استقر القضاء الفرنسي على الاخذ بمبدا التعويض عن الضرر المعنوي منذ اوائل القرن التاسع عشر، عندما اصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارها الشهير في 15 يونيو1833 والذي اقرت من خلاله مبدا وجوب التعويض عن الضرر المعنوي.
------------------------------
وتعد المسؤولية التقصيرية، كقاعدة عامة، المجال الخصب الخاص بالتعويض عن الضرر الادبي او المعنوي، وهذا - في اعتقادنا - ما ارتاى المشرع ان يؤكد عليه بكيفية صريحة ضمن مقتضيات الفصلين 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد يبدو من الوهلة الاولى، ان الضرر الادبي او المعنوي، غير محصور في مجال المسؤولية العقدية، وهي التي تترتب عادة، على الاخلال بالتزام عقدي، والمتمثل عادة اما في عدم تنفيذ التزام ناتج عن عقد صحيح، او في التأخر في ذلك التنفيذ او القيام بالتنفيذ، ولكن بكيفية سيئة.

 وعلى الرغم من ذلك، فليس من المستبعد تصور حالات كثيرة في الحياة العملية، قد يتخلف فيها عن المسؤولية العقدية، ضرر ادبي مؤكد، ومن هذه الناحية، فاذا كان الاصل هو ان الشخص يتعاقد على شيء ذي قيمة مالية، فان "هذا  لا يمنع ان تكون هناك مصلحة ادبية للمتعاقد في تنفيذ العقد، فاذا اخل المدين بالتزامه، لحق الدائن من ذلك  ضرر ادبي.
فالراكب اذا اصيب بجرح في اثناء النقل، لحقه ذلك ضرر ادبي في جسمه. والطبيب اذا اساء علاج المريض اصابه كذلك بضرر ادبي في صحته. وقد يذيع الطبيب سرا للمريض لا تجوز اذاعته، فيصيب المريض ضرر ادبي في سمعته. كذلك قد يذيع الوكيل عن موكله ما
------------------------------
= حسب جانب من الفقه فان الفضل في ذلك يرجع اساسا، الى النتائج الهامة، التي توصل اليها المدعي العام دوبان  Dupin، الذي فند الراي الذي كان يرى ان التعويض المدني، لا يكون الا مقابل الاضرار المادية. وابتدا من قرار 15 يونيو1833 السالف ذكره، زال ما خامر المجالس القضائية من تردد، واصبحت لا تقيم اية تفرقة بين التعويض عن الضرر المادي والضرر المعنوي، وكان الهدف من ذلك، هو حماية المصالح التي تشكل الذمة المالية للمضرور، وبذلك استقرت المحاكم الفرنسية نهائيا، على مبدا يقضي بان أي اعتداء على المصلحة المعنوية كاف للمطالبة القضائية.  Un intérêt moral suffit pour agir justice
مقدم السعيد. م. س. ص. 174 وما بعدها
وانظر لمزيد من الإيضاح حول نفس الموضوع:
H. l. Mazeaud et A. Tunc. Traité théorique et pratique de la responsabilité civile en droit français. Tome VI. Paris. 1957. P. 395
H Lalou Traité pratique de la responsabilité civile. Tome I paris. 1972. P. 131 et suiv.
B. Delmas. Le préjudice moral. Thèse de doctorat. Paris. 1939.
وفي مصر استقر الفقه والقضاء على جواز التعويض عن الضرر المعنوي. وقد اكد التقنين المدني الجديد هذا الحكم بكيفية صريحة عندما نص في الفصل 222 منه على انه :
" 1- يشمل التعويض الضرر الأدبي ايضا، ولكن لا يجوز في هذه الحالة، ان ينتقل الى الغير الا اذا تحدد بمقتضى اتفاق، او طالب الدائن به امام القضاء.
2- ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض الا للأزواج والأقارب الى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب.
لمزيد من الايضاح، انظر:
عبد الرزاق احمد السنهوري، م س ص. 985 وما بعدها.
--------------------------------
يؤديه في اعتباره. وقد يشتري شخص تذكارا عائليا، ليست له الا قيمة أدبية محضة بالنسبة اليه. فإذا أخل المدين بالتزامه، كان الضرر الذي يصيب المشتري من جراء ذلك، ضرار أدبيا، والناشر اذا نشر كتابا لمؤلفه فشوهه، قد لا يصيب المؤلف بضرر مادي، ولكن المحقق ان يصيبه بضرر أدبي. والفنان اذا تعاقد مع شخص على عمل فني، ففسخ المتعاقد معه العقد فسخا تعسفيا، قد يرى في هذا الفسخ إضرارا بسمعته، والقطار اذا تأخر عن الوصول في ميعاده، فلم يستطع احد الركاب ان يشيع جنازة عزيز عنده، بسبب هذا التأخير، يكون قد احدث ضررا ادبيا للراكب في عاطفته.." (1).

