-->

إيجابيات وسلبيات تعديل الفصل 119 من مدونة الأحوال الشخصية السابقة


 للسيد صالح سموح مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء
          
القسم الأول

الحلقة الأولى
من تعليق حول إيجابيات وسلبيات الفصل 119
من مشروع تعديل مدونة الاحوال الشخصية لسنة 1993

من خلال قراءة الفصول التي مستها انامل المراجعة في مشروع التعديل  لمدونة  الاحوال  الشخصية  الذي لازال  تحت  الدراسة  وقت تحرير هذا التعليق والمشروع منشور في جريدة الصحوة 22 بتاريخ 22 مايو1993 يتضح للقارئ الكريم، وللقاضي المحترم وللمحامي المهتم، وللباحث الملهم ان المشروع باعتباره عملا بشريا تمهيديا واوليا تضمن عدة ايجابيات مهمة جدا وبعض السلبيات أتمنى كما يتمنى كل مهتم او مهتمة  بهذه المراجعة ان يتلافى التعديل النهائي بعض هذه السلبيات على الاقل .

وذلك عن طريق تعديل كل فصول النفقة المرتبطة بالفصل 119 ارتباطا عضويا مثل الفصل 121 من ظ 1959 او ارتباطا  نوعيا  مثل الفصول 126 - 130 وغيرها من بقية فصول النفقة عامة باعتبارها موردا لسد رمق فئة مهمة من الفئات الاجتماعية ومن اجل ذلك وجب ان  تكون  المراجعة  عامة  وشاملة لما ينبغي تعديله وبالاخص ما دلت التطبيقات العملية القضائية بالخصوص اما على ان نصوصها لم تطبق  كما  يجب  تطبيقه  نظرا  للاخذ ببعض  النظريات الفقهية اعتمادا على بعض النصوص القانونية مثل الفصل 172 من م ح ش، والفصل 121 منه ايضا .

او ان التطبيق الميداني ادى الى تحويله عن المقصود منه، مثل الفصل 130 من ظهير1959 الذي تعثر القضاء  في تطبيقه منذ 1977 كما يتضح فيما بعد، ونظرا لكون المقال لا يتسع لتوضيح وتعداد جميع ايجابيات الفصول المعدلة من ظهير1959 وسلبياتها، سنكتفي  بالتعليق  على  الفصل 119 من مشروع التعديل وذلك بتحديد مجال التعديل المذكور من ايجابياته وسلبياته وما يجب ان يكون عليه الفصل 119 في المشروع النهائي، والمراجعة المقبلة وما هو مطلوب من القضاء .

تحديد مجال تعديل الفصل 119 من مشروع 1993
نص الفصل المذكور :
ان الفصل 119 من مشروع تعديل جاء فيه ما يلي :
أ‌- يراعى في تقدير النفقة وتوابعها دخل الزوج وحال الزوجة ومستوى الاسعار مع اعتبار التوسط. ويسند تقديرها، لمن يعنيه القاضي، ويفصل فيها بشكل استعجالي ويبقى مفعول الحكم الاول نافذا الى ان تسقط النفقة او يغير الحكم بآخر، ولمعرفة التعديل الذي ادخل على الفقرة الاولى بالخصوص والفصل 119 ككل يجب الاشارة الى الفصل الذي وقع تعديله من الظهير الشريف لسنة 1959 الذي جاء فيه حسب الفقرة الاولى منه والتي نالها التعديل :
1- يراعى في تقدير النفقة وتوابعها يسر الزوج وحال الزوجة وعادة اهل البلد وحال الوقت والاسعار مع اعتبار التوسط، ومن خلال تركيز البحث في مشتملات الفقرة الاولى من الفصل 119 من ظهير1959 يتضح جليا انها اقتصرت على تبيان المعايير الواجب مراعاتها عند تقدير نفقة الزوجة وحدها اذا ما وقع امساك الزوج عن الانفاق عليها، وتقدمت الى القضاء طالبة الحكم لها عليه بادائها نفقتها المستحقة لها، في مواجهته منذ امساكه.

ولا ريب ان هذه المعايير المحددة في الفصل 119 من ظهير1959 تصل الى خمسة معايير وهي :
أولا : معيار يسر الزوج : ويقصد به قدرته المادية المكونة من ممتلكاته المنقولة والعقارية والدخول المحصل عليها من خدماته الحرة او الماجورة او هما معا .
ثانيا : المعيار الثاني حال الزوجة ويقصد به وضعيتها الاجتماعية المادية والمعنوية .

ثالثا : معيار عادة اهل البلد التي تتمثل في وجوب مراعاة ما اعتاد الناس عامة تناوله من مواد غذائية وألبسة وسكن وجميع الوسائل الضرورية التي اعتاد الناس استعمالها في حياتهم المعاشية لسد حاجياتهم الضرورية في بلد سكنى الزوجين معا او بلد سكنى الزوجة ان كانت غير مستوطنة مع زوجها، واشتراط مراعاة عادة اهل البلد عند تقدير نفقة الزوجة في الفصل 119 من ظهير 1959 لم يكن شرطا زائدا او ثانويا، وانما كان يرمي الى تحقيق وجوب توحيد او عدم توحيد النفقات المحكوم بها للزوجات تبعا لاتحادهن في عادة اهل البلد او اختلافهن في مقدار ما يحق لهن على أزواجهن حسب اختلاف عادات البوادي او المدن والاقاليم والارياف .

