-->

دعوى فسخ عقد الكراء ومسطرة ظهير 24 مايو1955


القانون رقم 79/6 لسنة 1980
  الأستاذ احمد عاصم 
المستشار بالمجلس الاعلى 

من المسائل التطبيقية التي كان قد استقر عليها العمل القضائي لسنين خلت سواء على صعيد محاكم  الموضوع  على اختلاف درجاتها او المجلس الاعلى مسالة المسطرة التي ينبغي اتباعها لايقاع جزاء اخلال المكتري بالتزاماته التعاقدية هل يمكن ان تطبق  في  حقه  مسطرة  الفسخ  المنصوص  عليها في الفصل 692 من ق ز ع او لابد من الالتجاء معه الى مسطرة ظهير 24 مايو بالنسبة للمحلات التجارية او ظهير 5 مايو1928 وفيما بعد القانون رقم 79/6 بالنسبة للمحلات السكنية والمهنية.



لقد استقر العمل القضائي بفضل استقرار راي المجلس على القول بانه في حال اخلال المكتري بالتزاماته يكون للمكري الخيار بين ان يرفع دعوى الفسخ المنصوص عليها في الفصل 692 من ق زع الذي يعطي للمكري الحق  في طلب فسخ العقد اذا اخل المكتري بالتزاماته المنصوص عليها في الفصل 663 من نفس القانون او باي التزام اخر تعهد باحترامه ضمن شروط العقد.

او يلتجئ الى مسطرة الفصل 6 من ظهير 24 مايو بالنسبة للمحلات التجارية بان يوجه الى المكتري انذارا  بالافراغ  مسببا بالاخلال الصادر عنه ويرفض امام قاضي الصلح تجديد العقد دون ان يكون ملزما بمنحه أي تعويض .
او مسطرة القانون رقم 79/6 بالنسبة للمحلات السكنية والمهنية بان يوجه الى المكتري الاشعار بالافراغ لذات السبب ويطلب من المحكمة فيما اذا رفض تنفيذه ان تصححه وتقضي بافراغه دون ان يكون كذلك ملزما بمنحه التعويض  المنصوص عليه في الفصل 19 الا انه اذا  اختار  مسطرة هذين التشريعين وجب عليه ان يحترم شرط المدة بحيث لا يجوز له ان يوجه الى المكتري الانذار بالافراغ او الاشعار بالافراغ الا مع نهاية مدة العقد خلاف  الحال  فيما اذا اختار مسطرة الفسخ المنصوص عليها في الفصل 692 اذ يكون له في هذه الحالة ان يطلب فسخ العقد حتى اثناء سريان مدته وقبل نهايتها .

وقبل ان نقف على الادلة والبراهين القانونية والواقعية التي تؤيد هذا الاتجاه الذي اخذ به المجلس وتبنته محاكم الموضوع ينبغي ان نلقي اولا نظرة سريعة على مسطرة انهاء العقد وفسخه طبقا للقواعد العامة وما يقابلها في ظهير 24 مايو وكذا القانون رقم 79/6 المنظم للكراء السكني والمهني .

أولا : طبقا للقواعد العامة الواردة في باب الكراء في ق زع فان عقد الكراء يعتبر من عقود المدة يشكل الزمن عنصرا اساسيا في العقد سواء لتحديد وجيبة الكراء على اساس مدة زمنية معينة الشهر او السنة او لتحديد مدة انقضائه " الفصول 686-687-688 من ق ز ع".
ويهمنا في موضوع هذا البحث العنصر الزمني المتفق عليه لانقضاء العقد.
وطبقا لهذه القواعد فان عقد الكراء ينقضي بقوة القانون وبانتهاء مدته من غير ضرورة انذار المكتري بذلك "الفصل 687" ويعتبر شرط المدة من شروط العقد الاساسية التي يجب ان يحترمها الطرفان بحيث اذا كان قد ابرم العقد لثلاث سنوات مثلا فلا يجوز للمكري ان يطالب المكتري باخلاء المحل قبل نهاية مدة العقد كما لا يجوز له ان يلزمه بالبقاء فيه اذا ما انتهت هذه المدة وبالمقابل فان المكتري ملزم بان يخلي المحل عند نهاية مدة العقد الا انه لا يجوز له ان يضع حدا للعقد قبل نهاية مدته تحت طائلة الحكم باخلائه في الحالة الاولى وباداء واجبات الكراء عن المدة الباقية في الحالة الثانية .

ثانيا : على انه اذا كانت القاعدة ان العقد ينتهي بانتهاء مدته فانه يمكن للطرفين ان يتفاديا هذا الوضع ويتفقا صراحة على تجديد العقد لنفس المدة وبنفس الشروط او لمدة وشروط اخرى كما يمكن ان يتجدد العقد بناءا على ارادة الطرفين الضمنية بنفس الشروط والمدة اذا استمر المكتري في الانتفاع بالمحل دون ان يتوصل بتنبيه يعبر فيه المكري عن رغبته في عدم التجديد ( الفصلان 689 و690) .

ثالثا : سبق ان قلنا ان شرط المدة ملزم للطرفين المكري والمكتري فلا يجوز للمكري ان يطالب باخلاء المكتري قبل نهاية مدة العقد .
لكن ما الحل فيما اذا اخل هذا المكتري بالتزاماته بان توقف عن اداء وجيبة الكراء مثلا والحال ان عقد الكراء لازال عند بداية مدته كما لو كان قد ابرم لمدة ثلاث سنوات وامتنع المكتري عن اداء الكراء خلال السنة الاولى فما هو الحل هل يجوز للمكري ان يطالب بوضع حد للعقد اثناء سريان مدته وقبل نهايتها ام لا يجوز له ذلك …؟ 

هذا السؤال اجاب عنه الفصل 692 الموالي للمقتضيات التي اشرنا اليها سابقا والذي ورد ضمن نفس العنوان الذي خصصه المشرع لانقضاء عقد الكراء بصفة عامة، فبعدما ابرز المشرع في تلك المقتضيات دور عنصر الزمن على استمرار العقد وانقضائه بما مؤداه ان العقد يجب ان يستمر الى نهاية مدته الا انه لينتهي حتما بنهايتها استدرك فنص في الفصل 692 على ما مؤداه ان استمرار العقد في نهاية مدته مشروط بان يستمر المكتري في احترام التزاماته اما اذا اخل بها فان العقد يفسخ حالا ولا يستمر الى نهاية مدته فعقد الكراء من العقود الملزمة لطرفيه، المكري بتسليم وضمان الانتفاع بالشيء المكري وحيازته بلا معارض وضمان استحقاق الشيء والعيوب التي تشوبه ( الفصلان 635 و643) اما المكتري فملزم بان يؤدي وجيبة الكراء عند حلول اجلها على الشيء المكتري وان يستعمله فيما اعد له ( الفصل 663).
فاذا اخل احدهما بالتزاماته كان للطرف الاخر ان يطلب التنفيذ العيني او الفسخ.