وأتساءل عن الضرر الادبي او المعنوي الذي اصاب شركة صورياد من جراء خرق او عدم احترام البند الرابع من العقدة، التي تربطها بالمنخرطين، أي المتعاقدين معها، فلا اكاد اعثر عليه، خاصة ان مدعي الضرر، هو عبارة عن شخصية معنوية -  شركة مساهمة - والشخصية المعنوية مجرد فكرة غير محسوسة.

3- القاعدة العامة ان الضرر الأدبي قلما يتصور في الشخص المعنوي :
بالإضافة الى ان الضرر الادبي يصعب تصوره، على مستوى المسؤولية العقدية كما سبق بيانه، فان المدعي في الدعوى، التي نحن بصدد التعليق عليها هو عبارة عن شركة مجهولة الاسم.
فالشركة، متى انعقدت صحيحة، تمخضت عن شخصية معنوية، والشخصية المعنوية مجرد فكرة تستقر في أذهان الناس، دون تحتل حيزا ماديا محسوسا، ودون ان تكون لها احاسيس ومشاعر، وقد عمل الفكر القانوني منذ مدة ليست بالقصيرة، على ابتكار الشخصية المعنوية، للتصدي لبعض المشاكل القانونية التي تطرح على المستوى العملي والتي يصعب تحليلها في هذا المجال الضيق جدا (2).
---------------------------------
1) عبد الرزاق احمد السنهوري م. س. ص 766 و767.
2) انظر لمزيد من الايضاح حول الشخصية المعنوية وحول تاصيلها واساسها في التشريع المغربي والمقارن،
استاذنا احمد شكري السباعي، الوسيط في القانون التجاري والمقارن، شركات، مكتبة المعارف الرباط 1984 ص 74 وما بعدها.
احمد الحوف - الشخصية المعنوية للشركات تجارية في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص. نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء 1991،
ابو زيد رضوان. الشخصية المعنوية بين الحقيقة والخيال. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية السنة العاشرة 1970. العدد الاول ص 217 وما بعدها.
وحول الفكرة في القانون العام، انظر :
مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء 1990 ص 61 وما
بعدها وحول مركز الشخص المعنوي في مجال المسؤولية عموما والمسؤولية الادارية على وجه الخصوص، راجع:
محمد نصر رفاعي، الضرر كأساس للمسؤولية المدنية في المجتمع المعاصر، نشر دار النهضة العربية بالقاهرة، 1977، ص 308 وما بعدها ثم ص 403 وما بعدها ثم ص 485 وما بعدها.
ابراهيم الدسوقي ابو الليل، المسؤولية المدنية  بين التقييد والاطلاق، نشر دار النهضة العربية بالقاهرة 1980 ص 82 وما بعدها.
--------------------------------
واذا كان الشخص المعنوي مجرد خيال لا احساس ولا عاطفة له، فان من الصعب، من هذه الناحية، تصور اصابته بضرر مادي، معنوي او ادبي، وان كان هذا غير مستحيل على المستوى الواقعي والعملي، ومن ذلك مثلا ترويج دعاية مغرضة ضد شركة قصد الاساءة الى سمعتها في السوق التجارية،  او رفع دعوى كيدية عليها بكيفية تهدف الى الاضرار بوضعيتها المالية.
نعم، يمكن الحديث عن ضرر مستقبل او محتمل مفاده ان الافراد،  وعوض ان ينخرطوا في البرامج، التي تقدمها قناة دوزيم بالمرموز، قد يفضلون الذهاب الى المقاهي لمشاهدة برامجها، فتضيع على الشركة فرص كان من المفروض ان تزيد في مداخيلها المالية.