رابعا : معيار حال الوقت ويقصد به وجوب مراعاة الوقت الذي طلبت فيه النفقة، لتقدر قيمتها على اساس الحاجيات التي تحتاج اليها الزوجة، حسب الوقت الذي وجبت فيه على الزوج فان كان ذلك الوقت وقت صيف وجب تحديد قيمة نفقتها حسب حاجياتها وقت الصيف وان كان الوقت وقت الخريف قدرت حسب قيمة الاشياء المستحقة لها وقت الخريف، ولنقل مثل ذلك في فصل الشتاء، وفصل الربيع، وهكذا فان منطق العدالة يفرض مراعاة حال الوقت الذي يوجب على القاضي ان يقدر النفقة على اساس الفصول الاربعة اخذا بعين الاعتبار ما يتخللها من مناسبات واعياد وطنية او دينية.
وتمشيا في هذا الاتجاه كان العمل ولازال جاريا في تقدير المحاكم الشرعية، للنفقة المستحقة للزوجة على اساس يومي او شهري او اسبوعي تبعا لاخذها بمعيار حال الوقت عند التقدير.

خامسا : معيار حال الاسعار مع اعتبار التوسط .
ويقضي هذا المعيار على ان يراعى عند تقدير نفقة الزوجة حال اسعار الحاجيات التي تسد بها رمقها من انخفاضها الى ارتفاعها تبعا للعرض والطلب الموجود في السوق مع وجوب مراعاته التوسط في تقدير ما تستحقه الزوجة من نفقة في مواجهة زوجها الذي يختلف بدوره في قدرته المادية عن غيره من الازواج .

ومراعاة القاضي حال الاسعار تمكنه من الزيادة في قيمة النفقة المستحقة للزوجة في حالة ما اذا ارتفعت اسعار المواد الاستهلاكية بصفة خاصة كما يمكن له ايضا ان ينقص منها في حالة ما اذا تبين له من السوق ان الاسعار قد انخفضت .
وتاسيسا على ذلك خول ظهير1959 في الفصل 120 لكل من المكلف بالنفقة الشرعية والمستحق لها حق طلب النقص او الزيادة فيها اذا ما مر على التقدير السابق سنة كاملة .
الا انه استثنى من تلك القاعدة الاحوال الاستثنائية التي قد تحدث داخل السنة التي قدرت فيها النفقة فانه لكل منهما ان يطلب النقص او الزيادة، ولو قبل مضي سنة على تقدير قيمتها .

مجال التعديل :
مجال تعديل الفصل 119 من مشروع 1993 .
ان اعادة قراءة الفصل 119 من مشروع 1993 تبين بوضوح انه اكتفى بالاشارة الى ثلاثة معايير من المعايير التي كانت مدرجة في نفس الفصل من ظهير 1959 وهي 1- دخل الزوج 2- حال الزوجة 3- مستوى الاسعار مع اعتبار التوسط .
ويتجلى من ذلك انه حذف كلا من معيار عادة اهل البلد ومعيار حال الوقت - اللذين كانا مسجلين في نفس الفصل 119 من ظهير 1959 .
الا انه اضاف الى المعايير الثلاثة الانفة الذكر ثلاث قواعد اساسية وهي :
أولا : قاعدة اسناد تقدير نفقة الزوجة الى من يعينه القاضي .
ثانيا : قاعدة وجوب الفصل فيها بشكل استعجالي .
ثالثا : قاعدة وجوب اعتبار الحكم بنفقة الزوجة نافد المفعول الى ان يسقط بموجب شرعي او يغير بحكم اخر .

ومن تم كان الاطار او المجال الذي حدده المشروع التعديلي لتقدير نفقة الزوجة هو نفس الاطار الذي كان محددا بمقتضى الفصل 119 من ظهير1959 من حيث المعايير الثلاثة الاوائل الواردة ايضا في مشروع 1993 بالاضافة الى القواعد المشار اليها اعلاه .

وباعادة عرض التفصيل الاجمالي اعلاه على محك المقارنة، ووزنه بميزان ما هو ايجابي فيه وما هو سلبي، وما ينبغي ان يكون عليه عاجلا او اجلا، وماذا على القضاء ان يقوم به لتحقيق التوازن بين ما هو واجب على الزوج وما هو مستحق للزوجة .

الايجابي في الفصل 119
من مشروع التعديل لسنة 1993
ان من بين الايجابيات التي تضمنها مشروع التعديل في الفصل 119 تتمثل في اعتبار الحكم القاضي بنفقة الزوجة قابلا للتنفيذ المستمر الى ان يسقط بموجب شرعي كالوفاة او الطلاق او الفسخ او ان يغير بحكم اخر جملة، او يغير في بعض بنوده، فان الحكم الاول يلغى كليا او جزئيا حسب الاحوال فيحل محله الحكم المغير بالكسر الذي يصبح بدوره قابلا للتنفيذ المستمر ايضا الى ان يسقط بموجب شرعي، او يغير بحكم اخر .

واذا كانت هذه الايجابية تعد ثمرة كفاح المراة بصفة عامة والزوجة بصفة خاصة، منذ ان وجدت بجانب زوجها حتى انه يمكن القول بانه اذا كان من الممكن تعداد المكاسب التي حققها مشروع التعديل في فصوله التسعة التي مستها اصابع التعديل فان اولها واهمها هو مكسب قابلية الحكم بنفقة الزوجة نافذا لمفعول بصفة استمرارية الى ان يسقط او يغير بحكم اخر .