والفسخ في عقد الكراء المحدد لا يتقيد بشرط المدة فهو يقع بصورة انية مع اخلال المكتري بالتزاماته التعاقدية لا فرق ان صادف ان وقع ذلك خلال سريان مدة العقد ام مع نهايتها غير ان اهمية دوره تظهر اكثر اذا وقع الاخلال اثناء سريان مدة العقد فالفسخ يقع جزاءا للخطأ الصادر عن المكتري المتمثل في اخلاله بالتزاماته ويضع حدا للعقد المحدد المدة حتى قبل نهاية مدته وهو يقابل الانهاء الذي لا يقع الا مع نهاية مدة العقد.

رابعا : وانقضاء العقد لنهاية مدته او إخلال المكتري بالتزاماته وان وردا في الفرع الثالث من الباب الاول من قسم الاجارة بنوعيها تحت عنوان واحد هو انقضاء عقد الكراء فان المشرع كما راينا قد ميز بين الموضوعين تمييزا يمنع الخلط بينهما بان خص كل موضوع باحكامه واسبابه المختلفة عن احكام واسباب  الموضوع الاخر اذ فمادام ان المكتري يحترم التزاماته فان عقد الكراء لا ينقضي الا بنهاية مدته اما اذا اخل بهذه الالتزامات فانه ينقضي بفسخه حتى اثناء سريان مدته .

خامسا : ثم ان الفسخ لا يقع الا كجزاء لإخلال المكتري بالتزاماته، وقد تعرض له المشرع في باب عدم تنفيذ الالتزامات بوجه عام، فقرر في الفصل 259 قاعدة عامة تطبق على كافة العقود .
كما تعرض للفسخ الشرطي ضمن نفس الباب في الفصل 260 من نفس القانون، وفي العقود المسماة تعرض له كجزاء ايضا، فاعطى البائع وللمشتري الحق في طلب الفسخ اذا أخل احدها بالتزاماته ازاء الاخر، كما اعطى، للمكري ازاء المكتري ولهذا الاخير إزاء الاول، الحق في طلب الفسخ، وبالجملة فان اصطلاح الفسخ اذا اطلقه المشرع انصرف مدلوله الى ذلك الاثر الذي يعترض العقد بعد قيامه فيزيله، ويرد الطرفين الى الحالة التي كانا عليها قبل قيامه.

على انه، اذا وقع ان اطلق المشرع اصطلاح الفسخ لغير اسبابه، كان على القضاء ان يميز ويعطي للاحوال التي اطلق عليها ذلك الاصطلاح التكييف المناسب لها، استنادا الى معيار التمييز المستمد من اسباب الفسخ، من غير امكان القول بان المشرع يخلط بين فسخ عقد الكراء لقيام اسبابه وبين انهائه بنهاية مدته.

على ان ما ورد مثلا في الفصلين 693 و694 من ق ز ع ، يمكن حمله على المشرع، بعدما انتهى في الفصل 692 من الكلام على اسباب الفسخ التي تؤدي الى وضع حد لعقد الكراء حتى اثناء سريان مدته، افترض سؤالا مؤداه انه ما الحكم فيما اذا طرأ على وضعية المالك الجديد ؟ بان اصبح في حاجة الى السكنى في ملكه او الى بيعه، هل يعطى لهذين السببين اثر اسباب الفسخ فيطلب وضع حد لعقد الكراء ؟

فاجاب عنه بما ورد في الفصلين المواليين 693 و694 بان هذين السببين لا يمكن ان يعطى لهما اثر اسباب الفسخ، ولو انهما يتفقان معهما في ان رغبة المالك المذكور قد تحدث بصورة طارئة، ولم تكن متوقعة مثلها مثل اخلال المكتري بالتزاماته، لان الفسخ لا يقع الا لخطا يصدر عن المكتري، كما يمكن حمل ما ورد في الفصلين المذكورين على ان المشرع اراد ان يؤكد على ان عقد الكراء لا يوضع له حد الا اذا انتهت مدته (الفصل 687) او اذا اخل المكتري بالتزاماته ( الفصل 692) دون غير ذلك من الاسباب الاخرى مثل الاحتياج وبيع العقار .

هذه، باختصار، هي الخطوط العريضة للمقتضيات العامة الواردة في باب الكراء في ق. ز. ع، بشان وضع حد لعقد الكراء التي ظلت تطبق، منذ صدور هذا القانون سنة 1913، على كافة عقود الاكرية، باستثناء الاكرية الفلاحية التي خصها المشرع، بالنسبة لانقضاء العقد لانتهاء مدته، باحكام اخرى نص عليها في الفصول 700 وما بعده، من نفس القانون.

فعقد الكراء ينتهي بانتهاء مدته، مهما كانت هذه المدة وان يوما واحدا، كما ينص على ذلك الفصل 688، الا انه يتجدد تجديدا ضمنيا بناءا على ارادة الطرفين الضمنية في حالة السكوت، كما ان عقد الكراء يفسخ اذا اخل المكتري بالتزاماته، وهذه الحالة فان المدة لا اهمية لها .

وقد ظلت قاعدة انقضاء العقد لانتهاء مدته، تتعايش مع قاعدة التجديد الضمني التي تخفف من حدتها، الى ان تدخل المشرع سنة 1928 بمقتضيات مقتضية وسريعة ووقتية، نص ظهير5 مايو1928 على طبيعتها الوقتية، وهذا الظهير كان يطبق على الاكرية السكنية والتجارية وبطبيعة الحال المهنية، رغم ان الظهير لم يكن يشير الى هذا النوع من الاكرية.

وادى  التطبيق العملي لاحكام هذا الظهير الى القول، بان عقد الكراء لا ينتهي بانتهاء مدته، ولكن بالمصادقة على التنبيه بالاخلاء الذي يوجهه المكري الى المكتري، والذي يجب ان يكون مسببا حسب ما استقر عليه العمل القضائي، باسباب معينة هي عدم اداء الكراء، او اخلال المكتري بالتزاماته التعاقدية بصفة عامة، او احتياج المكري للسكنى او للهدم واعادة البناء، وبموازاة الاستقرار على تطبيق احكام هذا الظهير، كانت المحاكم تقبل دعاوي الفسخ، طبقا للفصل 692 من ق ز ع الذي يضع حدا للعقد حتى اثناء سريان مدته .

وبمقتضى ظهير 24 مايو، الذي حل محل ظهير 1948، والذي كان قد حل بدوره محل ظهير1928، اصبح وضع حد لعقد الكراء التجاري وتجديده يخضع لقواعد واحكام نص عليها هذا الظهير.
اما الاكرية السكنية والمهنية، فقد استقلت باحكام ظهير1928 الذي اصبح يطبق عليها وحدها، باستثناء ما ورد في الفصل 41 من ظهير24 مايو.