ومن الناحية القانونية، فلا بد من التمييز بين الضرر المستقبل، وهو ضرر لم يقع بعد ولكنه سيقع حتما في المستقبل، وبالتالي فيجب التعويض عنه، والضرر المحتمل وهو ضرر غير محقق الوقوع قد يقع في المستقبل، وقد لا يقع، ومن ثم فلا يتم  التعويض عنه، الا اذا وقع فعلا.  وفي كافة الاحوال، فان على من يدعي ضررا مستقبلا ان يثبته، امام المحكمة لان  البينة على المدعي.

ولعل صعوبة التعويض عن الضرر الادبي او المعنوي، وعدم امكانية التعويض عن الضرر المحتمل في مجال المسؤولية العقدية، تستفاد من القراءة المتانية، لمقتضيات الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود، والذي ينص على انه :
" الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية،  وما فاته من كسب، متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة، التي يجب عليها ان تقدر التعويضات، بكيفية مختلفة،  حسب خطا المدين او تدليسه"
فالنص التشريعي يتحدث عن الخسارة والكسب الحقيقيين، أي الضرر المادي الحال المؤكد، غير ان المبادئ العامة للقانون، تقضي بالتعويض الادبي او المعنوي، متى كان بدوره حقيقيا ومؤكدا، وهذه مسالة لم يبرزها الحكم الذي نحن بصدد التعليق عليه بكيفية واضحة، وهذه المسالة سنقف عندها في الفقرة الموالية.

4- تعليل المحكمة لوجود الضرر الادبي الى جانب الضرر المادي :
بالرجوع الى حيثيات الحكم، قصد الوقوف على الكيفية التي عللت  بها المحكمة الابتدائية، التابعة لعمالة  الحي المحمدي عين السبع، وجود الضرر الادبي الى جانب الضرر المادي، الذي اصاب شركة صورياد المدعية، نجدها تبرر ذلك بما يلي :
" وحيث برجوع المحكمة الى محضر المعانية والاستجواب المدلى بها لاحظت - أي المحكمة ان المدعى عليه استعمل الفارز بالمقهى ولكافة روادها.
وحيث ان العقد شريعة المتعاقدين

وحيث ان المدعى عليه استغل برامج المدعية، لتحقيق ارباح وبالتالي تاجر فيها كما ألحق ضررا ماديا بالمدعية، يتجلى في كونه ساعد على تقليص عدد المنخرطين الذي اصبح امامهم الذهاب الى المقاهي، للتمتع ببرامج المدعية وبالاضافة الى ذلك، فان المدعى عليه بهذا الفعل، قد اثر على سمعة المدعية معنويا، اذ سمح لنفسه بتقديم برامج ومواد مملوكة للغير دون اذنه.
وحيث ان الفصل 78 ق ا ع ينص على ان كل شخص مسؤول عن الضرر المادي والمعنوي، الذي أحدثه لا بفعله ولكن بخطئه ايضا "

وعليه، وبالاضافة الى الخلط البين والواضح بين احكام المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، من خلال هذا الحكم - وهذه مسالة نكتفي بشانها بما سبقت الاشارة اليه- فان المحكمة، وان استطاعت ان تعلل شيئا ما وجود الضرر المادي، فقد استعصى عليها تعليل وجود الضرر الادبي. ولعل مثل هذا الاستعصاء ناتج بالاساس عن صعوبة تصور مثل هذا الضرر الاخير، في الواقعة التي نحن بصددها.

صحيح انه كان على المحكمة ان تبني الحكم بالمسؤولية، على مقتضيات الفصل 230 ق ا ع وحده، وتحكم بالمبلغ الذي حكمت به، جبرا للضرر المادي، الذي يكون قد اصاب الشركة، ومن ثم يستقيم الحكم الصادر عنها، ويظل صحيحا، بدون الحيثيات الزائدة الخاصة بالمسؤولية التقصيرية وبالتعويض عن الضرر الادبي.