وبقطع النظر عما يمكن ان يشتمل عليه الفصل 119 من مكاسب او مغانم، فانه تضمن عدة سلبيات كادت تفقده الغاية المرجوة منه وراء إضافة عدة قواعد جديدة اليها عساها ان تكون مؤدية الى الاسراع بالبث  في النزاع الذي يقوم بين الزوجة وزوجها، فيما يخص الانفاق عليها ومن تلك السلبيات ما يلي ذكره :

السلبية الاولى :
أولا : حذف معياري عادة اهل البلد وحال الوقت من المشروع التعديلي :
ان الفصل 119 من ظهير1959 كان يحتوي على معياري عادة اهل البلد وحال الوقت بالاضافة الى المعايير الثلاثة الاخرى التي تبناها المشروع في فصله 119 المعدل، واحتواء الفصل 119 من ظهير1959 على معيار عادة اهل البلد كان نتيجة حرصه على عدالة الاحكام بتناسبها مع المحيط الذي يعيش فيه الزوجان معا او الزوجة وحدها اذا كانت تعيش في منطقة غير منطقته بحيث تقدر بها نفقتها المستحقة لها على زوجها حسب ما تحتاج اليه من مواد وغذائية وغيرها تتناسب وما يستهلك في البلد الذي تستوطنه .
فاذا كانت تستوطن البادية قدرت لها نفقة اهل باديتها وان كانت تعيش في المدينة قدرت لها نفقتها حسب اهل المدينة.

ولتحقيق هذه الغاية كان الفصل 119 من ظهير1959 ينص في فقرته الاولى على انه يراعى في تقدير النفقة وتوابعها - عادة اهل البلد - اما المعيار الثاني الذي حذفه مشروع التعديل في الفصل 119 فانه يتعلق بمعيار حال الوقت المطلوب عنه نفقة الزوجة حتى تكون مناسبة كما ونوعا لسد الحاجيات الضرورية التي تستحقها باعتبار ان ما تستحقه من اكل وشرب وكسوة وفراش وتوسعة في فصل الصيف ليس هو ما تحتاجه في وقت الخريف او الشتاء او الربيع كما ان قيمة تلك الاشياء تختلف ايضا من فصل بل ومن شهر الى اخر .

ومن تم فان حذف معيار عادة اهل البلد ومعيار حال الوقت من مشروع التعديل لا مبرر له في نظري وذلك لان حذفه سيترتب عنه اصدار احكام قد تكون مطبقة لاي منهما عند تقدير قيمة نفقة الزوجة، على اعتبار منها ان عدم النص عليهما في المشروع يعتبر الغاء لوجوب مراعاتهما عند تقدير قيمة النفقة الذي كانت تفرضه مقتضيات الفقه المالكي والفصل 119 من ظهير1959 .

الشيء الذي يفتح امام القضاء احتمال عدم الاخذ بهما لكون الفصل 119 من مشروع التعديل لم يوجب على القاضي الذي هو مقيد بتطبيق النصوص، مراعاتهما كما اوجب عليه مراعاة دخل الزوج - وحال الزوجة - ومستوى الاسعار مع اعتبار التوسط - مما ينجز معه الى احتمال اصداره احكاما غير مراعية لاي من المعيارين المحذوفين فتكون الاحكام غير منطقية وعادلة، لما قد تحمله معها من تناقض وتباين واختلاف فيما بينها تبعا لاختلاف وجهة نظر من صدرت عنه .

واما الاحتمال الثاني وهو قليل الوقوع فانه يتمثل في الحكم وفق المعيارين معا او احدهما على الاقل، في حالة ما اذا طلب من القاضي وجوب مراعاتهما عند تقديره نفقة الزوجة باعتبارهما عادتين من عوائد المجتمع المحلية التي وصلت في قوتها الالزامية الى مرتبة العرف المحلي الذي يجب على القاضي تطبيقه والا تعرض حكمه الى النقض والالغاء .

والفرق بين حال النص عليهما وعدم النص عليهما يتجلى في  انه عند النص عليهما ينتهي احتمال الاخذ بهما او عدم الاخذ بهما بل يصبح من اوجب واجبات القاضي مراعاتهما والاخذ بهما عند تقديره لنفقة الزوجة والا تعرض حكمه الى النقض والالغاء كما انه يكون محرجا عند عدم تطبيق مقتضياتهما .

اما في حالة عدم النص عليهما اعتمادا على انهما من الاعراف الواجبة التطبيق ولو دون النص عليها فانه يؤدي لا محالة الى صدور احكام مختلفة من حيث الاخذ بهما وعدم الاخذ بهما وهذا الاختلاف يؤدي بدوره الى صدور احكام متباينة ومتعارضة ومن شان التباين والتعارض ان يؤدي الى الاخلال بمبدا وحدة الاحكام الذي يوجب ان تكون متساوية ومتعادلة كما يؤدي الى الاخلال ايضا بمبدا وحدة القوانين او المعايير الواجبة التطبيق على النوازل المتشابهة او الموحدة على الاصح في موضوعها، مثل موضوع النفقة الذي ظلت الزوجة بصفة خاصة، والمراة بصفة عامة، تكافح من اجل اصلاح ما كانت تشعر به من إجحاف فيما يرجع لمسطرة التوصل الى حقوقها المستحقة لها على زوجها لذلك فان المنطق القانوني والعقلي ومبادئ العدالة والسيرة القضائية التي جرى العمل بها قبل خروج هذا المشروع الى حيز الوجود وتمشيا مع رغبة المشرع في تحسين وضعية الزوجة بالنسبة لما تستحقه من الانفاق الذي تسد به رمقها وتحسن وضعيتها الصحية والاجتماعية والاخلاقية ايضا .