وفي سنة 1980، وضع المشرع قانونا موسعا ينظم مسطرة انهاء عقود الاكرية السكنية والمهنية، هو القانون رقم 79/6 فما هي هذه الاحكام الواردة في هذين القانونين ؟ وكيف يوضع حد للاكرية التجارية او السكنية والمهنية في ظل هذين التشريعين ؟ وكيف تتجدد ؟.

وقبل ان ندخل في بسط احكام هذين التشريعين، ينبغي ان نسجل ملاحظة انه رغم الفارق الزمني بين التشريعين، ورغم ما يظهر من فروق بين احكامهما فان التشريعين يتفقان الى حد كبير، فيما يتعلق بالموضوع الذي نحن بصدده، ولهذا سنتكلم عن هذه الاحكام، في ان واحد، مع الاشارة، عند الاقتضاء، الى الفروق بينهما.

يمكن تلخيص القواعد الرئيسية التي تنظم كيفية وضع حد للكراء التجاري او السكني والمهني، وكذا تجديده الواردة في ظهير 24 مايو والقانون رقم 79/6 لسنة 1980 فيما يلي :

ظهير 24 مايو 1955
الفصل 6 منه :
" ان عقد الكراء الخاضعة لاحكام هذا الظهير لا تنتهي، الا اذا وجه للمكتري طلب مبرر للافراغ، قبل نهاية مدة العقد بستة اشهر على الاقل، وذلك دون الالتفات الى أي شرط تعاقدي وحيادا على الفصلين 687 و689 من ق ز ع .
واذا لم يوجه طلب الافراغ، فان مدة العقد تسترسل الى ما بعد التاريخ المحدد لها.
اما العقد الذي تكون له صلة بواقعة يتيح تحقيقها للمكري طلب فسخ العقد بان مدتها لا تنقضي الا اذا وجه المكري الى المكتري إعلاما بذلك، قبل انتهاء مدة العقد بستة اشهر على الاقل، ويجب ان يتضمن الاعلام عبارة تشير الى كون الحادثة التي نص عليها العقد قد تحققت …

ومن اللازم ان يوجه الاعلام بالافراغ، اما طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفصول 55 و56 و57 من ق م م ( الملغي)، او بواسطة رسالة مضمومة مع الاعلام بتسليمها.
وعلى المكري ان يوضح للمكتري الاسباب الداعية للإفراغ، وان ينقل له نص الفصل 27، والا فلا يستطيع ان يدفع بسقوط حقه، حسب ما ينص عليه الفصل المذكور.
اما القانون رقم 79/6 لسنة 1980، فتنص الفصول 8 و9 و18 منه على ما يلي : 

الفصل 8 : لا ينتهي عقد كراء الاماكن الخاضعة لاحكام هذا القانون، وخلافا لمقتضيات الفصول 687 و697 و688 و695، والفقرة الثانية من الفصل 698 من ق ز ع ورغم كل شرط مخالف، الا بعد الاشعار بالافراغ وتصحيحه، عند الاقتضاء، من طرف المحكمة.

الفصل 9 : يتضمن الاشعار بالافراغ تحت طائلة البطلان .
1) شموله مجموع المحلات المكراة بكافة مرافقها .
2) بيانه للاسباب المثارة من طرف المكري.
3) الاشارة الى اجل ثلاثة اشهر على الاقل .

الفصل 18 : يستمر مفعول العقد بدون تحديد المدة لصالح المكتري، كان العقد محدد المدة ام لا، وذلك لم يقع اشعار بالافراغ او لم يقع تصحيحه .
وينص هذا الفصل على ان العقد يستمر لفائدة ورثة المكتري، في اوضاع اخرى لا صلة لها بالنقط التي نعالجها.
ويتبين، من هذه المقتضيات الواردة في هذين القانونين، بشان انشاء عقد الكراء وتجديده .
1) ان المشرع عطل تطبيق القاعدتين الأساسيتين القائلتين بان عقد الكراء ينتهي بقوة القانون، بانتهاء مدته ويتجدد تجديدا ضمنيا اذا بقي المكتري بالمحل دون اعتراض من طرف المكري، الواردتين في الفصلين 687 و689 من ق ز ع، عطل تطبيقهما على عقود الكراء الخاضعة للتشريعين المذكورين.

بحيث لا يجوز للمكري ان يطلب اخلاء المكتري التجاري او السكني او المهني استنادا الى الفصل 687 من ق ز ع الذي يقرر :
ان عقد الكراء ينتهي بقوة القانون بانتهاء مدته، كما لا يجوز للمكتري لمدة ثلاث لسنوات مثلا ان يتمسك بالتجديد الضمني لعقد الكراء لنفس المدة التي ابرم لها، اذا بقي بالمحل دون اعتراض من طرف المكري، استنادا الى الفصل 689 فعقد الكراء يسترسل في هذه الحالة، لكن ليس لنفس المدة وانما يتحول الى  عقد بالمشاهرة.

2) عطل القاعدتين ولم يلغهما، بحيث يمكن اعمالهما بالنسبة لعقود الكراء غير الخاضعة للتشريعين المذكورين، وعوضهما بقاعدتين مقابلتين، تقرر اولاهما ان عقد الكراء ينتهي بالطلب المبرر للافراغ الذي يوجه الى المكتري، طبقا للفصل 6 من ظهير 24 مايو او الاشعار بالافراغ، طبقا للفصل 9 من القانون رقم 79/6 اذا صححته المحكمة وتقرر ثانيهما ان عقد الكراء لا يتجدد ضمنيا لنفس مدته، وانما يستمر كعقد مشاهرة.

3) والانذار المبرر بالافراغ، او الاشعار بالافراغ الذي ينظمه ظهير 24 مايو او القانون رقم 79/6، لا يجوز ان يوجه الى المكتري في أي وقت، بل يجب ان يوجه اليه قبل نهاية مدة العقد بستة اشهر، بالنسبة للاكرية التجارية، او ثلاثة اشهر بالنسبة للاكرية السكنية او المهنية، وهذا ما ينص عليه الفصل 6 من الظهير صراحة وهو ما يستفاد من احكام القانون رقم 79/6، وخصوصا ما ورد في الفصلين 8 و18 منه، بحيث حتى وان تعلق الامر باخلال المكتري بالتزاماته، او حتى بتحقق الشرط الفاسخ المنصوص عليه في العقد، باستثناء ما ورد في الفصل 26 من الظهير، كما سنرى، وهي الاسباب التي تؤدي الى فسخ العقد، طبقا للقواعد العامة حتى اثناء سريان مدته ( الفصلان 260 و692 من ق ز ع) فانه لا يجوز للمكري ان يوجه الى المكتري الانذار او الاشعار بالافراغ اثر هذا الاخلال بالتزاماته، بل يجب عليه اذا تعلق الامر بعقد ابرم لمدة ثلاث سنوات مثلا وصادف ان اخل المكتري بالتزاماته في بداية السنة، ان ينتظر الى ما قبل نهاية مدة العقد بستة اشهر او ثلاثة اشهر، حسب الاحوال، وهو مالا يقبله العقل والمنطق فالمكتري حين يخل بالتزاماته التي تعهد بها مقابل الانتفاع بملك الغير، يكون قد اشهر الحرب على التوازن الذي اوجده المشرع لامكان استمرار هذه العلاقة بين طرفي العقد مالك العقار والمنتفع به، وان الاخلال بهذا التوازن يلحق بالغ الضرر بالمالك، تزداد مخاطره وتتعاظم آلامه باستمرار حالة الاخلال بالتوازن العقدي، الامر الذي يتنافى مع الانتظار ويقتضي التعجيل بايجاد حل عاجل لهذا الوضع غير القانوني.