5- هل يمكن للجزاء المحكوم به ان يتخذ صورة إشهار الحكم القضائي في بعض الصحافة الوطنية؟
يترتب عادة على العلاقة القانونية، التي تربط بين الدائن والمدين، وجوب قيام هذا الاخير بتنفيذ ما التزام به في العقد، رضاء والا فجبرا عن طريق سلطة القضاء.
والالتزام القانوني الواجب تنفيذه، من جانب الطرف المدين، يتمثل عادة، اما في القيام بعمل او الامتناع عن القيام بعمل او نقل ملكية شيء محدد بذاته.

والقضاء، عندما يتاكد لديه عدم تنفيذه الالتزام العقدي، من جانب الملتزم به، يحكم عليه عادة اما بالتنفيذ العيني للالتزام، واما بتعويض نقدي كمقابل لذلك التنفيذ، حسب طلبات الدائن، وظروف وملابسات كل قضية على حدة.
والحكم الصادر ضد المدين، في أي نزاع كيفما كان مصدره، ينفذ بدوره رضاء الا فقضاء او جبرا عن طريق السلطة العمومية كما أسلفنا. وقد  نظم المشرع المغربي اجراءات التنفيذ الجبري للاحكام القضائية، في الفصول من 428 الى451 من قانون المسطرة المدنية.

وقد بحثت في قانون المدنية عن اصل او سند لنشر الحكم في الصحافة الوطنية، كجزاء مدني إضافي، فلم اجد أي مقتض يمكن الاعتماد عليه، وان كان بعض المهتمين قد بدا لهم انه نوع من التنفيذ العيني(1)
نعم، فقد نص الفصل 48 من القانون الجنائي على ما يلي:
" للمحكمة، في الاحوال التي يحددها القانون، ان تامر بنشر الحكم الصادر عنها بالادانة كلا او بعضا، في صحيفة او عدة صحف تعينها او تعليقه في اماكن تبينها، والكل على نفقة المحكوم عليه، من غير ان تتعدى صوائر النشر،  ما قدرته المحكمة لذلك، ولا ان تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا" (2)
-------------------------
1) تنص المادة 171 من التقنين المدني المصري الجديد على انه :
1- يعين القاضي طريقة التعويض تبعا للظروف، ويصح ان يكون التعويض مقسطا كما يصح ان يكون ايرادا مرتبا، ويجوز في هاتين الحالتين الزام المدين بان يقدم تأمينا.
2- ويقدر التعويض بالنقد، على انه يجوز للقاضي، تبعا للظروف وبناء  على طلب المضرور، ان يامر باعادة الحالة الى ما كانت عليه، أو ان يحكم باداء امر معين متصل بالعمل الغير المشروع وذلك على سبيل التعويض"
ومما جاء في المذكرة الإيضاحية المشروع التمهيدي في صدد هذا النص بالخصوص.
"هذا ويسوغ للقاضي فضلا عما تقدم ان يحكم في احوال استثنائية باداء امر معين على سبيل التعويض. فيامر بنشر الحكم بطريق اللصق على نفقة المحكوم عليه( او يكتفي بان ينوه في الحكم بان ما وقع من المحكوم عليه يعتبر افتراء او سبا..) لتعويض المقذوف في حقه عن الضرر الادبي الذي اصابه. وغني عن البيان ان مثل هذا التعويض لا هو بالعيني ولا هو بالمالي، ولكنه قد يكون انسب ما تقتضيه الظروف في بعض الصور.)
مجموعة الاعمال التحضيرية، الجزء الثاني ص 396 و397.
2) ومن ضمن الحالات التي حددها القانون ما جاء في الفصل 578 بشان العقوبات الاضافية الخاصة بجريمة الاعتداء على الملكية الادبية ونسخها.
ويجوز ايضا للمحكمة ان تامر، بناء على طلب المدعي بالحق المدني، وتطبيقا لاحكام الفصل 48 بنشر الحكم بالمؤاخذة كله او بعضه في صحف تعينها، وبإلصاقه في الامكنة التي تحددها، وخاصة على ابواب مسكن المحكوم عليه بشرط ان لا تتجاوز نفقات هذا النشر الحد الاقصى للغرامة المقررة"
وجاء في الفصل 25 من ظهير15 نونبر1958 بشان قانون الصحافة وهو يتحدث عن الاستدراكات وحق الجواب في الجرائد الوطنية.
" يتعين على مدير النشر ان ينشر مجانا في طليعة العدد المقبل من الجريدة او النشرة، الاستدراكات الموجهة من احد رجال السلطة العمومية في شان اعمال تتعلق بوظيفته تكون الجريدة او النشرة الدورية قد تحدثت عنها بكيفية غير صحيحة".
---------------------------
وان هذا النص التشريعي الذي جاء ضمن العقوبات الاضافية، التي يمكن ان تطبقها المحكمة الزجرية، يحمل بين طياته صيغة عقوبة ذات طابع استثنائي، والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، ولا يقاس عليه. اذن، فما هو الموقف الذي يجب ان نتبناه على مستوى الحكم المدني في هذا الصدد؟