فاني ارى من الضروري لارجاع الامور الى نصابها، ولتجنب هذه السلبية ان يضاف عند صياغة المشروع النهائي للفصل 119 كل من المعيارين - معيار عادة اهل البلد، ومعيار حال الوقت .
اضف الى ذلك ان القضاء ملزم بالاخذ بالعادات المحلية ولو لم يرد عليها نص في القواعد القانونية المدونة.

السلبية الثانية :
عدم اعتبار قابلية التنفيذ المستمر للحكم بنفقة الزوجة شاملا لنفقة الاولاد : ان الايجابية التي تضمنها الفصل 119 من مشروع التعديل المتضمنة لقابلية المستمر للحكم القاضي بنفقة الزوجة الى ان يسقط واجبها بموجب شرعي او يغير بحكم اخر المشار اليها في المشروع المذكور دون تعميم هذه القابلية على نفقة الاولاد المحكوم بها ضمن نفقة والدتهم في مواجهة والدهم، تؤدي حتما الى تجزئة تنفيذ بعض الاحكام التي غالبا ما يكون بعض بنودها يقضي بنفقة الزوجة الام، وبعضها يقضي بنفقة اولادها من زوجها.

حيث تكون بنود نفقتها قابلة للتنفيذ المستمر بقوة القانون وبنود نفقة اولادها غير قابلة للتنفيذ المستمر لعدم النص عليها ضمن الفصل 119 في مشروع التعديل او غيره من النصوص الاخرى التي مستها المراجعة، مما يجبر الام الزوجة الى ان تعيش في الحلقة المفرغة التي كانت تعيش عليها من قبل مشروع 1993، تلك الحلقة التي كانت تفرض عليها الدخول في باب تكرار دعاوى نفقتها ونفقة اولادها من زوجها طيلة امساك الزوج وامتناع الاب من الانفاق عليها وعلى اولادها منه، فكلما خرجت بتنفيذ حكم سابق من نافذة المحكمة الا ودخلت من بابها لتسجل دعوى اخرى بالاداء .

واذا تلمسنا الاساس الذي اعتمده المشروع في النص على اعتبار الحكم القاضي بنفقة الزوجة قابلا للتنفيذ المستمر فاننا نجده يكمن في استمرار العلاقة الزوجية فما دامت الرابطة الزوجية قائمة والنفقة واجبة على زوجها وهذا الوجوب لا يقف الا بموجب شرعي حسب الفصل 119 من المشروع.

ولا ريب ان استمرارية وجوب انفاق الزوج على زوجته يضاهيه استمرارية وجوب انفاق الاب على اولاده ما دامت صفة البنوة قائمة طبقا للنصوص القرآنية، والاحاديث النبوية، والاحكام الفقهية المالكية. وفصول المدونة (119-121) بالنسبة للزوجة، والفصول 126 و130 وغيرها من الظهير الشريف لسنة 1959 بالنسبة لنفقة الاولاد، ومن ثم فان هذا التمييز او الاغفال الذي جاء في المشروع التعديلي لا اساس له في الشرائع السماوية، ولا في الشرائع الارضية، ونظرا لكون عدم النص على اعتبار نفقة الاولاد ولو بصفة انفرادية مشمولة بالتنفيذ المستمر مادامت صفة البنوة قائمة الى ان تسقط بموجب شرعي، او يغير الحكم السابق بحكم اخر، حتى تتلافى الزوجة الام مشاكل التنفيذ الجزئي لبعض الاحكام التي ستصدر في اطار الفصل 119 من مشروع التعديل، في حال ما اذا كانت تضم انفقة اولادها من زوجها كما وقع في بعض الاحكام مثل الحكم الصادر بتاريخ 24/11/1990 عدد 1662 في الملف الشرعي عدد 649-90 عن ابتدائية الدار البيضاء انفا الذي قضى بنفقات الزوجة الام من حساب 200 درهم شهريا شاملة للنفقة وتوابعها منذ 4/8/1990 و500 درهم عن نفقة اولادها الاربعة شهريا ابتداءا من 28/8/1990، ووجه الاستدلال بهذا الحكم يتمثل في لجوء المحكمة الى تجزئة الحكم، من حيث وقت استحقاقه نفقة الزوجة وهو تاريخ امساك الزوج عن الانفاق، أي تاريخ الطلب بينما اعتبر وقت استحقاق الاولاد لنفقتهم في مواجهة والدهم تاريخ تسجيل المقال، بينما الواقع القانوني يفرض الحكم باداء النفقة للزوجة والاولاد معا ابتداء من تاريخ الطلب الذي يعتمد على امساك الزوج وامتناع الاب حسب الفصلين 121 - 130 من ق م ح اذ الامساك والامتناع لفظان متحدان في الوقت ومختلفان في اللفظ.

وتلافيا للاحتمال المبسوط اعلاه فانه بات من الضروري اعادة النظر في صياغة المشروع النهائي او في صياغة المراجعة المقبلة حتى تصبح مقتضيات الفصل 119 من مشروع التعديل اما عامة او شاملة لنفقة الاولاد ووالدتهم بصفتها زوجة لوالدهم او تعدل الفصول المتعلقة بنفقة الاولاد التي كانت ينبغي ان تمسها يد التعديل على الاقل، وذلك بان تجعل الاحكام الصادرة بنفقة الاولاد قابلة للتنفيذ المستمر ايضا الى ان تسقط بموجب شرعي او يغير بحكم اخر .

وفي حالة عدم حل هذه الاشكالية في المشروع النهائي، او في المراجعة المقبلة، فان الامل يبقى معقود على القضاء ان يسد باب التنفيذ الجزئي وتكرار دعاوى نفقة الاولاد، باستصداره لاحكام شاملة وقابلة للتنفيذ المستمر بالنسبة لنفقة الزوجة الام واولادها من زوجها المحكوم عليه اعتمادا منه على اساس مقتضيات الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974، واعتماده على الرغبة الملحة التي دفعت المشرع الى اخراج مشروع المراجعة، تلك الرغبة التي تمثلت في وضع حل عام لاشكالية النفقة الزوجية، والقضاء على تكرار الدعاوى التي كانت تلحق بها ضررا وجب رفعه عنها شرعا وقانونا .

السلبية الثالثة :
عدم اعتبار ما تجمد من نفقة الزوجة والاولاد قبل رفع الدعوى مستحق لهم :
ان الفصل 119 من مشروع التعديل لم يتعرض الى اشكالية الحكم او عدم الحكم بما تجمد من نفقة الزوجة واولادها من زوجها المدعى عليه قبل رفع الدعوى، اعتمادا منه بالنسبة لوقت استحقاق الزوجة نفقتها على مقتضيات الفصل 121 من ظهير1959، الذي ينص بصفة صريحة وواضحة على عدم سقوط نفقة الزوجة مهما طال الامد، ما دامت ترتدي لباس الزوجية واضعا بذلك حدا فاصلا لما كان يتخبط فيه الفقه، ومن بعده القضاء من خلاف مزمن حول ما اذا كانت نفقة الزوجة قبل الطلب تعد دينا في ذمة الزوج لا تبرا ذمته منه الا بالاداء او الابراء، ولا يسقط عنه الا بتوفر موجب شرعي، او لا تعد دينا في ذمته ولا يحكم لها به الا منذ تاريخ الطلب.

وبقطع النظر عن تبرير وجهة نظر هذا الطرف او ذاك فان الفصل 121 من ق م أ ش جاء صريحا في اعتبارها دينا متجمدا في ذمة الزوج ويجب عليه اداؤه وعلى القضاء الحكم به مهما طال الامد .
الا ان الحياة التطبيقية للنصوص قد تكون امواجها اقوى امن جذران القوانين التي سرعان ما تحطم تلك الجذران وتنهار تلك القواعد لتخرج من خلالها بعض الاحكام والقرارات من بعض الجهات القضائية لتقرر بان ما تجمد من نفقة لا تستحق الا ابتداء من تاريخ الطلب.

ونفس الاعتبار الانف الذكر شمل نفقة الاولاد كذلك، من حيث اعتبارها دينا او عدم اعتبارها دينا في ذمة الاب ولا يحكم بها عليه الا ابتداء من تاريخ الطلب وهذا بالضبط ما وقع في السيرة القضائية منذ سنة 1977 حيث صدر قرار عن المجلس الاعلى بتاريخ 27/9/1977 تحت عدد 122 المنشور في مجلة المحاماة عدد 18 ص 111 الذي جاء فيه بالخصوص ان الفصل 130 من مدونة الاحوال الشخصية ( يقضي بنفقة الاولاد من تاريخ الامتناع).

وبناء على ذلك ( فان نفقة الاولاد على الاب والام الغنية عند عجز الاب تستحق من تاريخ الامتناع عن ادائها بعد طلبها) ( ولذلك فالحكم المطعون فيه بالنقض لم يكن على صواب حين اعتبر امساك طالب النقض عن النفقة امتناعا دون ان يثبت ان تلك النفقة طلبت منه فامتنع عن ادائها فانه يكون بذلك خرق الفصل 130 من ظهير 1959) .

" وعليه فما دام الطرف المدعي لم يثبت انه كان قد سبق ان طالب المدعى عليه بالنفقة قبل الدعوى وامتنع فان الاولاد لا يستحقون الحكم بالقدر المتجمد في ذمة الوالد، وهذا القرار المتعلق بعدم اعتبار ما تجمد من نفقة الاولاد قبل رفع الدعوى المستحق لهم، بناء على ان الامتناع الوارد في الفصل 130 من ق أ ش  - يقصد به تاريخ الطلب لا تاريخ الاستحقاق - وقع تعميمه حتى على نفقة الزوجة المتجمدة في ذمة الزوج قبل تاريخ رفع الدعوى رغم النص في الفصل 121 من ظهير59 على عدم سقوطها بمضي المدة كما جاء في الحكم الشرعي الصادر بتاريخ 19/6/1990 في الملف عدد 589-89 رقم 489  الذي طلبت فيه المدعية الزوجة الحكم لها على زوجها بنفقتها منذ امساكه عن الانفاق عليها وهو تاريخ فاتح يناير1989.

الا انه بعد تخلفه رغم توصله اصدرت المحكمة الحكم لها بنفقتها بابتداء من تاريخ 19/5/1989 الى تاريخ الحكم 19/6/1990 من حساب 150 درهما شهريا، معللة ذلك بكون المجلس الاعلى حدد تاريخ الامساك بحضور المدعى عليه لاول جلسة او تخلفه رغم توصله" .
وهكذا فرغم النص على عدم سقوط نفقة الزوجة بالفصل 121 من ظهير1959، ورغم النص على وجوب نفقة الاولاد منذ تاريخ امتناع والدهم من الانفاق عليهم حسب مقتضيات الفصل 130 من نفس الظهير .

واعتبارا لوجوب استمرار نفقة الزوجة على زوجها ما دامت علاقة الزوجية قائمة، وكذلك وجوب نفقة الاولاد على والدهم قائمة، وثابتة، ما دامت صفة البنوة قائمة الذات، فان القضاء في بعض احكامه خرج عن هذه القاعدة التي كان على مشروع التعديل ان يعيد فيها النظر بصفة اجمالية وشمولية، وذلك بمراجعة جميع النصوص المتعلقة بالنفقة حتى يوضع حد على الاقل لعلاج المشاكل التي كانت تعاني منها الزوجة الام واولادها معها.

والامل منوط بالقضاء في حالة عدم الاخذ بعين الاعتبار ما ذكر اعلاه في المشروع النهائي او في المراجعة المقبلة، ان يعيد النظر في هذه الاشكالية وياخذ بالسيرة القضائية التي كان يجري بها العمل قبل سنة 77 والتي كانت تعتبر نفقة الزوجة والاولاد دينا متجمدا في ذمة الزوج مهما طال الامد ولا تسقط الا بموجب شرعي كالوفاة او الطلاق او خروج الاولاد من حضن البنوة.

السلبية الرابعة :
مسطرة تقدير نفقة الزوجة، مسطرة قاصرة زائدة متعارضة :
ان الاصل في تقدير قيمة النفقة المستحقة للزوجة بصفة خاصة والنفقة بصفة عامة موكول الى سلطة القاضي مع وجوب تقييده بالمعايير الستة المحددة في الفصل 119 من ظهير1959 بالنسبة لنفقة الزوجة والفصل 127 بالنسبة لنفقة الاولاد.
بيد ان هذا لا يمنعه ولا يجوب عليه في اطار القواعد العامة المدونة في قانون المسطرة المدنية او مدونة الاحوال الشخصية من الاستعانة بالخبراء او العرفاء لتحديد النفقة المطلوبة ان دعت الضرورة الى ذلك احيانا كأن تكون المبالغ المطلوبة لسد نفقة الزوجة مبالغ مهمة، او وضعية المطلوب بالنفقة غير ثابتة بما يكفي القاضي بتقدير ما هو مستحق لطالبة الانفاق وترك الفقه والقانون المدون السلطة للقاضي، في تقدير النفقة المستحقة لمن طلبها، يرجع فيما يرجع اليه من رغبته في الاسراع بالبث فيها، ومسطرة التقدير عن طريق الخبرة تؤدي طبعا الى عدم الاسراع بالبث فيها. خصوصا وان الخبرة المنجزة بناء على الامر بها من طرف القاضي لا يمكنها ان تسلبه السلطة التقديرية المخولة له في نطاق القواعد العامة التي تجعل الخبرة غير ملزمة للقضاء طبقا لمقتضيات الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية الذي نص في الفقرة الاخيرة على انه :
(( لا يلزم القاضي في حال من الاحوال بالاخذ براي الخبير او الخبراء)) واذا كان هذا هو الاطار الذي كان يجري به العمل قبل صدور ظهير1959 وبعده في ميدان تقدير النفقات الشرعية فان المشروع التعديلي للفصل 119 لسنة 1993 تضمن الجملة التالية : (( ويسند تقديرها الى من يعينه القاضي)) والمستفاد من منطوق هذه الجملة هو وجوب اسناد مهمة تقدير نفقة الزوجة الى من يعينه القاضي دون تعيين بعض المؤهلات التي يمكن ان يعتمدها القاضي عند تعيينه من هو اهل - لتقدير قيمة النفقة الشرعية - نفقة الزوجة بصفة خاصة.
اذا الفصل 119 يتحدث بصفة خاصة على المعايير التي يجب مراعاتها عند تقدير نفقة الزوجة .

ومن تم فان العبارة محصورة على مسطرة تقدير نفقة الزوجة وحصرها في تقدير نفقة الزوجة حصر يستفاد منه ان نفقة غير الزوجة كالابناء وغيرهم لا تخضع لمسطرة التقدير المنصوص عليه في الفصل 119 من مشروع التعديل مما يحدث عدة اشكاليات اهمها حالة كون طلب النفقة الزوجية مشمولة بطلب نفقة اولادها من زوجها.

الشيء الذي يجعل حصر مسطرة التقدير لنفقة الزوجة في الفصل 119 دون تعميمه على نفقة الفصول المتعلقة بنفقة الاولاد او الاباء حصر لا مبرر له في نظري وينبغي تعميمها على سائر النفقات الشرعية او غيرها من اجل تحقيق الغاية المشتركة وهي تحسين مستوى النفقات الشرعية. وادماج قاعدة وجوب تعيين من يقوم بتقدير قيمة النفقة المستحقة للزوجة في الفصل 119 من مشروع التعديل ضمن المعايير التي تساعد القاضي على تحديد المجال التقويمي لنفقة الزوجة يوهم ان لم أقل يوحي بان سلطة القاضي التقويمية التي كانت تخول له في هذا الاطار، بمقتضى السيرة القضائية والقواعد العامة، قد سحبت منه، او قيدت على الاقل بقيد وجوب اسناده تعيين قيمتها الى أي شخص اخر واصبح بمقتضى الفصل 119 المذكور عليه كلما طلب منه الحكم بنفقة زوجة ان يفتح مسطرة تقدير قيمة النفقة وذلك بتعيينه من يقدرها بمقتضى امر يبلغ الى من عينه والذي عليه ان يستدعي الاطراف ويفحص حال الزوج المادية ووضعية الزوجة وان يلم بوضعية اسعار السوق الخ …. ثم يحرر تقريرا يقدر فيه ما تستحقه الزوجة ويرسله الى القاضي ليستدعي الاطراف من اجل الاطلاع عليه وابداء وجهة نظرهم فيه قبل اصدار الحكم بالاداء، واعتقد ان هذه المسطرة تتنافى مع المسطرة الاستعجالية التي نص عليها الفصل 119 من مشروع التعديل والفصل 179 من قانون المسطرة المدنية .

الشيء الذي يرجح اعتبار هذه الجملة زائدة لان القواعد العامة تقوم مقامها اذا دعت الضرورة الى ذلك كما انها تتعارض مع الصيغة الاستعجالية لاصدار احكام النفقة الشرعية بصفة عامة ونفقة الزوجة بصفة خاصة، واذا كانت صفة الاستعجال المشار اليها في الفصل 119 من مشروع التعديل تعني البث فيها بصفة استعجالية فان مسطرة التقدير تتعارض مع الاولى .

السلبية الخامسة :
المسطرة الاستعجالية لمشروع 1993 حسب الفصل 119 منه مسطرة قاصرة  - زائدة - ان الفصل 119 من ظهير1959 كان يكتفي في تقدير نفقة الزوجة بصفة خاصة بتنبيه القاضي بوجوب مراعاته العناصر الاساسية المحددة في نفس الفصل عندما يريد ان يقدر نفقتها دون الاشارة الى وجوب تقديرها بصفة استعجالية الا انه في الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 فانه ادخل تعديلا هاما على مسطرة البث في النفقة الشرعية بصفة عامة كانت خاصة بالزوجة او الاباء اذ نص على ما يلي :
(( ان طلبات النفقة يبث فيها بصفة استعجالية )).

وان هذه العبارة او على الاصح هذه القاعدة هي قاعدة عامة وشاملة لسائر مراحل البث في طلبات النفقة الشرعية، انطلاقا من مرحلة البحث عن حصر وجمع العناصر الكافية لتقويم مقدارها، ونوعها، الى مرحلة الحكم، ثم مرحلة التنفيذ على المسودة رغم أي طعن .

وبرجوعنا الى قراءة الجملة المدخلة في الفصل 119 من مشروع 1993 وهي قوله : " ويفصل فيها بشكل استعجالي" يتضح على ان الضمير في كلمة " فيها" يعود على مرحلة تقدير النفقة الشرعية اعتمادا على ان القواعد اللغوية تؤكد على ان الضمير يعود على اقرب مذكور او مذكورة لضمير " الهاء" هو تقدير النفقة" حسب المعايير المحددة من طرف الفصل 119 من مشروع 1993 وهي :
1- دخل الزوج، حال الزوجة، مستوى الاسعار مع اعتبار التوسط والذي يزيد في تاكيد حصر الصفة الاستعجالية على مستوى مسطرة التقدير لنفقة الزوجة بصفة خاصة هو الجملة التي سبقتها في الفصل 119 وهي قوله " ويسند تقديرها لمن يعينه القاضي" .
والمفهوم من منطوق هذه الاخيرة يتجلى في انه على القاضي الذي طلب منه الحكم بنفقة الزوجة، ان يفتح مسطرة تقدير النفقة وان يكون الفصل فيها بصفة استعجالية .

وعلى أي فكلمة الفصل تحتمل وتحتمل البث في تقديرها والحكم بها بشكل استعجالي .
وتحتمل حصرها في مسطرة التقدير، واحتمال حصرها في مسطرة التقدير قد يوحي بانها الزامية للقاضي في كل حالة من احوال الحكم بالنفقة الشرعية وهذا الالتزام يخالف القواعد العامة التي تخول للقاضي الحق في الاستجابة الى طلب اجراء خبرة تقويمية متى كانت العناصر الاساسية محددة له من قبل المشرع بالاضافة الى انه حتى في الحالة التي تنجز فيها الخبرة فهو غير ملزم بالاخذ بها طبقا لمقتضيات الفصل 66 من ق م م .

اضف الى ذلك ان فتح مسطرة التقدير بصفة مطلقة يتنافى والصفة الاستعجالية الواجب اتباعها عند الحكم بالنفقة الشرعية طبقا للفصل 179 من قانون المسطرة المدنية الذي اوجب على القاضي المكلف بالبث في النفقات الشرعية بصفة عامة ان يبث فيها بصفة استعجالية تقديرا او حكما وتنفيذا. ومن تم فان جملة "ويفصل فيها بشكل استعجالي" الواردة في الفصل 119 من مشروع 1993 تعد في نظري جملة زائدة، باعتبار ما هو مدون في الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية كاف للسرعة المطلوبة في اصدار الاحكام وتنفيذها متى كانت تتعلق بالنفقة الشرعية. كما انها قاصرة على نفقة الزوجة دون غيرها من النفقات الشرعية باعتبارها واردة في الفصل المتعلق بتحديد نفقة الزوجة مما يحدث معه اثارة اشكالية كون نفقة الزوجة محصورة بنفقة اولادها من زوجها .

ونظرا لكون الغاية المتوخاة من مشروع الاصلاح هو الاسراع بقدر الامكان عند البث في النفقة الشرعية حسب الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية كانت تتعلق بالزوجة وغيرها من الابناء والاباء.
ونظرا لكون مسطرة التعيين لمن يقوم بتقدير نفقة الزوجة من شانه تطويل المسطرة لا تقصير امدها، فانه بات من الضروري عند صياغة المشروع النهائي او عند المراجعة المقبلة ما يلي :
اولا : اضافة معياري عادة اهل البلد - وحال الوقت - الى مشروع 1993 .
ثانيا : حذف الجملتين معا والاكتفاء بالقواعد العامة التي كان يجري بها العمل قبل صدور المشروع النهائي وبالاخص الاكتفاء بمقتضيات الفصل 179  من ق م ح ش وبالتالي فان مشروع التعديل بالنسبة للفصل 119 من ق م ح ش كان يجب ان يكون على الشكل التالي :

1- الفصل 119 من مشروع التعديل :
أ‌- يراعى في تقدير النفقة وتوابعها دخل الزوج وحالة الزوجة وعادة اهل البلد وحال الوقت والاسعار مع اعتبار التوسط .
ب‌- يبقى مفعول الحكم الاول بالنسبة للزوجة والاولاد نافذ المفعول الى ان تسقط النفقة او يغير بحكم اخر .
ج‌- يفصل في طلبات النفقة الشرعية طبقا لمقتضيات الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 .
د‌- تلغى مقتضيات الجملتين " ويسند تقديرها الى من يعينه القاضي" .
2- " ويفصل فيها بشكل استعجالي".

وفي انتظار ذلك فان الامل يبقى منوطا بالقضاء الموكول اليه البث في طلبات النفقة الشرعية بجميع انواعها، دون تمييز على ان يقع البث فيها تقديرا او حكما وتنفيذا بصفة استعجالية في اطار القواعد العامة المدونة والمسيرة القضائية التي نهجتها مختلف المحاكم، واتجاه المشرع الذي حاول خلال سنوات 1959 و1974 و1983، ان يضع حدا لاشكاليات الانفاق الشرعي الذي كانت تعاني منه الزوجة الام والاولاد الأمرين، وذلك بالاسراع بالبث لا في نفقة الزوجة، كما يتوهم من الفصل 119 من مشروع التعديل، ولكن ايضا حتى في نفقة الاولاد والاباء وان تطبق قاعدة الاستمرارية بالنسبة للاحكام الصادرة لفائدة الزوجة والاولاد معا الى ان يسقط وجوبها شرعا.

وللتمكين من الرجوع الى الفصلين، القديم المشار اليه في الفصل 119 من ظهير1959، والفصل 119 من مشروع التعديل نختم بضمنا الى هذا التعليق نص الفصل 119 من ظهير1959:
اولا - يراعى في تقدير النفقة وتوابعها يسر الزوج، وحال الزوجة، وعادة اهل البلد وحال الوقت، والاسعار، مع اعتبار التوسط .
ثانيا : الفصل 119 من مشروع التعديل لسنة 1993 جاء فيه :
1- يراعى في تقدير النفقة وتوابعها دخل الزوج، وحالة الزوجة، ومستوى الاسعار، مع اعتبار التوسط، ويسند تقديرها الى من يعينه القاضي، ويفصل فيها بشكل استعجالي .
ويبقى مفعول الحكم نافذا الى ان تسقط النفقة او يغير الحكم باخر - انتهى.

وقبل اختتام هذا التعليق ارى من الضروري الاشارة الى ان لهذا التعليق المتعلق بالفصل 119 من المشروع بقية مهمة تتعلق بمناقشة وتحديد بعض ايجابيات المشروع كله، وسلبياته، والاقتراحات التي ينبغي حسب وجهة نظري الخاصة اضافتها اليه، مع بيان اهمية دور القضاء في معالجة الاشكاليات التي تبرز من خلال أي مشروع او قانون عندما يعرض على بساط الواقع التجريبي والحياة العملية الميدانية، باعتبارها تربة خصبة كلما وضع حل لمشكلة ما الا ونبتت بجانبها مشاكل اخرى تنتظر العلاج من طرف المشرع الذي تحمل عبء وضع القواعد القانونية لعلاج الامراض الاجتماعية.
السيد صالح سموح 

* مجلة المحاكم المغربية، عدد 68-69، ص 53.

Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : أبحاث قانونية مغربية