4) فما هو الحل اذا ؟ وكيف يمكن التوفيق بين شرط المدة الذي اوجب المشرع احترامه بمقتضى هذين القانونين، وبين ضرورة التعجيل برفع الضرر عن المالك ؟ او بالاحرى كيف يمكن التوفيق بين الاسباب التي تستلزم التعجيل بتحرير العقار وبين احترام شرط المدة … ؟ 
هذا التساؤل، اجابت عنه القواعد العامة، كما سبق القول، التي تعطي للمكري، في حالة اخلال المكتري بالتزاماته، الحق في التنفيذ العيني باجبار المكتري على الوفاء بالالتزام الذي اخل به، وبين طلب فسخ العقد كجزاء لهذا الخطا الذي ارتكبه المكتري، مما يقتضي وبالضرورة، ان يتزامن ايقاعه بحدوث الخطا حيث نص الفصل 692 من ق ز ع على ان للمكري الحق في طلب فسخ العقد مع التعويض، اذا اخل المكتري بالتزاماته المنصوص عليها في الفصل 663، والفسخ، كجزاء لاخلال المكتري بالتزاماته، هو الحل الوحيد بالنسبة للعقد المحدد المدة، حيث يمكن المكري من تحرير عقاره، بصورة انية، دون ضرورة انتظار انتهاء مدة العقد .

5) فهل يمكن، بالنسبة للاكرية الخاضعة لظهير 24 مايو او القانون 79/6 ان يلتجئ المكري الى دعوى الفسخ المنصوص عليها في هذا الفصل الوارد في قانون الالتزامات والعقود ام لا يجوز له ذلك ؟ وليس امامه الا الالتجاء الى المسطرة التي يقررها الفصل 6 من الظهير، اما الفصل 8 من القانون رقم 79/6 الذي لا يسمح له بان يطالب بوضع حد لعقد الكراء، وان تعلق الامر بالشرط الفاسخ، عدا ما يتعلق بالفصل 26 من الظهير، الا مع نهاية مدة العقد، بمعنى انه يجب عليه ان يتحمل انتظار نهاية مدة العقد بما يترتب على هذا الانتظار، من مخاطر جمة تتراكم مع مضي الزمن.
هذا التساؤل لم يستقر العمل القضائي في الجواب عنه، دفعة واحدة، فقد تردد الراي في ظل ظهير 24 مايو بين الاتجاهات الثلاثة التالية :
اتجاه يقول بانه، ما دام يوجد نص خاص هو الفصل 6 من ظهير 24 مايو، الذي يقرر ان عقود الكراء الخاضعة لاحكامه لا تنتهي، الا اذا وجه الى المكري انذار بالافراغ قبل نهاية مدة العقد بستة اشهر، تحت طائلة استمرار العقد بالمشاهرة، فيجب اعمال هذا النص، ولا يجوز الانصراف عنه الى دعوى الفسخ التي تقررها القواعد العامة .
واتجاه اخر لم يلبث الا قليلا، يقول بانه في حالة توفر اسباب الفسخ فلا بد من الالتجاء الى مسطرة الفصل 692 من ق ز ع التي تنظم دعوى الفسخ دون غيرها.
واخيرا، استقر العمل القضائي، سواء امام المجلس او محاكم الموضوع، على القول بانه ما دام ان مسطرة وضع حد لعقد الكراء التي ينظمها الفصل 6 من الظهير المذكور تشترط على ان يشترط مدة العقد بحيث لا يجوز له ان يوجه الانذار بالافراغ اثناء سريانها بل الى نهايتها، فانه تجب التفرقة بين الاسباب التي يحتج بها المكري لوضع حد لعقد الكراء، فاذا كانت هذه الاسباب لا تتعلق  باخلال المكتري بالتزاماته التعاقدية، وكان العقد محدد المدة، فلا يجوز للمكري ان يطلب الافراغ الا مع نهاية مدة العقد، بحيث اذا وجه الى المكتري الانذار المنصوص عليه في الفصل 6 خلال سريان مدة العقد، كان للمكتري ان يطلب ابطاله، على اعتبار ان المكري قد اخل بشرط مدة العقد، اما اذا كانت الاسباب التي يحتج بها المكري هي اسباب الفسخ، كان له الخيار بين الالتجاء الى مسطرة الظهير، وبين اقامة دعوى الفسخ المنصوص عليها في الفصل 692 فاذا اختار مسطرة الظهير، كان عليه ان يتقيد بشرط المدة، والا فان دعوى الفسخ تطال العقد حتى اثناء سريان مدته.

6) وهذا الحل، الى جانب انه حل عملي تمليه ضرورة التوفيق بين احكام القانون وتحقيق العدل بين طرفي العلاقة، تساعد على تطبيقه احكام القانون.
أ‌- فالقاعدة التي يقررها الفصل 6 من الظهير .
لا ينتهي عقد الكراء الا اذا وجه الى المكتري انذار مبرر بالافراغ قبل نهاية مدته، وخلافا لما يقرره الفصل 687 من ق ز ع يمكن قراءتها بصيغة الايجاب هكذا.
ينتهي عقد الكراء بانتهاء مدته، شريطة ان يوجه الى المكتري انذار مبرر بالافراغ قبل نهاية مدته بستة اشهر، فيكون ما جاء في هذا الفصل بهذا الشان، ومثله ما جاء في الفصل 8 من القانون رقم 79/6، انما هو اعادة لكتابة نص الفصل 687 المتعلق بانقضاء العقد لنهاية مدته، دون انذار ودون تبرير، الذي يقابله الفصل692 المتعلق بفسخ العقد حتى اثناء سريان مدته، اذا اخل المكتري بالتزاماته.

ب‌- وعليه، فان ظهير 24 مايو الذي ترتكز فيه مسطرة انهاء العقد على ما جاء في الفصل 6 منه، ومثله ما جاء في الفصل 8 من القانون رقم 79/6 لم ينظم اية مسطرة لفسخ العقد الذي يعتري العقد اثناء سريان مدته، باستثناء ما ورد في الفصل 26 من الظهير الذي سنخصص له كلمة فيما بعد، ولم يستثن : لا هو ولا القانون رقم 79/6 ضمن ما استثناه من القواعد العامة الواردة في ق ز ع، نص الفصل 692 يكون قد ابقى على دعوى الفسخ التي ينظمها هذا الفصل، وان التنصيص بالخصوص على استثناء بعض المقتضيات، دون الاخرى، لخير دليل على ان المشرع اراد ان يبقى لدعوى الفصل 692 دورها الذي لا تقوم به مسطرة الانهاء الواردة في الفصلين 6 و8 المذكورين .