صحيح ان القضاء المدني، قد درج في العديد من القضايا الصادرة عنه،  على اصدار احكام، تلزم المدين بنشر الحكم في الصحافة الوطنية على نفقته، ولعل الحكم الصادر في القضية التي نحن بصدد التعليق عليها الان، خير دليل على ما نقول بهذا الخصوص.

مدى خضوع هذه الدعوى
لكل من ظهير 23 يونيو1916 وظهير29 يوليوز1970:
يقول الاستاذ سعيد العثماني، وهو محام بالهيئة الدار البيضاء، معقبا على تعليق للاستاذ الفروجي على الحكم الذي نحن بصدده ما يلي:
" فالاساس القانوني للدعوى بين القناة الثانية ومنخرطيها لا ينظمه الفصل 77 و78 ق أ ع بل مقتضيات ظهير 23 يونيو1916 المنظم للملكية الصناعية وظهير 29 يوليوز1970 المنظم للحقوق الادبية والفنية وحقوق المؤلف .."

ولابراز الحقوق العائدة لمؤسسة " دوزيم" والمحمية بالظهيرين اعلاه، يضيف الاستاذ سعيد العثماني : " ذلك لان الجهاز الفارز   Le décodeur يفترض اما ان يكون براءة اختراع او نموذج منفعة صناعية، وعند صحة هذا الافتراض " فدوزيم" لها وحدها حق تحديد مجال او شروط استعمال الجهاز والانتفاع بالخدمات بالمرموز.
وكل استعمال يخالف ذلك يعتبر بمثابة مس بحقوق الملكية الصناعية التي تعود ملكيتها " لدوزيم"  وتكون بالتالي المخالفات المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 115 و118 و128 و130 من ظهير الملكية الصناعية.." هي الواجبة التطبيق في الدعوى.

وبطبيعة الحال، فان من ضمن ما يود الباحث الوصول اليه ان الامر بالنشر في الصحافة الوطنية كعقوبة اضافية، بعد التكييف اعلاه، انما يجد سنده القانوني بالخصوص في الفصل 130 من ظهير23 يونيو1916. والذي ينص على انه :
" يمكن  للمحكمة ان تاذن بلصق الحكم في الاماكن التي تحددها تنشره كاملا او ملخصا في الجرائد التي تعينها والكل على نفقة المحكوم عليه"
ونعقب على هذه الاراء فنقول:
" ان براءة الاختراع، وهي عبارة عن ابتكار جديد واصيل، يحدث غالبا تقدما ذا طابع علمي، قابل للاستثمار الصناعي والتجاري (1) ( راجع الفصل 26 من الظهير) غير مطروحة في النزاع الذي نحن بصدد التعليق عليه.
فاذا كان الفارز عبارة عن ابتكار علمي، يمكن ان يمنح  للمبتكر براءة اختراع، فالذي يجب الا يغيب على بال الاستاذ سعيد العثماني، هو ان الفارز الذي تستعمله مؤسسة دوزيم، في نشاطها التجاري، لا يعتبر ملكية لها  تجعلها تستفيد من مقتضيات ظهير23 يونيو1916 بدليل ان الفارز اختراع قديم ومعروف في كل  الدول المتقدمة تقريبا، وعلى راسها الدول الاوروبية  وامريكا وكندا وبعض دول اسيا كاليابان.

