-->

استرجاع حيازة المحلات المغقلة والمهجورة ومسطرته


ذ.محمد أكرام
مجلة المرافعة العدد 6 ص 36


سأتناول  هذا الموضوع في ثلاثة مباحث أساسية.
يتعلق أولها بالناحية النظرية،  ويتعلق الثاني بالناحية العملية، أم الثالث بتقييم هذه المسطرة.

المبحث الأول: مسطرة الاسترجاع من الوجهة النظرية.
مسطرة استرجاع المحلات المغلقة أو المهجورة، مسطرة من  صنع  القضاء  وليست  من  صنع  المشرع، ذلك  أن الظروف الواقعية والعملية هي التي فرضت  على القضاء  إيجاد حل لبعض القضايا والنوازل التي لم  تحظ  بعناية من المشرع، وفي هذا الإطار سنحاول البحث عن السند القانوني والسند الواقعي لهذه المسطرة.

السند القانوني: حسب علمي واطلاعي، فليس هناك نص قانوني صريح يتعلق بسن مسطرة الاسترجاع   وإجراءاتها  وضوابطها. وأعتقد أن عدم  وجود نص تشريعي  هو الذي  أدى إلى غموض هذه المسطرة والاختلاف  في  تطبيقها وممارستها من محكمة  إلى أخرى.  ورغم عدم وجود سند قانوني صريح، فإن هذه  المسطرة  موجودة وممارسة فعلا وعملا.
فما هي الظروف الواقعية التي ألزمت إيجادها، ساعدت على خلقها؟ وما هي  النصوص  القانونية التي  تم الاعتماد عليها لابتكارها؟ هذا ما سنتعرض له في النقطة الموالية.

السند الواقعي: غير خاف عليكم أن عقد الكراء عقد مؤقت ومنصب على المنفعة وقد  تعرض المشرع لكيفية إنشائه وإنهائه، حسب توفر الأسباب التي تبرر ذلك.

غير أن الممارسة العملية  أوجدت حالات، لم تخطر على بال المشرع وقت  سن التشريعات  المتعلقة بالكراء. ومن أهم هذه الحالات، الحالة التي يترك فيها المكتري العين المكتراة بدون استعمال ، ومن الطبيعي أن يلحق  هذا العمل أضرارا بالعين المكتراة، كما أنه في غالب الأحيان يؤدي إلى حرمان المكري من الواجبات  الكرائية.  وهنا  يطرح الشق الأول من الإشكالية.
فما هي الوسيلة العادلة لأنصاف المكري والمحافظة على حقوقه ؟

أما الشق الثاني فيتعلق  بعدم معرفة نية المكتري، فهل يعتبر موقفه ذاك فسخا لعقد الكراء الذي يربطه بالمكري، أم أن الأمر  لا يعدو أن يكون موقفا عرضيا لا يمكن حمله  على  أن  ذلك  يشكل  انقضاء  لعقد  الكراء  بسبب عدم الاستعمال ؟
من هنا تفتقت عبقرية القضاء، بعد أن أعوزه النص، وابتدع مسطرة الاسترجاع  حماية للطرف الأكثر تضررا ألا وهو الطرف المكري.

وأمام انعدام السند القانوني الصريح، اعتمد القضاء، لخلق هذه المسطرة، على سندين اثنين هما الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية والفصل 149 منه.

ولقد اختلفت المحاكم في كيفية ممارسة تلك المسطرة تبعا لاختلاف طبيعة  العمل القضائي حسب اختلاف طبيعة القرارات والأوامر التي تصدر اعتمادا على الفصل الأول أو الثاني.

وبما أن الجهة المختصة لاتخاذ الأوامر والقرارات في ظل الفصلين المذكورين هو السيد رئيس المحكمة الابتدائية، فإن تطبيق مسطرة الاسترجاع غير موحد، اعتمادا على اختلاف وظيفة السيد رئيس المحكمة الابتدائية بحسب ما إذا كان يمارس مهامه في إطار الفصل 148 أو في إطار الفصل 149.
فالفصل 148 يتعلق بالوظيفة الولائية لرئيس المحكمة الابتدائية في حين أن الفصل 149 يتعلق بالوظيفة القضائية للسيد الرئيس.

وبقدر اختلاف الوظيفة الولائية  عن الوظيفة القضائية لرئيس المحكمة الابتدائية  اختلفت الممارسة التطبيقية لمسطرة وإجراءات طلبات استرجاع المحلات المغلقة أو المهجورة.

ويحسن بنا أن نذكر بأهم الفروق الموجودة بين الوظيفة الولائية والوظيفة القضائية لرئيس المحكمة الابتدائية وهي:
1ـ لا يمكن للقاضي أن يصدر أمرا بناء عل طلب إلا في الأحوال  التي نص عليها قانونا، وهي أحوال استثنائية بينما يجوز صدور القرار القضائي  في أية خصومة يثيرها الأطراف أيا كان موضوعها.

2ـ المبادئ الأساسية في قانون المسطرة تنظم الوظيفة القضائية للمحاكم،  ولا يعمل  بها فيما تباشره المحاكم من أعمال ولائية مثل مبدأ علانية الجلسات  واتخاذ الإجراءات في مواجهة الخصوم وحضوره، ومبدأ حرية الدفاع ومبدأ عدم جواز الحكم من تلقاء نفس المحكمة.

  القاضي عند  مباشرته لعمل ولائي يأمر، وعندما يباشر عملا قضائيا يحكم.

  ليس معنى ما تقدم أن القاضي عندما يصدر  أمرا بناء على طلب لا يراعي القانون  ولا يحترمه،  وإنما هو ملزم بالتحقق من تلقاء نفسه من توافر الشكل الذي يتطلبه القانون عند إصدار الأمر ومن توافر كل الشروط الموضوعية الواجبة لإصداره، وهو ملزم أيضا من تلقاء نفسه بأن يتحقق من اختصاص المحكمة التي يتبعها سواء تعلق الاختصاص بالنظام أو لم يتعلق به،  وهذا هو السر في كون رئيس المحكمة يبث في غيبة  الأطراف.

5ـ الأحكام القضائية هي وحدها التي تحوز حجية الشيء المحكوم به أما الأوامر بناء على  طلب فلا حجية لها.

6ـ الأحكام تراجع عن طريق ممارسة طرق الطعن في حين أن الأوامر بناء على طلب تعدل بالرجوع إلى نفس القاضي الذي أصدرها عن طريق مسطرة التظلم.
فبسبب اختلاف الأمر الولائي عن طبيعة الأمر القضائي اختلفت المحاكم  فيما يخص تطبيق مسطرة استرجاع حيازة المحلات المغلقة والمهجورة وذلك سحب ما إذا كانت تقدم إليها في إطار وظيفتها الولائية (148) أو في إطار وظيفتها القضائية (149) من قانون المسطرة المدنية.

وهذا ما سنتعرض له في المبحث الثاني المتعلق بالميدان العملي لهذا الموضوع.

المبحث الثاني : مسطرة الاسترجاع من الوجهة العملية

سبق أن قلنا أن تطبيق مسطرة استرجاع المحلات المغلقة أو المهجورة يختلف حسب ما إذا كانت مقدمة إلى القضاء في إطار سلطته الولائية (الفصل 148) أو في إطار  سلطته  القضائية (الفصل 149).
وحسب علمي وعملي بالنسبة للمحكمة الابتدائية بالبيضاء سابقا، فإن المسطرة كانت تمارس  فيها في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، وأعتقد أنها لازالت كذلك.

أما بعد التقسيم فسأقتصر على بيان إجراءات مسطرة الاسترجاع كما هي مطبقة حاليا أمام المحكمة الابتدائية بالفداء درب السلطان التي أتشرف برئاستها.
تمارس هذه المسطرة ـ في هذه المحكمة ـ في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية.

وتمر بالمراحل التالية:
أ ـ تفتح المسطرة بطلب يقدم إلى السيد رئيس المحكمة في إطار  الأوامر بناء على طلب، يكون موضوعه تعيين أحد الأعوان القضائيين قصد معاينة واقعة إغلاق المحل وتحديد مدة الإغلاق مع الاستماع إلى الجيران قصد تأكيد ذلك أو نفيه.
ب ـ بعد انتهاء الإجراء السابق وإيجابيته، يقدم المعني بالأمر طلبا ( في إطار الفصل 148) يلتمس فيه إصدار أمر باسترجاع  المحل المغلق أو المهجور إلى صاحبه اعتمادا على ما أثبتته المعاينة السابقة.

ويكون هذا الطلب مصحوبا بالوثائق التالية:
ـ وثيقة لإثبات الصفة (شهادة الملكية أو عقد الكراء.......).
ـ وثيقة تثبت دائرة الشرطة التي يتواجد المحل في ترابها.
ـ نسخة من المعاينة التي تثبت واقعة ومدة الإغلاق.
ج ـ يحال الملف على السيد الرئيس  الذي يقوم حالا  باتخاذ الإجراءات التالية:
ـ بعث استدعاء إلى المطلوب ضده، وترك نسخة من الاستدعاء تحت  باب المحل في حالة عدم وجود أحد به.
ـ تعليق ملصق بباب المحل، يتضمن بيانات تفيد أن هناك مسطرة لاسترجاع المحل  تروج بهذه المحكمة وعلى من يهمه الأمر أن يتصل حالا بمكتب السيد الرئيس،  بعض المحاكم تلجأ إلى نشر هذا الإعلان بالجرائد الوطنية.
ـ إجراء بحث سري عن طريق الشرطة للوقوف على عين المكان وتحديد ما إذا كان المحل فعلا مغلقا أو مهجورا مع بيان مدة الإغلاق، وبيان محل إقامة المطلوب ضده عند الاقتضاء.
ـ استدعاء الأشخاص المستمع إليهم في المعاينة قصد الحضور لدى مكتب السيد الرئيس قصد الاستماع  إليهم من جديد من طرفه.

ـ الإدلاء بشهادة  من إدارة  الضرائب لمعرفة وضعية المحل ـ في حالة المحلات التجارية ـ تجاه  إدارة الضرائب، إذ كثيرا ما تكون  إدارة الضرائب  قد أوقعت حجزا تحفظيا على المحل  وعلى أصله التجاري  ضمانا لأداء ديون الدولة.

د ـ بعد إتمام هذه الإجراءات كلها، وبعد أن تكون نتيجتها إيجابية، فإننا نصدر أمرا في غيبة  الأطراف  والكاتب يقضي بالموافقة على استرجاع حيازة المحل إلى صاحبه، مع أمر المنفذ بجعل الأشياء والمنقولات التي قد تكون داخل المحل تحت حراسة طالب الاسترجاع ومسؤوليته.

هـ ـ كما نأمر في صلب الأمر بالرجوع إلينا في حالة وجود صعوبة.
و ـ ومن أمثلة تلك الصعوبة تواجد المطلوب ضده في المحل يوم التنفيذ، وهذا يحول دون تنفي أمر الاسترجاع مادام المطلوب  ضده قد وجد في محله قبل تنفيذ الأمر.

ز ـ بعد تنفيذ الأمر المذكور،  ووضع المنقولات تحت حراسة الطالب وبعد مرور  ثمانية أيام على عملية  التنفيذ يقدم إلينا طلب آخر في إطار  الأوامر من طرف المستفيد من الأمر يطلب فيه إصدار أمر ببيع الأشياء المحروسة مع وضع ثمنها  بصندوق المحكمة لفائدة من له الحق فيه، ويتم الاستجابة فعلا لهذا الطلب تطبيقا للفصل 447 من ق.م.م.

************

ببيع  الأمتعة والمنقولات الموجودة بالمحل المسترجع، تنتهي إجراءات هذه المسطرة لتبدأ سلسلة من الإجراءات والمساطر قصد إرجاع الحيازة إلى المكتري في ضوء ما اصطلح على تسميته بطلبات إعادة الحالة إلى ما كانت عليه.
وتمر هذه المرحلة بالمراحل والإجراءات  التالية:

1ـ يقوم المكتري الغائب والهاجر للمحل بتقديم  طلب إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية، (في إطار  الفصل 149 من ق.م.م) يلتمس فيه إرجاعه إلى محله لأن غيبته عن المحل مجرد غيبة عارضة: سفر ـ نزاع... إلخ.
ويستدعى الطرفان للجلسة العلنية الخاصة بالمستعجلات، وتكون المسطرة تواجهية في هذه المرحلة، لأن المطلوب هو  العدول عن الأمر السابق المتخذ في غيبة الأطراف.

والسند القانوني لمسطرة التظلم هذه هو عبارة (الرجوع إلينا في حالة وجود صعوبة) التي يتضمنها  الفصل 148 من ق.م.م أما في بعض  التشريعات، كالقانون المصري، فإن مسطرة التظلم قد تم تقنين شروطها وإجراءاتها.
كان الاجتهاد السابق للمحكمة الابتدائية بالبيضاء هو الاعتماد على عنصر الزمان للاستجابة للطلب، فإذا تقدم المكتري بطلبه داخل أجل معقول (3 أشهر تقريبا)، فإن قاضي الأمور المستعجلة كثيرا  ما يستجيب لطلب  إعادة الحالة إلى ما كنت عليه.

وهذا الاتجاه لازالت محكمة الاستئناف بالبيضاء تتمسك به (أنظر القرار الاستئنافي عدد 2025 بتاريخ 10.12.1991)للتأكد من ذلك.
أما بالنسبة للعمل القار لرئاسة المحكمة الابتدائية بالفداء درب السلطان، فإنه يعتمد عل المعايير والشروط  التالية للاستجابة للطلب:

أ ـ أن يثبت المكري تواجده الفعلي بالمحل.
ب ـ أو أن يثبت أن المكتري  قد دلس على القضاء أثناء الإجراءات التي سبقت إصدار أمر الاسترجاع، أو بعبارة أخرى أن يثبت  خلاف ما هو ثابت أثناء  مسطرة الاسترجاع .
ج ـ  أن يثبت أنه كان ينفذ التزاماته  العقدية وخاصة ما يتعلق بأداء الواجبات الكرائية.
وسبب تشددنا في هذا الموضوع  هو أن لا تصبح  كافة الإجراءات والمساطر، القضائية منها والإدارية، العلنية منها والسرية، مجرد عبث لا طائل منه.

وخلال هذه المدة المتراوحة زهاء 7 سنوات لم تقع الاستجابة لطلب  إعادة الحالة من طرفنا إلا في  حالتين فقط الأولى  ثبت خلالها أن قاضي القاصرين هو الذي أمر بإغلاق  المحل إلى أن يقع  الإحصاء، والثانية أثبت المكتري أن هناك مسطرة تواجهية للإفراغ  والأداء لازالت  جارية أمام محكمة الاستئناف.
غير أن محكمة الاستئناف ـ حسب علمي ـ لازالت تتمسك بعنصر المدة كسبب لإلغاء الأوامر الاستعجالية الابتدائية  والأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.

وموقف محكمة الاستئناف أدى بي إلى اتخاذ رأي آخر سأعرض له في المبحث الثالث من هذا العرض والمتعلق بتقييم مسطرة الاسترجاع  ما لها وما  عليها.

2 ـ  بعد البث ابتدائيا ـ سواء بالقبول أو الرفض ـ يقع استئناف الأمر المتخذ إلى محكمة الاستئناف.
وبعد أن تبث هذه بالموافقة يشرع في تنفيذ قرارها لإرجاع المكتري القديم إلى محله.

3ـ وهنا  يبرز عنصر آخر، وهو أن المالك بمجرد الحصول على محله عمد إلى إكرائه للغير، فتترتب عليه حقوق لفائدة هذا الأخير، وهذا ما يؤدي به إلى سلوك المساطر والإجراءات التي تكفل له حماية تلك الحقوق.

4ـ أول إجراء يقوم به هو تقديم طلب  إلى السيد الرئيس يثير فيه وجود صعوبة في تنفيذ قرار إعادة الحالة إلى ما كانت عليه وغالبا ما يعتمد في طلبه على قاعدة نسبية الأحكام وقاعدة حسن النية.

5ـ ثم يتقدم في نفس الوقت بطعن ضد القرار موضوع التنفيذ عن طريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

  وقد أثبتت التجربة العملية والميدانية، بأن أقل ما يلجأ إليه ـ المالك في حالة وجوده  في المحل أثناء تنفيذ قرار  إعادة الحالة ـ هو اللجوء إلى تقسيم المحل إلى جزئين،  وهذا  من شأنه تقديم دعاوي  لإزالة الحائط وتمكين المكتري من المحل القديم برمته (وهذا هو موضوع الملف التنفيذي المفتوح حاليا بهذه المحكمة قضية بوصوف وسامي).

7ـ كنا نواجه طلبات الصعوبة  في التنفيذ بالاجتهاد الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 23/03/1983 في القرار عدد 576 والذي يقول فيه:".... لا يمكن الاحتجاج بوجود مكتر أجنبي  بمحل النزاع ترتبت حقوقه عليه إذ العقد الرابط بينه وبين المكرية يعتبر غير ذي مفعول اتجاه  المكتري الحقيقي الأصلي، وعليه فلا وجود لصعوبة في التنفيذ بناء على وجود الغير بالعين محل النزاع" مجلة المعيار عدد 5 الصفحة 60.
وسبق للمجلس الأعلى أن أصدر قرار آخر تحت عدد 198 بتاريخ 15.6.79 جاء فيه:" إلغاء الأمر القاضي بالإفراغ يفيد احتفاظ المكتري  بملكيته التجارية التي كان يتوفر عليها قبل الإفراغ، طلب  الرجوع ورد الحالة إلى ما كانت عليه من المسائل الاستعجالية التي تكون إجراء تحفظيا لحماية الجانب المعرض للخطر" مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 الصفحة 88.

8ـ غير أن المجلس الأعلى تراجع أخيرا عن الاتجاه المشار إليه أعلاه والذي يعتبر تواجد الغير في العين محل النزاع لا يشكل صعوبة في التنفيذ، وتراجع عن ذلك وقرر في  بعض قراراته الحديثة أن العبرة ببقاء العين محل  النزاع  بيد المالك، أما إذا انتقلت العين من يد المالك إلى الغير فإن الجدر بالحماية هو المكتري  واضع اليد على المحل موضوع النزاع  قديما كان أو جديدا.

وقد اعتمد المجلس الأعلى في نظريته الأخيرة  على المبادئ التالية:
ليس للمستأجر في مواجهة المؤاجر إلا حق شخصي، ومعلوم أن خاصية التتبع إنما تتعلق بالحق العيني وليس بالحق الشخصي.

إن انتقال العين المكتراة إلى يد الغير  يجعل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه التزاما مستحيلا وأنه لا يمكن تنفيذ الحكم القاضي بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه إلا بعد إلغاء عقد الكراء  المتعلق بواضع اليد على العين  محل النزاع.
إن آثار الالتزامات نسبية، فلا تلزم إلا من كان طرفا فيها وكذلك الشأن بالنسبة للأحكام.

إنه في حالة استحالة تنفيذ الالتزامات أو تنفيذ الأحكام فإن الأمر يتحول إلى تعويض لا غير.
وهذا ما جاء في القرار عدد 741 بتاريخ 20.3.91 الذي يقول:" حقا تبين صحة ما نعته الوسيلة على القرار ذلك أن الطاعن أثار في جميع  المراحل بأن الشقة التي حصل عليها إثر تنفيذ القرار الاستعجالي، بطرد المطعون ضدهما منها قد كراها للغير، وأن عمله هذا كان في منتهى الشرعية، لذا فإن طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه يعتبر  أمرا مستحيلا  ولا مكن الإرجاع إلا بعد الحكم بإبطال الكراء مع الشخص الأجنبي مما يكون معه القرار معللا تعليلا غير سليم".

وفي قرار آخر تحت عدد 1345 بتاريخ 18.5.92 أكد المجلس نفس الاتجاه بقوله:" في حالة التزاحم بين كرائين يكون أحدهما واضعا يده على العين المكتراة فإن الأفضلية تكون لهذا الأخير حتى وإن كان لاحقا في التاريخ. لما قضت المحكمة بإفراغ المكتري  المعتمر للعين المكراة لفائدة المكتري  صاحب الكراء السابق تاريخا تكون قد خرقت الفصل 228 من قانون الالتزامات والعقود وعرضت  قرارها للنقض".

الفرار منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 مع تعليق للمستشار المقرر.
9ـ من خلال ما سبق شرحه يتضح أن مسطرة استرجاع حيازة محل مغلق أو مهجور تسببت في خلق  عدة مساطر وعدة دعاوي وصلت في مل  يروج بهذه المحكمة  إلى ثماني  دعاوي، ابتدأت منذ سنة 1977 ولم تنته  بالتنفيذ إلا خلال سنة 1990 ويظهر من كل  ذلك أنه حسب الاجتهاد الأخير للمجلس الأعلى فلن تكون دعاوي إعادة الحالة إلى ما كانت عليه ذات فائدة تذكر.

وهذا يستوجب التعرض لإيجابيات وسلبيات  مسطرة الاسترجاع، وهو ماس نتعرض له في مبحث أخير تحت عنوان تقييم هذه المسطرة ما لها وما عليها.

المبحث الثالث: تقييم مسطرة استرجاع المحلات المغلقة والمهجورة

بعد أن تعرضنا للناحية النظرية والناحية  العملية  لهذه المسطرة رأينا لزاما علينا ما نقوم بتقييم لهذه المسطرة محاولين بيان حسناتها وسيئاتها، إيجابياتها وسلبياتها  سواء تجاه طرفي عقد الكراء، أو تجاه الأغيار، أو تجاه السلطة القضائية نفسها، هذه السلطة التي خلقت هذه المسطرة ورعتها قصد إيجاد الحلو الناجعة والملائمة لبعض المشاكل التي يطرحها غياب المكتري  من المحل دون أن ينفذ ما عليه من التزامات.

أ ـ فوائد هذه المسطرة وإيجابيتها:
يبدو لأول وهلة  أن المستفيد الأكبر من هذه المسطرة هو الطرف المكري ذلك أن هذا  الأخير يستطيع بسلوك مسطرة الاسترجاع أن يتوصل بمحله في أقصر مدة وبأقل كلفة.
غير أن هذه الفائدة بالنسبة للمالك فائدة مؤقتة، فرب نعمة في طيها نقمة.
ذلك أن المكري لن تفيده هذه المسطرة إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي لم  يتقدم فيها المكتري  بطلب إعادة  الحالة إلى ما كانت عليه.

أما إذا كان العكس فالمكري بسلوكه مسطرة الاسترجاع يكون قد جر على نفسه  سيلا من المساطر والإجراءات والدعاوي قد  لا تنتهي  لصالحه كما سنرى فيما بعد.
أما بالنسبة  للمكتري، فالمسطرة كلها بالنسبة إليه مساوئ اللهم في الحالة التي يغادر فيها المحل تهربا من أداء الأكرية وبقية التكاليف الأخرى من ضرائب وغيرها.
أما بالنسبة للقضاء، فالفائدة التي ترجع إليه تتلخص في كونه قد أوصل الحق إلى صاحبه في أقرب وقت مما يعطي ـ بداية ـ للقضاء سمعة طيبة في صفوف المتقاضين، غير أن هذه السمعة الطيبة لا تلبث أن تزول وتتحول إلى نقد وقدح وذم كما سيظهر لاحقا.

ب ـ سبق أن قلنا  بأن المستفيد  الأول بداية من المسطرة هو المكري وأن هذه الإفادة مؤقتة، وأنه بمجرد تقديم طلب  إعادة إلى ما كانت عليه  تصبح مسطرة الاسترجاع وبالا على المكري  ونقمة عليه.
ويصدق عليه المثل القائل:" على نفسها جنت براقيش" وتتمثل هذه السلبيات وهذه المساوئ في الآتي:

1ـ بمجرد الاستجابة لطلب  إعادة الحالة إلى ما كانت عليه يكون  المكري مرغما على تنفيذ القرار القضائي القاضي بذلك،  كما أنه ملزم  بتحمل أعباء  وأتعاب  الدفاع في تلك المسطرة ابتدائيا  واستئنافيا ونقضا.

2ـ قد يكون المكري قد أكرى العين المسترجعة إلى الغير، وفي هذه الحالة سيكون مطالبا، في حالة التنفيذ على الغير، أن يعوض هذا الغير عن سائر الأضرار الحاصلة له من جراء ذلك (هناك حالة قائمة مماثلة جارية بمحكمة الفداء درب السلطان، كمثال بارز على ما  أقول  يطالب فيه الغير المكري بأداء مبلغ يفوق  مائة مليون  سنتيم كتعويض).

3ـ قد يكون المكري أسس أصلا تجاريا في العين المسترجعة أو أنفق عليها مبالغ طائلة لإصلاحها، وهذا كله لن يشفع له في  حالة صدور قرار نهائي يقضي بإعادة الحالة  إلى ما كانت عليه وبذلك يكون قد فقد كل ما  أنفقه قل ثمنه أو كثر.
أما مساوئها بالنسبة  للمكتري  فيمكن إجمالها في حرمانه من الاستفادة من محله مدة طويلة،  كما أنها تكبده وقتا طويلا ومصاريف باهضة قبل أن يعاد إلى محله. ومن  جهة أخرى فكثيرا ما يلتجئ المكرون المالكون بعد صدور  قرار إعادة الحالة إلى ما كانت عليه أقول كثيرا  ما يقوم هؤلاء انتقاما  من المكتري، بتقسيم المحل إلى عدة محلات وإلى النقصان من مساحته،  وهناك حالة مماثلة لازالت تروج بمحكمة الفداء درب السلطان.
وهذا من شأنه أن يرغم المكتري على سلوك مساطر ودعاوي أخرى لاسترجاع المحل برمته، فكم سيكلفه ذلك من وقت ومال ؟.

أما سلبيات مسطرة الاسترجاع على القضاء، فأعتقد أن لها  سلبيات من الخطورة بمكان لأنها تمس القضاء في الصميم، نزاهة وعدالة، وسمعة، وهيبة، فأمام انعدام الوعي القانوني لدى المتقاضين  ولدى الشارع عموما، فإن إفراغ المحل بواسطة أمر الاسترجاع ثم إعادة  المكري  إلى محله بواسطة قرار إعادة الحالة، فإن ذلك كله إنما يفسر عند  العموم بالبيع والشراء، ولا علاقة  له بالقانون.

جـ  مدى قانونية هذه المسطرة:
من خلال  ما استعرضناه من إيجابيات وسلبيات هذه المسطرة، اتضح لنا أن ضررها أكبر من نفعها.
وسنحاول  مناقشة  المسطرة من الوجهة القانونية علنا نصل إلى حل يجعلنا نتمسك بها، أو إلى وجهة تبرر لنا نبذ هذه المسطرة والبحث عن بديل لها يكون أكثر نفعا لجميع الأطراف من متقاضين وقضاء.
وأبادر منذ الآن إلى القول بأن مسطرة استرجاع المحلات المغلقة والمهجورة مسطرة غير قانونية أولا، ومسطرة تعتمد على خرق القانون ثانيا، ومسطرة، إن كان ولابد من الإبقاء عليها، فيجب حصرها في مسائل  معينة ومحددة حسب معايير وضوابط موضوعية.

1ـ فمن حيث كونها غير قانونية: يتجلى ذلك من كونها لم تحظ من المشرع بأي نص أو مادة، وأنها من صنع القضاء الذي حاول إدخالها تحت نصوص معينة ربما عن طريق التعسف في تأويل تلك النصوص، سواء تعلق الأمر بالفصل 148 أو بالفصل 149 من قانون المسطرة المدنية.

2ـ ومن حيث كونها خارقة للقانون: يتجلى ذلك من الملاحظات والاستنتاجات التالية:
أ ـ إن الاعتماد على الفصل 148 من ق.م.م لا يمكن الاطمئنان إليه ذلك أن هذا الفصل ينص بصريح العبارة على أنه إنما يطبق في الحالات المذكورة فيه شريطة ألا يضر ذلك بحقوق الأطراف وأني توفر عنصر الاستعجال.

2 ـ  إن رئيس  المحكمة الابتدائية  حينما يأمر بإرجاع المحل إلى المكري إنما يقوم بذلك بعد أن أضر بحقوق المكتري، وأحل نفسه محل المكتري لإنهاء عقد الكراء، ومعلوم أن عقد الكراء عقد رضائي  لا ينتهي إلا برضى الطرفين أو عن طريق القضاء بواسطة حكم قضائي صادر في إطار الوظيفة القضائية للسلطة القضائية، وليس في إطار وظيفتها الولائية. كما أن عنصر الاستعجال غير متوفر تماما في هذه القضية.

3 ـ إن غيبة المكتري عن محله لا يمكن أن تؤول على أنه رضاء منه بفسخ عقد الكراء، وحتى في هذه الحالة فإن القضاء الذي يوفر للطرفين حقوق الدفاع ومبدأ التواجهية والعلنية....... هو المؤهل لإعطاء ذلك التأويل  بعد أن يطرح عليه ويستطيع كل طرف أن يتقدم بدفاعه ودفوعاته.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 665 بتاريخ 20.05.84 الذي جاء فيه:
"لا ينتهي عقد الكراء إلا بتراضي طرفيه أو بمقتضى حكم قضائي.
إن رضى المكتري بإنهاء  العقد لا يمكن أن يستخلص من مجرد غيبته عن المنزل ما لم  تكن مصحوبة بوضعه رهن إشارة المكري، أو بما يدل على أنه قد تخلى  عنه بصفة نهائية...".

4ـ إنه من باب  الكابرة والمزايدة القول بأن الأمر بالاسترجاع لم يفسخ عقد الكراء، صحيح أنه لم يقل ذلك صراحة، إلا أنه ضمنيا لا يمكن المجادلة في ذلك  لأن محل عقد الكراء وهو العين المكتراة قد أرجعها إلى المكري، وبذلك أصبح عقد الكراء بدون محل، كما أنه قد قام برد العين المكتراة نيابة عن المكتري الملزم  برد العين المكتراة عند انقضاء مدة عقد الكراء (الفصل 675 من ق.ل.ع).

5ـ إن ما قيل بصدد الفصل 148 يقال بصدد الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية  فسواء أكان الأساس القانوني لمسطرة الاسترجاع هو الفصل الأول أو الثاني فالنتيجة واحدة، لأن كلا الفصلين يشترطان عدم المساس بأصل الحق، وتوفر عنصر الاستعجال، وهل هناك مساس بأصل الحق، ومساس بحقوق الطرفين ومساس بعقد الكراء أكثر من نزع العين المكتراة من المكتري وتسليمها إلى المكري.
فبأي حق يحل السيد الرئيس إرادته محل إرادة المكتري؟.

6ـ إن السبب الواقعي الذي يعتمد عليه رئيس المحكمة في مسطرة الاسترجاع هو كون المكتري غادر العين المكتراة  وتركها بدون استعمال، ومعلوم أن أهم التزامات المكتري الأساسية هي استعمال العين المكتراة فيما أعدت لها طبيعة أو عقدا بدون إفراط أو إساءة (الفصل 663 من ق.ا.ع) كما أن الفصل 692 من نفس القانون يعط الحق للمكري في فسخ عقد الكراء في الحالة التي يهمل فيها المكتري العين المكتراة يتركها بدون استعمال شريطة أن يكون ذلك الترك والإهمال من شأنه إلحاق ضرر كبير بها.

7ـ فمن خلال الالتزام باستعمال العين  فيما أعدت له، يتضح أن هذا الالتزام يتركب من التزامين اثنين:
أولهما: الالتزام باستعمال العين، وثانيهما أن يكون الاستعمال فيما أعدت له طبيعة أو عقدا.
فإخلال المكتري  بالتزام الاستعمال،  معناه أنه أغلق العين وهجرها وأهملها، وجزاء الإخلال  بهذا الالتزام  حسب القواعد العامة هو التنفيذ العيني إن أمكن أو المطالبة  بفسخ عقد الكراء مع التعويض في الحالتين، وهذا لن يكون إلا أمام القضاء الموضوعي الذي له الحق وحده في التأكد من ثبوت الإخلال بالالتزام باستعمال  العين المكتراة أم لا.

والذي يؤكد هذا أن من أسباب إفراغ المكتري من العين المكتراة هو الإخلال بالالتزام باستعمال العين المكتراة وتركها على حالة تضر بها ضررا كبيرا أي إهمالها المنصوص عليه في الفصل 692 من ق.ل.ع وقد سبق لمحكمة الاستئناف أن أصدرت  قرارا جاء فيه " المكتري لمكان معد للسكنى ملزم بالسكن فيه على  الأقل جزءا من السنة ماعدا في حالة وجود ظروف استثنائية، وعند عدم اعتماره، فيحق للمكري أن يوجه إليه إخطارا بإفراغه منه"  محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 11.11.1960 منشور بمجلة المحاكم المغربية بتاريخ 25.03.61 ص 33.
كما جاء في قرار للمحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي:" عدم اعتمار المكان المكتري  يبرر أن عقد الكراء أصبح مفسوخا" قرار بتاريخ 09.11.75 مجلة القضاء والقانون عدد 127.

8ـ إذا اتفقنا على أن الأمر باسترجاع حيازة محل مغلق أو مهجور من شأنه ولو ضمنيا أن ينهي عقد الكراء ولو من الناحية الواقعية فإن هذا يعتبر خرقا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 25.12.80 المتعلق بإنهاء عقود كراء المحلات المعدة للسكنى أو المحلات المهنية كما يعتبر خرقا للفصل 6 من ظهير 24.05.55 المتعلق بالمحلات التجارية والصناعية والحرفية ويعد خرقا للقواعد العامة والمبادئ المنصوص عليها في  الباب الخاص بعقد الكراء من قانون الالتزامات والعقود.

ذلك أن تلك النصوص الخاصة سنت مسطرة خاصة واجبة الاتباع لإنهاء عقود الكراء والفصل 148 ينص على".... أو في أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص".
وهذه المادة التي تصدر فيها أوامر الاسترجاع تتعلق غالبا بمادة الكراء وبعقد الكراء الذي وردت بشأن إنهائه نصوص خاصة  واجبة  الاتباع.

9ـ قد يقول قائل بأن المسطرة  التواجهية لا يمكن سلوكها في مثل هذه الحالة لكون المكري يجهل محل إقامة المكتري، والرد على هذا  القول بسيط، وهو تطبيق  مسطرة القيم، وعلى المكري أن يسلك مسطرة القيم كما هي منصوص عليها في الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية ولا يقدح في هذا كون مسطرة القيم لا تطبق تطبيقا سليما أمام المحاكم، ذلك أن عدم ممارسة هذه المسطرة على الوجه القويم لا يفرغها من محتواها، لأن العيب في التطبيق  وليس في مسطرة القيم.

10ـ إن عدم قانونية هذه المسطرة هو الذي أدى إلى  اختلاف المحاكم في تطبيقها  سواء فيما يخص السند القانوني المعتمد عليه أو فيما يتعلق بضوابطها وإجراءاتها.
إنكم قد لا تجدون محكمة معينة قد استقرت  على اتجاه  واحد في تطبيقها، ويكفي للتدليل على ذلك أن أورد هنا  قرارين لمحكمة الاستئناف بالبيضاء صدرا عن غرفة واحدة:
القرار الأول الصادر بتاريخ 20.09.88 تحت عدد 1871 في الملف الاستئنافي عدد 724/88 الذي أيد الأمر الاستعجالي الذي حكم بعدم الاختصاص للبث في طلب إعادة الحالة  إلى ما كانت عليه.

جاء في حيثيات القرار الابتدائي ما يلي:" حيث إن المكتري لم يدل بما يفيد أنه كان  يتواجد بمحله وكان يشغله ويؤدي ثمن كرائه. وحيث أنه في ظل هذه المعطيات فإن قاضي المستعجلات  يكون غير مختص لإصدار أمر بإرجاع  الحالة إلى ما كانت عليه لأنه يظهر من خلال  ظاهر  المستندات ومحتويات  الملف أن المالكين استرجعوا حيازة محلاتهم بعد أن تركه المكتري مغلقا وذلك بصفة قانونية".

أما محكمة الاستئناف التي أيدت الأمر الابتدائي قد عللت  قرارها على الشكل التالي:
"حيث لم يدل المستأنف بما يفيد براءة ذمته من الأكرية المستحقة ولا ما يفيد  حتى استعداده لأداء الكراء  المحكوم به عليه بدليل  تحرير محضر عدم وجود ماي حجز، ومما يؤكد فعلا أنه لم يكن بالمحل المكترى موضوع المعاينة المدلى  بها من جهة، وعدم أدائه الكراء من جهة ثانية ويقر أنه كان في حالة سفر وأغلق المحل مدعيا أن ذلك كان لمدة يسيرة، ولم  يثبت  عكس ما جاء في المعاينة مما يكون معه القرار المستأنف  في محله عندما يصرح بعدم الاختصاص وأحال الطرفين لقاضي الموضوع  الذي يملك صلاحية البحث لإثبات عكس ما  انبنى عليه الأمر بإرجاع الحيازة للمالكين...".

أما القرار الاستئنافي الثاني فقد صدر بتاريخ 10.12.91 تحت عدد 2025 في الملف عدد 964/91 ومن نفس  الغرفة التي أصدرت القرار  الأول وقد انتهى هذا القرار إلى إلغاء القرار الابتدائي القاضي  برفض طلب  إرجاع الحالة إلى ما كانت  عليه بعلة عدم استطاعة المكتري أن يثبت تواجده الفعلي في المحل، وأن يثبت أنه كان  ينفذ التزاماته التعقادية، وأن يثبت  خلاف ما هو ثابت في الإجراءات السرية والعلنية  التي أثبتت أن المحل  ظل مغلقا  لمدة طويلة.

ولإلغاء الأمر الاستعجالي المذكور اعتمدت  محكمة الاستئناف على الحيثيات التالية:
"حقا مانعاه المستأنف  ذلك أن دعواه  تستهدف إرجاعه إلى محله الذي كان يعتمره على وجه الكراء  قبل صدور الأمر بفتح  المحل من طرف  رئيس المحكمة الابتدائية بالفداء درب السلطان والذي نفذ  بتاريخ  17.09.90 وحيث استقر اجتهاد هذه المحكمة على أن المكتري إذا ثبت من ظروف النازلة والقرائن المحيطة بها على أنه تخلف عن المحل بقصد الرجوع إليه  ودون نية مغادرة نهائيا فإنه يحكم بإرجاعه على أساس أن الأوامر الصادرة بفتح محل هي قرارات مؤقتة تصدر في غيبة المكتري وأنه لا سبيل للتظلم منها إلا برفع دعوى  الرجوع التي تصدر بصفة تواجهية  أمام نفس القاضي الأمر.

وحيث أن المستأنف لا ينازع تخلفه عن المحل  المكرى إلا أنه يضفي عليها طابعا مؤقتا  ويسعفه في ذلك رفع دعوى الرجوع بعد شهر ونصف من تنفيذ الأمر بإرجاع حيازة المحل خصوصا إذا علمنا الصعوبات  التي يلقاها لمعرفة السلطة التي قامت  بالإرجاع وإن كانت قضائية لأي محكمة  من محاكم  البيضاء يرجع الاختصاص ورقم الملف صحبة الإجراءات المسطرية التي أجريت في غيبته وأنه لا يمكن القول بأنه لدى المغادرة المؤقتة قد فسخ عقد الكراء بفعله  خصوصا وقد ترك بعده المعدات الخاصة  بحرفته والمدونة بمحضر مأمور الإجراء عدد 1026 وتاريخ 17.09.90.

وحيث يتعين  تأسيسا على ما نوه إليه  أعلاه إلغاء الأمر المستأنف لكونه جانب الاتجاه السليم بصنيعه الذي جنح إليه  والحكم من جديد بإرجاع المحل موضوع النزاع للطاعن".

11ـ من حقنا ونحن نناقش هذا الموضوع  فقهيا وقانونيا أن نسأل محكمة الاستئناف عن الكيفية التي علمت بها بنية المكتري وهل إغلاقه للمحل وتركه كان بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة، وأعتقد أنه يصعب إن لم يكن مستحيلا معرفة نوايا  المتقاضين في مثل هذه النوازل.
كما أن  القول  بأن اجتهاد هذه المحكمة مستقر على ما ذهب إليه  القرار، مخالف للصواب كما يدل على ذلك القرار الاستئنافي الأول المشار إلى حيثياته أعلاه.

12ـ إن ما يمكن  استخلاصه مما سبق أنه إذا كان الاجتهاد القضائي مستقرا على وجوب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه  لأي سبب كان،  فإنه من العبث أن تبقى مسطرة الاسترجاع معمولا بها، لأن المشاكل والصعوبات التي تخلقها أكثر بكثير من المشاكل التي تحلها.
إذن ما هو العمل، وما البدلي؟

ج ـ رأينا في الموضوع:
خلال  ما شرحناه أعلاه، وما استعرضناه بخصوص مسطرة الاسترجاع نظريا وتطبيقيا يتبين أن هذه المسطرة لا فائدة منها، وربما  يكون سلوكها وبالا على سائر المتعاملين معها متقاضين وقضاة.
وهذا ما جعلني أتراجع عن قبولها منذ حوالي سنة ونصف وأصبحت أقضي برفض الطلبات الموجهة إلي ـ  بعلة بسيطة وهي التالية (رفض الطلب لكون مسطرة الإفراغ هي الواجبة الاتباع) ومن الطبيعي أن تتدمر هيئة الدفاع من هذا الاتجاه الأخير إلا أنن  تمكنت من إقناع  بعضهم بأن مسطرة الاسترجاع كما هي مطبقة حالا مسطرة مضرة  بحقوق المكرين أكثر مما  هي مضرة بحقوق المكترين ولسد الفراغ وإيجاد البديل أقترح الحلول التالية:

الحل الأول: هو الاستغناء بصفة نهائية عن مسطرة استرجاع المحلات المهجورة والمغلقة لكونها غير قانونية وخارقة للقانون الموجود ولأن ضررها أكبر من نفعها كما سبق تفصيل ذلك في الفقرات أعلاه، سيما وأن المجلس الأعلى قد اعتبر أن الأجدر بالحماية  والرعاية هو المكتري واضع اليد على العين المكتراة وليس  المكتري القديم.
الحل الثاني: ويتعلق بتحديد مجالات  تطبيق هذه المسطرة مع الاتفاق على ضوابط ومعايير موضوعية  تحدد إطارها وإجراءاتها.

إذ على القضاء الذي ابتدع هذه المسطرة ـ وكل بدعة ضلالة كما تعلمون ـ  أن يخلق لها شروط وضوابط ممارستها، حتى نتمكن بذلك من توحيد الاجتهاد بشأنها وتفادي المساوئ التي تتسبب فيها سواء، بالنسبة للمتقاضين أو بالنسبة للسلطة القضائية.

وأقترح الأخذ بالحل الثاني على أن يكون موضوع تطبيق مسطرة الاسترجاع  في  حالتين  اثنين  هما:
حالة ما إذا كان ترك المحل مغلقا  أو مهجورا من شأنه أن يقلق راحة السكان أو يضر بصحتهم أو أن يهدد العقار الذي يتواجد فيه المحل مثلا بسبب انفجار أنابيب المياه  وانكسار قنوات الوادي الحار... إلخ.

والحالة الثانية تتعلق بحالة وفاة المكتري دون أن يترك ورثة كانوا يقيمون معه في العين  المكتراة قيد حياته، وكثيرا ما تكون الوفاة داخل المحل، وتعمد الشرطة أو السلطة الإدارية إلى إغلاق المحل ووضع الأختام عليه.
ولا أعارض في إضافة  حالات  أخرى ستظهر  أثناء المناقشة وتبادل الرأي في هذا الموضوع.
قد يسأل سائل ما البديل بالنسبة لباقي الحالات  فيكون  الجواب هو سلوك  المسطرة  التواجهية سواء كان السبب هو ترك العين  بدون استعمال، أو تركها على حالة تضر بها  ضررا كبيرا أو أن يكون السبب هو إخلال المكتري بالتزاماته التعاقدية أو القانونية.

وما على المعني بالأمر إلا سلوك مسطرة الإفراغ  المنصوص عليها قانونيا، وأن الإجراءات يجب عند الاقتضاء أن تبلغ إلى القيم.
إذ بصدور حكم موضوعي، وقيام القيم بواجبه نتوصل إلى إصدار حكم قار لا يمكن أن يغير إلا بسلوك طرق الطعن المحددة  قانونا.

تلكم كانت بعض الآراء والملاحظات التي ارتأت إبداءها لإيجاد حل لهذه المعضلة، وأملي أن أكون موفقا إلى وضع المشكلة في إطارها الصحيح، راجيا من الجميع أن نعمل على إيجاد الحلول  الملائمة والناجعة للمسألة، لأن تركها على حالها لا يخدم لا مصلحة  القضاء ولا مصلحة  المتقاضين.

والله ولي التوفيق.
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : قضايا الكراء