ج‌- وليس في ادماج اسباب الفسخ، ضمن الاسباب التي يبرر بها الانذار بالافراغ في الكراء التجاري او السكني او المهني، دليل على ان المشرع الغى دور هذه الاسباب ضمن دعوى الفسخ في اطار الفصل 692، وكذا الفصل 260، فهذه الاسباب باعتبارها تشكل أخطاء تحدث اضطرابا في توازن المصالح بين طرفي العقد، يجب ان يبقى لها دورها الطبيعي المتمثل في الفسخ، كجزاء يقع بصورة آنية كذلك، ولخاصية  هذه الاسباب يجب ان يكون لها دورها المتمثل في تسبيب الانذار الذي يضع حدا للعقد مع نهاية مدته، طبقا للفصل 6 من الظهير، والفصل 8 من ق رقم 79/6 ودور اخر جزائي يؤدي الى حرمان المكتري من التعويض، عملا بالفصل 11 من الظهير والفصل 16 من القانون رقم 79/6  فهذه الاسباب لها دور مزدوج فهي تصلح لتبرير وضع حد لعقد الكراء مع نهاية مدته، في اطار دعوى الفسخ. كما انها تصلح لتبرير وضع لحد عقد الكراء مع نهاية مدته، في اطار المسطرة التي ينظمها القانونان المذكوران .

ولمزيد من الايضاح، نعود الى التذكير بان مسطرة انهاء العقد، الواردة في ظهير 24 مايو والقانون رقم 79/6 لسنة 1980، تقوم اساسا على الانذار  بالافراغ او الاشعار بالافراغ الذي يوجهه المكري الى المكتري مع نهاية مدة العقد، وهذا الانذار او الاشعار هو الذي يضع حدا لعقد الكراء، تحت طائلة طلب التجديد ومراقبة محكمة دعوى الفصل 32 بالنسبة للظهير وتصحيحه، من طرف محكمة الفصل 23، ان اقتضى الحال، بالنسبة للقانون رقم 79/6.
غير انه لكي يتأتى للاجراء المذكور هذا الاثر القانوني على استمرار العقد، يجب ان يتضمن بيانات معينة حددها المشرع وان يكون مسببا.

والاسباب التي يمكن للمكري ان يبرر بها وضع حد لعقد الكراء، وان كانت تكاد تكون واحدة في كل من الظهير والقانون، فان الغاية من تسبيب الانذار في الظهير ليس هو تبرير رفض تجديد العقد، وانما حرمان المكتري من التعويض كلا او جزاء، بينما ان الهدف منها في القانون رقم 79/6، هو تبرير وضع حد لعقد الكراء، وبالرجوع الى هذين التشريعين، يتبين ان الاسباب التي يمكن للمكري ان يبرر بها الانذار او الاشعار هي :
اما انها اسباب تعود الى وضعية المكري الاجتماعية :
( الاحتياج الى السكن الفصل 16 من الظهير و13 من القانون)
واما انها اسباب تعود الى وضعية العقار ( الهدم او التعلية او بناء الارض العارية  الفصول 12 و15 و17 من الظهير والهدم او التغيير الفصل 15 من القانون).
واما انها اسباب تعود الى موقف المكتري السلبي ازاء التزاماته التعاقدية ( الفصل 11 من الظهير والفصل 12 من القانون رقم 79/6)، وان ادماج اسباب الفسخ الواردة في الفصلين 11 و12 المذكورين ضمن الاسباب التي تبرر وضع حد لعقد الكراء في التشريعين، اقتضته ضرورة تسبيب الانذار او الاشعار، من جهة، واقتضاه، من جهة اخرى، كون انه، اذا كان من حق المكري ان يحتج على المكتري باسباب تعود اليه هو او الى وضعية عقار، فبالأولى والاحرى، ان يحتج عليه باسباب تتعلق باخلاله بالتزاماته التعاقدية فاستعارة اسباب الفسخ من مكانها الطبيعي اقتضته اذا، طبيعة مسطرة انهاء العقد في التشريعين التي توجب توجيه انذار مسبب، وليس لان المشرع اراد ان ينسخ دور الاسباب، في اطار دعوى الفسخ .

د- ان الحكمة من اتباع مسطرة الفصل 6 من ظهير 24 مايو، هو ان يحصل المكتري على التعويض، في حالة رفض تجديد العقد الا انه حين يكون سبب الانذار هو اخلال المكتري بالتزاماته، فان التجاءه الى هذه المسطرة يكون عبثا، اذ ان هذه الاسباب تعد من الاسباب الخطيرة التي تحرمه من التعويض، عملا بالفصل 11 من الظهير، وهي كذلك من الاسباب التي تحرم المكتري السكنى والمهني، من التعويض عن الافراغ عملا، بالفصل 16 من القانون رقم 79/6.

ز- ثم ان دعوى الفسخ قد تكون ارحم بالمكتري، من مسطرة الفصل 6 من الظهير من حيث ان المنازعة في الاسباب في نطاق الظهير، وان انتهت الى عدم صحة السبب والقول بان المكتري لم يخل بالتزاماته التعاقدية، فان العقد مع ذلك يكون قد وضع له حد بمقتضى الانذار، ولا يبقى له الا الحق في التعويض عن رفض تجديد العقد، المنصوص عليه في الفصل 10، مما يفوت عليه الاحتفاظ بالمحل، وهو الضرر الذي يغطيه أي تعويض مهما ارتفع، بينما لو كانت قد اقيمت ضده دعوى الفصل 692 لكان قد احتفظ بمحله في هذه الحالة، أي حالة عدم صحة السبب، كما قد يحتفظ به حتى في حالة صحة السبب، على اعتبار ان الفسخ المنصوص عليه في الفصل 692 هو فسخ قضائي، والفسخ القضائي هو غير الفسخ القانوني المنصوص عليه في الفصل 260، من حيث انه غير ملزم للمحكمة، بل لها كامل الصلاحية في ان تقدر ظروف المكتري، وتصرح برفض دعوى الفسخ، اذا كان هنالك سبب مرر حال بينه وبين الوفاء بالتزاماته،  فالمطل حسب ما يقرره نص الفصل 254 من ق ز ع هو الذي يكون بدون سبب مقبول .

هـ - ان القواعد العامة الواردة في ق زع لازالت هي المرجع الرئيسي في تنظيم عقود الكراء، مهما كانت طبيعتها بما فيها عقد الكراء التجاري او السكني او المهني، ولم يلغ منها، لا ظهير 24 مايو ولا القانون رقم 79/6 لسنة 1980، أي نص او قاعدة، وكل ما في الامر انه استثنى، من التطبيق على عقود الكراء الخاضعة لهذين التشريعين، بعض المقتضيات التي سن مكانها احكاما اخرى.

وهكذا استثنى، بمقتضى الفصل 6 من الظهير الفصلين 687 و689 المتعلقين بانقضاء العقد بقوة القانون وبالتجديد الضمني وبالفصل 22 منه، استثنى الفصل 668 المتعلق بحرية المكتري، في الكراء، من الباطن وفي التنازل عن الكراء اما القانون رقم 79/6 فقد استثنى، بمقتضى الفصل 8 منه وكذا الفصل 19 نفس المقتضيات المتعلقة بانقضاء العقد بقوة القانون والتجديد الضمني وبحرية التصرف في حق الكراء، زيادة على استثناء الفصلين 695 و697 والفقرة الثانية من الفصل 698.

الا انه لم ترد لا في ظهير 24 مايو ولا في القانون 79/6 اية اشارة الى استثناء الفصل 692 من التطبيق، ولا تسعف باستثنائه واحرى بالغائه، كما سنرى القواعد الواردة في الفصل 474 التي تنظم متى يعتبر التشريع اللاحق قد الغى السابق عليه.

وقبل ان نتعرض لاحكام هذا الفصل، ينبغي ان نشير الى النصوص الثلاثة التي انفرد القانون رقم 79/6 لسنة 1980 باستثنائها تتعلق باشخاص منازع في صفتهم كمكترين، وان تسويتهم بالمكترين غير المنازع في صفتهم، هو من باب المبالغة في اضفاء الحماية القانونية على غير مستحقيها .

فالحالة التي يعنيها الفصل 695، تتعلق بشخص اكترى بعقد عرفي غير ثابت التاريخ، وبما ان الفصل 425 ينص على ان الغير لا يحتج عليه بتاريخ العقد العرفي، الا اذا كان ثابتا فمن حق المالك الجديد للعقار ان يدفع بألا يحتج عليه بهذا الكراء، على اعتبار ان يكون المالك السابق قد ابرمه بعد ان كان قد باع العقار فاعطى له تاريخا سابقا ولهذا فلا يحتج عليه بهذا التاريخ، الا اذا كان ثابتا باحدى الوقائع المنصوص عليها فيه، والحالة المعينة بالفصل 697 اكثر وضوحا في هذا الشان من الاولى، لانها تتعلق بشخص استحق العقار من يد الغير الذي سبق ان اكراه، فمن حق هذا الذي استحق العقار، ان يدفع بان الكراء صدر من غير المالك، والكراء من غير المالك مثل الشراء من غير المالك الا يحتج به على المالك الحقيقي، الا وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 485 اما الحالة الاخيرة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 698، فهي تتعلق بالاستثناء الثاني من القاعدة العامة التي يقررها صدر الفصل، والقائلة بان الكراء لا ينقضي لا بموت المكري ولا بموت المكتري الا انه ينقضي في حالتين اثنتين.

الحالة الاولى الكراء الذي يبرمه المستحق في ملك محبس ينقضي بوفاته.
اما الحالة الثانية والمعنية بالموضوع، فتتعلق بالكراء الذي يبرمه من بيده الشيء بدون موجب، فان هذا الكراء ينقضي بوفاة المكري، ومن بيده الشيء بدون موجب يعتبر مجرد غاصب او محتل .
وهذا الكراء، طبقا للفصل 698، ينقضي بوفاة المكري بالنسبة لجميع الورثة والمالك الحقيقي.

ومؤدى استثناء هذه الفصول، من التطبيق على عقود الكراء الخاضعة لاحكام القانون رقم 79/6، هو انه يجب على المالك الجديد في الفصل 695 ومستحق العقار في الفصل 697 ان يعامل المكتري، في الحالتين، كالمكتري الحقيقي بحيث يجب عليه اذا اراد ان يسترد منه العقار ان يوجه اليه اشعارا بالافراغ وفق احكام الفصلين 8 و9، وان يطلب تصحيحه امام محكمة الفصل 23 اذا رفض تنفيذه رضاءا .

اما مؤدى هذا الاستثناء، بالنسبة لما يعنيه الفصل 688، فهو يحتاج الى وقفة، نفصل فيها من يعنيهم هذا الاستثناء هل ورثة المحتل فقط ام حتى غيره بمن فيهم المالك ؟ 
الظاهر ان من يعنيهم استثناء هذه الفقرة من التطبيق هم ورثة المحتل، بمعنى انه يجب عليهم اذا ارادوا اخلاء المكتري ان يوجهوا اليه الاشعار بالافراغ مثل الحالتين السابقتين .

اما بالنسبة لمالك العقار، فان المكتري يعتبر بالنسبة اليه مثل المكري مجرد غاصب، فمن حقه ان يطالبه باخلائه، بهذه الصفة، لا بصفته مكتريا.
وعودة الى موضوع اللاحق يلغي السابق، فان الفصل 474 يحدد حالات ثلاثة للقول بذلك .

الحالة الاولى، اذا نص على ذلك صراحة القانون الجديد، وليس لا في ظهير 24 مايو ولا في القانون رقم 79/6 سنة 1980، اية اشارة الى الغاء أي نص من نصوص قانون الالتزامات والعقود، سواء منها الواردة في اسم الكراء او ضمن القواعد العامة المطبقة على كافة العقود وكل ما في الامر ان المشرع استثنى من التطبيق المقتضيات التي اشرنا اليها سابقا، وقد راينا انه ليس منها الفصل 692.

الحالة الثانية، اذا كان القانون اللاحق لم يلغ السابق عليه صراحة، الا انه اعاد تنظيم جميع الموضوع الذي كان ينظمه القانون السابق، وظهير 24 مايو وكذا القانون رقم 79/6 لم يعد تنظيم جميع موضوع عقد الكراء، وانما سن احكاما مختلفة لبعض المسائل، منها المتعلقة بانقضاء العقد لانتهاء مدته، وكذا تجديده وتولية حق الكراء والتخلي عنه، ومسائل اخرى جانبية وليس منها بالتاكيد فسخ عقد الكراء، عدا ما نص عليه الفصل 26، الذي سنخصص له كلمة فيما بعد .

الحالة الثالثة : اذا كان القانون اللاحق يتعارض في احكامه مع القانون السابق عليه، تعارضا يمنع الجمع بينهما في التطبيق، وقد راينا انه لا يوجد أي تعارض بهذا المعنى بين دعوى الفسخ التي تعتري العقد حتى اثناء سريان مدته، وبين مسطرة الانهاء التي لا يجوز تحريكها الا مع نهاية مدته.