فمن الناحية القانونية، وتطبيقا للفصل26 من الظهير اعلاه، فللمخترع وحده ان يستغل براءته تجاريا، وان يتصرف فيها بعوض او بغير عوض، لمدة عشرين سنة فقط، وبعدها يصبح الاختراع ملكا للعموم.
وبالنسبة للملكية الادبية والفنية، فان الأفلام والمسرحيات والاغاني والرقصات، هي ملك لاصحابه او الذين يتمتعون بحماية خاصة بإنتاجاتهم يتضمنها ظهير29 يوليوز1970، ولا دخل في تلك الملكية لمؤسسة "دوزيم" لا من قريب ولا من بعيد (2).

نعم،  يمكن الحديث عن ملكية الاسم التجاري والعلامة التجارية كعناصر للاصل التجاري، الذي تديره مؤسسة " دوزيم" ونستطيع الحديث عن الملكية الادبية، الخاصة ببعض البرامج التي هي من ابتكار وابتداع القناة، غير ان هذه المسالة غير مطروحة بالنسبة للنزاع الذي نناقشه.
--------------------------
1) ولمزيد من الايضاح حول براءة الاختراع، انظر:
استاذنا المرحوم الدكتور علي العبيدي، القانون التجاري المغربي، مطبعة الامنية الرباط  - 1966 ص 207 وما بعدها.
النقيب عبد الله درميش، الحماية الدولية للملكية الصناعية وتطبيقاتها القانونية، اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص. نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء. سنة 1988.
2) ولمزيد من الايضاح راجع كذلك :
محمد الازهر: " حماية حقوق المؤلف في القانون المغربي رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص. نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء 1992.
------------------------
ويضاف الى كل ما سبق انه لا يمكن ان نخضع النزاع  عمليا لظهيرين لكل منهما مجاله القانوني الخاص به.
واخيرا فان شركة صورياد، تقدم خدماتها لجمهورها - المتعاقد معها - بمقابل،  وهي في خدماتها هذه، تستغل براءة اختراع - الفارز - وملكيات ادبية وفنية عائدة كلها للغير، بكيفية  مشروعة، عن طريق العقود التي تبرم مع هذا الغير من حيث المبدا

6- الحكم بالاكراه البدني في المجال التعاقدي والاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الانسان:
بالاضافة الى الحكم بالتعويض، عن الضرر المادي والتعويض عن الضرر المعنوي، حكمت المحكمة بتحديد مدة الاكراه البدني في الادنى، في حالة عدم الاداء (1)
ونقف عند هذه النقطة من المنطوق، لانه قد سبق للمملكة المغربية ان صادقت على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الانسان المؤرخة في 16 دجنبر1966 بواسطة ظهير 3 ماي1979.
وقد نص الفصل 11 من الاتفاقية على ما يلي:
" لا يجوز سجن انسان على اساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي فقط "

وتطبيقا لهذا النص، جاء في حكم حديث للمحكمة الابتدائية بالرباط ما نصه :
" .. وحيث ان طلب تحديد الاكراه البدني لم يعد مشروعا، بعد مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الانسان المؤرخة في 16 دجنبر1966 والمصادق عليها بتاريخ3 ماي1979 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3525 بتاريخ 29 ماي1980 وخاصة الفصل11 منها الذي يقرر انه لا يجوز سجن شخص من اجل دين مترتب عن التزام تعاقدي " (2).
--------------------------
(1)     ونشير اولا الى ان المشرع قد نظم الاكراه البدني في الحالة التي نحن بصددها بالظهير الشريف المؤرخ في 20 فبراير1961 ( راجع الفصل الثاني بالخصوص).
(2)     حكم صادر في 12 ابريل1990 منشور بمجلة الاشعاع، العدد الرابع ص 198 وما بعدها.
وقد علق على هذا الحكم :
الدكتور الحبيب بيهي: الاكراه البدني وتطبيق الفصل 11 من معاهدة نيويورك ( 16 دجنبر) بشان الحقوق السياسية والمدنية في التشريع المغربي من خلال التعليق على حكم.
وقد تضمن هذ التعليق الهام المحورين الاتيين :
المحول الاول: العلاقة بين المعاهدة الدولية والتشريع الوطني
1- بالنسبة لموقف الفقه
2- بالنسبة لموقف القضاء
المحور الثاني: شروط الاعفاء من الاكراه وطبيعته القانونية
1- شروط الاعفاء من الاكراه
2- الطبيعة القانونية للاعفاء من الاكراه
مرجع سابق ص 200 وما بعدها
كما علق على هذا الحكم
الاستاذ النقيب عبد الرحمن بنعمرو، تعليق على حكم ابتدائية الرباط بتاريخ 12 ابريل1990 ( الاتفاقية الدولية - الاكراه البدني - القانون الوطني )
مرجع سابق ص 207 وما بعدها.
-------------------------------
قد يبدو من الوهلة الاولى، ان حكم المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي عين السبع قد خالف مقتضيات الفصل 11 من الاتفاقية الدولية الصادرة في 16 دجنبر1966 والتي كرسها الاجتهاد الرائد للمحكمة الابتدائية بالرباط.
وفي الحقيقة، فلا تثريب على المحكمة، فيما ذهبت اليه، ما دام ان التمعن في مقتضيات الفصل11 من الاتفاقية اعلاه، يفيد انه لتعطيل مقتضيات القانون الوطني بشان الاكراه البدني في مجالنا هذا تحقق شرطين اثنين، وهما:
أ - ان يتعلق النزاع بالتزام قانوني ذي طبيعة تعاقدية، أي التزام ناتج عن عقد مبرم بين الدائن والمدين،
ب - ان يكون المدين غير قادر على الوفاء بالتزامه التعاقدي، وبمفهوم اخر، يجب ان يكون المدين معسرا او مفلسا.
والمحكوم عليه - أي المدين - الذي يدعي عدم القدرة على الدفع لكي يستفيد من احكام الفصل 11 من الاتفاقية الدولية، اعلاه، يجب عليه ان يثبت عدم قدرته على الوفاء بالتزامه والا كان مصيره الحكم بالاكراه البدني الذي يجبره على تنفيذ ما التزم به عقديا.

خاتمة :
وفي نهاية هذا التعليق، اريد ان اؤكد مرة اخرى، ان الغاية الاساسية من وراء انجازه، تتمثل اساسا، في تنوير الراي العام، حول جانب من القضايا الهامة، المرتبطة بحقوقه داخل المجتمع، وبالتالي، الرفع من رصيده الفكري وثقافته القانونية، في وقت بات فيه الإلمام بحقوق الانسان والدفاع عنها شيئا ضروريا.
وعندما نطرح اجتهادا قضائيا ما، صادرا عن أي مرجع قضائي،  فنناقشه بهذه  الكيفية او تلك، فلا نقصد ابدا التنقيص من مستوى القضاة الذين اصدروه، وانما الغاية الاساسية التي نتوخاها، هي ان ننير طريقهم ونشد
 أزرهم.

ومما نريد ان ننبه اليه - وبالاضافة الى ما تناولته الدراسة من مواضيع ببعض التفصيل - ان العقد الذي يبرم عادة بين شركة صورياد والمستفيدين من القناة الثانية، هو عقد اذعان بكل ما في الكلمة من معنى، وينتج عن ذلك انه يمتنع على القاضي ان يلبي طلبات الشركة المدعية، وهو مغمض العينين.
ويجب ان نعترف بدورنا في هذه الخاتمة، اننا عندما نقوم بنشاط فكري وعلمي، مثل التعليق على حكم قضائي، فانما نكون اول المستفيدين، من خلال ما نقوم به من مطالعات، تكون عادة  الارضية الخلفية للدراسة التي أنجزناها.

واخيرا، فان هذا التعليق، ورغم انه يبدو بسيطا بالنسبة لبعض المهتمين، فهو بدوره ومثله في ذلك مثل الحكم القضائي- هو عمل انساني، والانسان خطا  بطبيعته، ولا عصمة لغير الله جلت قدرته.
والسلام
             محمد الكشبور
الدار البيضاء في يوم الاثنين 8 ماي1995.
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 75، 103



Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات