-->

تعليق على قرار استئنافي الاتفاقية الدولية لنقل البضائع عبر البحر المعروفة باتفاقية هامبورغ لسنة 1978

تعليق على قرار استئنافي
عدد 3495 الصادر عن محكمة الاستئناف باكادير
في 22/10/98 ملف 71/97

نادية لوديني
المحامية بهياة الدار البيضاء

1)    معلوم ان الاتفاقية الدولية لنقل البضائع عبر البحر المعروفة باتفاقية هامبورغ لسنة 1978 تضمنت تعديلات اساسية لكل قواعد النقل البحري سواء في الاجراءات الشكلية من حيث الاجل والمسطرة او الجوهرية من  حيث المسؤولية وحدودها وشروط الاعفاء منها والتحديد القانوني لها وان هاته التعديلات خصت النقل الدولي فقط باعتبار ان النقل الداخلي والوطني بقي خاضعا لمقتضيات القانون التجاري البحري .

وكان ذلك مثار نقاش قانوني هام في النوازل  البحرية  اذ كثيرا  ما يتمسك  الناقل  البحري  بقواعد  القانون التجاري البحري لسنة 1919 مطالبا بسقوط الدعوى لفوات اجل التسعين  يوما  مثلا ومستبعدا بذلك ما ذهبت اليه الاتفاقية من  تحديد  اجل  للتقادم حدد في سنتين دون اي اجل للسقوط ان بمقتضيات الفصل 266 ق ت ب فيما يخص تحديد المسؤولية في 1.000 دهـ عن الطرد او مختلف ابواب القانون البحري باعتبارها الاصلح له .

كما ان  العمل  القضائي  كان  يعمد  الى  تطبيق قواعد القانون البحري وترجيحها على اتفاقية هامبورغ لعدم وجود نص صريح في الاتفاقية يبطل مفعول القانون التجاري او يلغيه .
وصدرت في هذا الشان احكام وقرارات عديدة عن المحكمة الابتدائية بانفا ومحكمة الاستئناف بالبيضاء ( وم) .
-----------------
1)    قرار 4085 في 21/12/95 عن استئنافية البيضاء غير منشور .
----------------
لكن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف باكادير اتى بتفسير واضح وقانوني لحل معضلة تنازع القوانين هاته حين اكد في حيثياته ان المغرب بمصادقته على الاتفاقية الدولية للنقل البحري المعروفة بقواعد هامبورغ في 17/07/81 ونشرها بالجريدة الرسمية عدد 3983 بتاريخ 03/08/88 قد رفعها الى مصاف القوانين الوطنية اعتبارا لمقتضيات الدستور الذي يصنف القوانين الواجب تطبيقها بالمغرب والذي يجعل توقيع الملك على المعهدات الدولية شيء يخولها صبغة قانون وطني يجري العمل به بمجرد صدور قانون تطبيقه .
مضيفا ان الاتفاقية الدولية اصبحت هي الواجبة التطبيق باعتبار ان القانون اللاحق يلغي السابق في كل ما يتعارض معه فيه. وبذلك يكون القرار قد حسم في هاته النقطة القانونية ووضع اول لبنة في ازالة الغموض الذي طالما اكتنفها .

2)    كما ناقش هذا القرار نقطة لا تقل اهمية عن سابقتها حين تعرض لمبدا تحديد مسؤولية الناقل البحري على ضوء المادة السادسة من اتفاقية هامبورغ .
وقد ان نورد ما جاء في القرار حول هاته النقطة لابد من اعطاء موجز عنها في كل من القانون التجاري البحري واتفاقية  هامبورغ. ذلك ان الناقل البحري يستفيد من مبدا تحديد المسؤولية كلما كان سند الشحن خاليا من التصريح بقيمة البضاعة ومفاد هاته الفكرة انه ليس علىعلم بقيمة البضاعة المنقولة حتى يتخذ مزيدا من الاحتياطيات لصيانتها والحفاظ عليها او التامين عليها ان كانت قيمتها عالية (2) .

وقد حدد الفصل 266 ق ت ب مسؤولية الناقل البحري في حالة عدم التصريح بقيمة البضاعة في وثيقة الشحن في 1000 درهم عن كل طرد بالرغم من كل اتفاق مخالف .
وهو تعويض جزافي وشامل لكل ما يمكن ان يفوت المرسل اليه من كسب وما اصابه من عطل وضرر .
-----------------
1)    حكم عدد 288 في 20/03/96 عن ابتدائية الحي المحمدي غير منشور .
2)    مؤلف ذ يونس بنونة " مسؤولية الناقل البحري" .
-----------------
وتعد مقتضيات المادة 266 ق ت ب من النظام العالم لا يمكن للاطراف مخالفتها بتحديد تعويض اقل والا كان هذا الاتفاق باطلا. الا انه يمكن للاطراف الاتفاق حبيا على رفع قيمة التعويض الى اكثر من 1.000 دهـ المحددة في الفصل 266 ق ت ب .
وبذلك يكون التعويض المحدد في هاته المادة هو الحد الادنى لما يمكن الاتفاق عليه والحد الاقصى الذي يجب على القاضي الحكم به اي انه الحد الادنى للمسؤولية الاتفاقية والحد الاقصى للمسؤولية القانونية عند هلاك البضاعة او عوارها وهي غير مصرح بقيمتها في وثيقة الشحن .

ولابد من التذكير في الاخير ان قيمة البضاعة ان كانت اقل من 1000 درهم فلا يحكم للمتضرر الا بقيمتها الحقيقية. وللقضاء المغربي اجتهادات عديدة ومتوافرة في هذا الباب .
وقد تناولت اتفاقية هامبورغ بدورها مبدا تحديد مسؤولية الناقل البحري عن كل طرد لم يصرح بقيمته في وثيقة الشحن، على ان مبلغ التعويض عرف ارتفاعا مهما بالمقارنة مع القانون التجاري البحري وكان ذلك طبيعيا بالنظر لارتفاع قيمة البضائع واجرة النقل وظهور الاوعية الحديدية (1) .

وهكذا نصت المادة السادسة من اتفاقية هامبورغ في الفقرة الاولى منها " تحديد مسؤولية الناقل عن الهلاك الناجم عن هلاك البضاعة او تلفها وفقا لاحكام المادة 5 بمبلغ يعادل 835 وحدة حسابية عن كل طرد او وحدة شحن اخرى او 2.5 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام يهلك او يتلف من الوزن الاجمالي للبضاعة ايهما اعلى" .

اي ما يعادل 4.000 دهـ من كل طرد و12.5 دهـ عن كل كلغ من الوزن الاجمالي للبضاعة (2) .
وقد احالت المادة السادسة من اتفاقية هامبورغ في فقرتها الثانية على المادة 26 فيما يخص شرح الوحدة الحسابية والتي جاء في الفقرة الاولى منها :
----------------
1)    المرجع السابق ذ. يونس بنونة " مسؤولية الناقل البحري" .
2)    المرجع السابق ذ. يونس بنونة " مسؤولية الناقل البحري" .
---------------
" ان الوحدة الحسابية المشار اليها في المادة السادسة من هذه الاتفاقية هي حق السحب الخاص كما يحدده صندوق النقد الدولي " Spécial Drawing Rig "SDR " .
" ويحول المبالغ الواردة في المادة السادسة الى العملة الوطنية للدولة على اساس سعر الصرف بتاريخ صدور الحكم او التاريخ الذي يتفق عليه الاطراف المعنية .
" ان قيمة العملة الوطنية بدلالة حق السحب الخاصة لدولة متعاقدة عضو في صندوق النقد الدولي تحسب بموجب اسلوب التقدير الذي يطبقه صندوق النقد الدولي الساري المفعول في تاريخ معين على جميع عملياته وصفقاته" .

ويلاحظ ان الاتفاقية لم تقنن الحد الادنى للتعويض في حالة الهلاك او التلف بالعملات الوطنية كما كان الحال في السابق لعدم استقرار العملات وتاثيرها بالازمات العالمية بل اخذت في تحديد المسوؤلية النقدية بوحدة حق السحب الخاص .

وهاته الوحدة اوجدها صندوق النقد الدولي بعد انهيار نظام تكافؤ الذهب وتمثل هاته الوحدة عملات ستة عشر دولة من الدول الاعضاء في الصندوق والتي لها صادرات كبيرة من البضائع وخدمات متعددة تجعل قوتها الشرائية مرتفعة كذلك (1) .

اما في حالة التاخير في التسليم فلا تطبق نفس القاعدة في احتساب التعويض فقد نصت الفقرة الثانية من المادة السادسة على انه :
" تحدد مسؤولية الناقل عن التاخير في  التسليم وفقا لاحكام المادة 5 بمبلغ يعادل مثلي ونصف مثل اجرة النقل المستحقة الدفع عن البضائع المتاخرة على الا يتجاوز هذا المبلغ مجموع اجرة النقل" .

هكذا فان التعويض في حالة التاخير في التسليم غير قار ويختلف باختلاف اجرة النقل وقيمة البضاعة على انه يجب الا ليتجاوز اجرة النقل .
وللاشارة فقط فانه طبقا للفقرة الرابعة من المادة السادسة من الاتفاقية يمكن لاطراف عقد النقل الاتفاق على تعيين حدود المسؤولية تتجاوز الحدود المنصوص عليها في ظل الاتفاقية .
---------------------
1)    نفس المرجع السابق ذ. يونس بنونبة " حول شرح وحدة السحب" .
---------------------
وفي هذا القرار موضوع التعليق فان محكمة الاستئناف طبقت مبدا تحديد المسؤولية باعتبار ان الناقل تمسك بهذا الدفع لعدم التصريح بقيمة البضاعة في وثيقة الشحن .
وتحرت المحكمة بخصوص استكمال كل الاجراءات الخاصة باحتساب التعويض مشيرة الى الكتاب الصادر عن بنك المغرب الذي ادلت به المؤمنة والذي يحدد قيمة حق السحب الخاص .

الا ان هذا القرار لم يساير حسابات الناقل البحري حين تاكد له ان حساب التعويض حسب وزن الشحنة ككل يفوق بكثير مطالب المؤمنة التي اقتصرت على المطالبة بقيمة البضاعة المعيبة حسب الخبرة المنجزة فقط .
وبذلك تكون المحكمة قد طبقت المادة 3 ق م م تطبيقا سليما حين اعملت القانون الواجب على النازلة واعتبرته الاصلح للناقل .

تلك كانت اطلالة موجزة على ما تضمنه القانون التجاري البحري حول تحديد المسؤولية مع العلم على ان هذا المبدا ترد عليه استثناءات متعددة لا يتسع المجال هنا لايرادها .

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 83، ص 171 .

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التعليق على الاحكام و القرارات