فحين يخل المكتري بالتزاماته اثناء سريان مدة العقد المحدد المدة، يكون دور دعوى الفسخ ضروريا لا يغني عنه دور مسطرة الفصل 6 من ظهير 24 مايو، او مسطرة الفصل 8 من القانون رقم 79/6 لسنة 1980، لان هاتين المسطرتين لا يجوز تحريكهما الا مع نهاية مدة العقد، ثم ان الاخذ بهذا المعيار القائل بان القانون اللاحق يلغي السابق عليه اذا تعارض معه، يؤدي الى النازلة الى نتائج تتنافى مع مقاصد المشرع .

يؤدي الى القول بان جميع النصوص الواردة في ق ز ع والمشار اليها في الفصل 6 و22 من ظهير 24 مايو، وكذا التي اشير اليها في الفصلين 8 و19 من القانون رقم 79/6 لسنة 1980، قد الغيت بينما ان هذا غير صحيح، فهذه المقتضيات لازالت واجبة التطبيق على غير عقود الكراء التي ينظمها الظهير والقانون المذكوران. وان المشرع لم يلغها، وانما استثناها من التطبيق على هذه العقود، كما يؤدي الاخذ به على اطلاقه الى القول، ليس فقط، بالغاء تلك المقتضيات، وانما بالغاء كل الاحكام العامة المتعلقة بعقد الكراء الواردة في باب الكراء، وهو قول غير صحيح كذلك.

وهكذا، يتبين ان جميع هذه المعايير الثلاثة الواردة في الفصل 474 لا يمكن اعتمادها للقول بان القانونين اللاحقين المذكورين قد ألغيا القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، بشان عقود الكراء كلا او جزء، وان المشرع قد اتخذ من تلك القواعد موقفا اخر ليس هو الالغاء، وانما منع تطبيق مالا يتفق منها مع الاحكام التي سنها بمقتضى هاذين التشريعين، الا ان هذا الاستثناء لم يشمل دعوى الفسخ التي ينظمها الفصل 692.
على ان المشرع قد سن احكاما اخرى، في هاذين التشريعين، خرج بها عن بعض القواعد العامة، دون ان يشير الى استثنائها صراحة، ومع ذلك فلا مجال لتطبيقها، في حدود ما يتعارض منها مع تلك الاحكام.

ومن هذه الاحكام، المقطع الوارد في الفصل 6 من الظهير والفصل 8 من القانون الذي يقول دون الالتفات الى أي شرط تعاقدي ( الفصل 6) او رغم كل شرط مخالف ( الفصل 8)، فهذه العبارة تمس القاعدة الأصولية الواردة في الفصل 230 من ق ز ع التي تقرر ان العقد يعد شريعة المتعاقدين بالنسبة لشروطه .

وبالفعل، فان هذا المقطع الذي ورد بصدد استبعاد القاعدة التي تقول بان عقد الكراء ينقضي بقوة القانون، بانتهاء مدته دون سابق انذار، واحلال قاعدة اخرى محلها، تقتضي ان عقد الكراء ينتهي بانتهاء مدته اذا سبقه انذار مبرر، هذا المقطع يفيد ان هذا الانذار الذي يضع حدا لعقد الكراء مع نهاية مدته، يجب ان يوجه الى المكتري ولو اتفق الطرفان على خلاف ذلك، ومن هنا تكون قاعدة ان العقد يعد شريعة المتعاقدين قد استثنى المشرع تطبيقها، في هذه الحدود فقط دون غيرها.

ونفس هذا الكلام يقال على ما ورد في الفصلين 36 و37، من ان المكتري يبقى له الحق في طلب التجديد، اذا وجه اليه انذار بالافراغ، في نطاق الفصل 6، ولو سبق له ان تنازع عن هذا الحق في عقد الكراء او عقد لاحق، كما يبقى له الحق اذا توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في الفصل 5 من الظهير، ان يحيل الحق في الكراء الى الغير ولو سبق ان تنازل عن هذا الحق، فقاعدة ان العقد شريعة المتعاقدين يطولها هذا الاستثناء كذلك.

اما ما يتعلق بما ورد في الفصل 26 فهو يهم حالة خاصة خرج فيها المشرع ليس فقط على احكام الشرط الفاسخ المنصوص عليها في الفصل 260 من ق ز ع، بل خرج فيها حتى على القاعدة التي قررها بمقتضى نفس الفصل 6 من الظهير نفسه فالعقد هنا يوضع له حد حتى اثناء سريان مدته، خلال مسطرة الانهاء المنصوص عليها ي الفصل السادس التي لا تتحرك لا مع نهاية مدته.

غير ان هذه الحالة الخاصة، يشترط لتطبيق الفصل 26 عليها، ما يلي :
ان يكون هناك شرط فاسخ اتفق عليه طرفا العقد.
ان يكون هذا الشرط يتعلق بعدم اداء الكراء، دون غيره من الالتزامات الاخرى، واذا توافر هذان الشرطان، فان من حق المكتري الذي لم يؤد الكراء، رغم وجود الشرط الفاسخ، ان يدفع بعدم قانونية اية مسطرة اخرى تتبع ضده لوضع حد لعقد الكراء، سواء منها المنصوص عليها في الفصل 6 من من الظهير او المنصوص عليها في الفصل 260 او 692 من ق ز ع .

والسبب في ذلك هو واضح، لان المسطرة المنصوص عليها في الفصل 26، تعطي للمكتري ضمانة ان القاضي يستطيع ان يمنح له مهلة للاداء، ولو تحقق الشرط الفاسخ في حقه، خلافا ما يقتضيه الفصل 260 وكذا الفصل 6، اذ تبين له ان عدم اداء الكراء يرجع الى سبب خارج عن ارادة المكتري .

ولعل الحكمة في تمييز هذه الحالة بالخصوص بهذه الاحكام، هو ان المشرع قدر ان المكتري التاجر يتعرض لنكبة مالية عابرة حالما تزول، فاراد ان يمنح له اجل الميسرة لاداء ما حل عليه من وجيبة الكراء، في انتظار ان تتحسن وضعيته المالية بالسيولة، على الا يتعدى هذا الانتظار سنة واحدة .

ومن المسائل التي خصها المشرع باحكام مخالفة، مسالة احتياج المكري الى السكنى كسبب يبرر به وضع حد لعقد الكراء، فاذا اعتبرنا ان ما جاء في الفصل 16 من الظهير والفصل 13 من القانون، بشان احتياج المكري الى السكنى كسبب يبرر وضع حد لعقد الكراء مع نهاية مدته، يتعارض مع ما جاء في الفصل 693 من ق ز ع تعارضا يمنع الجميع بينهما، رغم ما تفيد حرفية النص من ان المشرع انما منع بالفصل 693 الاحتجاج بهذا السبب لفسخ العقد لإنهائه مع نهاية مدته، مما يسمح بالقول بعدم وجود التعارض بين النصين، فان المشرع يكون، بما ورد في الفصلين المذكورين من احكام، قد استثنى ضمنا تطبيق ما جاء في الفصل 693 على عقود الكراء الخاضعة لظهير 24 مايو للقانون رقم 79/6 لسنة 1980.

ان التعارض المطروح اذا، هو الذي يقع بين نص او قاعدة من القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، ونص او قاعدة من قواعد ظهير24 مايو او القانون رقم 79/6 لسنة 1980، وحين يكون هذا التعرض حقيقيا بحيث لا يترك مجالا لاعمال القاعدة العامة، ففي هذه الحالة تطبق القاعدة الواردة في القانون الخاص دون غيرها.

ومن القواعد الثابتة، في هذا المجال، انه اذا كان القانون الخاص غير واضح الدلالة في النقطة الخلافية مع النص العام، فانه لا يجوز التوسع في تفسيره على حساب القاعدة العامة.
وظهير24 مايو او القانون رقم 79/6 يطبق كل منها، دون غيرهما، على كافة عقود الكراء والمكترين الخاضعين لاحكامه، متى كانت الوقائع محل النزاع قد سن لها احكاما خاصة والا فالقانون العام هو الواجب التطبيق فحين يكون موضوع النزاع مثلا هو مطالبة المكتري للمكري بضمان الانتفاع بالشيء المكري، او صيانته، او مطالبة المكري للمكتري باداء الكراء، او استعمال المحل فيما اعد له، فان القانون العام هو الواجب التطبيق لا محالة، على اعتبار ان التشريعين المذكورين لم يسنا اية احكام لمثل هذه المنازعات .

كما انه، اذا كان موضوع النزاع هو دعوى الفسخ التي يقدمها المكتري ضد المكري، او هذا الاخير ضد الاول، بسبب اخلاله بالتزاماته، فان القانون العام هو الواجب التطبيق كذلك لنفس السبب، وهو ان هاذين التشريعين لم يسنا اية احكام خاصة بدعوى الفسخ .
اما اذا كان موضوع النزاع هو مطالبة المكري للمكتري بافراغ المحل لاحتياجه الى السكن فيه، او لهدمه، واعاة بنائه، او لغير ذلك من الاسباب الاخرى الواردة في الظهير او القانون، عدا اسباب الفسخ، فان القانون الخاص هو وحده الواجب التطبيق، ويكون على المكري، في هذه الحالة، ان يكون قد وجه الى المكتري انذارا بالافراغ او اشعارا بالافراغ مسببا بمثل هذه الاسباب، وذلك قبل نهاية مدة العقد بستة اشهر، او ثلاثة حسب ما اذا كان المحل المكري للتجارة او للسكنى او للاستعمال المهني.

اما اذا كان سبب الافراغ هو اخلال المكتري بالتزاماته، فبما ان هذه الاسباب يمكن توظيفها، في اطار مسطرة الفسخ المنصوص عليها في الفصل 692 من ق ز ع او مسطرة انهاء العقد الواردة في ظهير 24 مايو او القانون رقم 79/6 لسنة 1980، ففي امكان المكري ان يسلك احدى هاتين المسطرتين، الا انه اذا اختار مسطرة الانهاء وجب عليه ان يحترم مدة العقد، بحيث لا يجوز له ان يوجه الى المكتري الانذار بالافراغ او الاشعار بالافراغ الا مع نهاية مدة العقد، اما اذا اختار مسطرة الفسخ فان هذه تضع حدا للعقد حتى اثناء سريان مدته.

فالخيار الممنوح للمكري ليس خيارا مطلقا، بحيث يمكن له مثلا ان يطلب افراغ المكتري، طبقا للقواعد العامة، لمجرد انه كان قد تعهد في طلب العقد باخلاء المحل من اجل معين دون سابق انذار، بل خيارا خاصا باسباب الفسخ اقتضته ازدواجية وظيفة هذه الاسباب، كما سبق القول، وليس في القواعد العامة ما يمنع من ان تكون للشخص دعويان من اجل سبب واحد، بل ان الفصل 468 من ق ز ع يقتضي وجود ذلك حيث ينص على ما يلي:
اذا كان لشخص واحد من اجل سبب واحد دعويان، فان اختياره احداهما لا يمكن ان يحمل على تنازله عن الاخرى.
وفي هذا الاتجاه صدرت عن المجلس عدة قرارات نشر الكثير منها، وبعدما استقر راي المجلس، ومعه محاكم الموضوع التي كثيرا ما تشير الى هذا الاستقرار في احكامها، اصبحت اعادة نشر ما يصدر من القرارات أمرا غير ذي فائدة، وبعدما نشر القانون رقم 79/6 لسنة 1980، وبدا تطبيقه على القضايا التي تعرض على محاكم الموضوع يصل الى المجلس، عاد السؤال يطرح من جديد عما اذا كانت لدعوى الفسخ مكانة ضمن تطبيق هذا القانون، ونظرا للتشابه القائم بين هذا القانون وظهير 24 مايو، في اهم القضايا الرئيسية التي عالجها التشريعان، وبالخصوص منها، مبدا انقضاء العقد بنهاية مدته وتجديده، حيث اعاد المشرع صياغته على نحو ما فعل في ظهير 24 مايو، على اساس ان العقد ينقضي بنهاية مدته، شريطة ان يكون قد وجه الى المكتري اشعار مبرر بالافراغ قبل نهايتها بثلاثة اشهر، وان تصادق عليه المحكمة والا فانه يمتد ليصبح عقدا بالمشاهرة ( الفصلان 8 و18)، فاحترام مدة العقد شرط اساسي في هذا القانون مثل الظهير، ولهذا  فقد كانت الاجابة على التساؤل سريعة، حيث قرر المجلس ان دعوى الفسخ يمكن الالتجاء اليها حتى بالنسبة للعقود الخاضعة لهذا القانون، لانه هو الاخر لم ينظمها ولم يلغ ان يستثن الفصل 692 المتعلق بها، وهكذا سارات تتوالى قرارات المجلس في هذا الاتجاه، خصوصا عن قسم الغرفة المدنية، الذي اصبح وحده المختص بقضايا الافراغ السكنية والمهنية، معلنا على نفس فكرة الخيار الممنوحة للمكري، في هذا الشان، بين دعوى الفسخ ومسطرة الاشعار بالافراغ، ومن هذه القرارات القرار الصادر بتاريخ 12 يونيه1989 بالملف المدني 2801-87 الذي جاء فيه على الخصوص.

اذا كان المكتري في حالة مطل، سواء تعلق الامر بالكراء التجاري او السكني، يكون للمكري الخيار بين المطالبة بفسخ العقد، طبقا للقواعد العامة او الالتجاء الى مسطرة القانون الخاص، ولا يوجد في القانون ما يمنعه من هذا الخيار .
هذا، ما قال به قسم الغرفة المدنية الذي اسندت اليه المنازعات المتعلقة بالكراء السكني والمهني، فقد اكد على مبدا الخيار بين المسطرتين سواء تعلق الامر بالكراء التجاري او السكني.

الأستاذ احمد عاصم، المستشار بالمجلس الاعلى 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 63، ص 11.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية